يسألونك عن العلمانية

ثلاثاء, 03/10/2020 - 08:39

الإمام الصادق المهدي
في القرون الوسطى كانت أوربا تدين بالمسيحية مستسلمة لسطان الكنيسة المطلق، فرئيسها البابا معصوم، وهو يمارس سلطاناً على كل وجوه الحياة، وهو الوصي على كل المعارف، وملوك الدول الأوربية يمارسون الحكم بموجب الحق المقدس الذي تمنحهم إياه الكنيسة، وإذا صدر رأي من أي شخص في أي موضوع فهو مما يجيزه سلطان الكنيسة وإلا حوكم صاحبه إلى درجة الإعدام حرقاً. الاعتقاد السائد هو أن الوضع ثيوقراطي بمعنى أنه هو حكم إلهي.
في وجه هذا السطان الثيوقراطي المقدس نشأت ثقافة تنويرية تحدت هذا السطان في كل المجالات، وخلاصة موقفها هي أنه في كافة أمور المعرفة، وفي أمر السلطة السياسية فإن الحقيقة تستمد من الزمان والمكان في العالم، ولا مجال للقداسة في المعارف وفي الثقافة وفي السياسة.
هذه المفاهيم تلخصها عبارة سكيولارزم التي ترجمتها عبارة علمانية المستمدة من هذا العالم. هذه الترجمة غير دقيقة لما قد تختلط بالعلم، والعبارة الصحيحة كما هي في تراثنا هي الدهرية.
وفي رؤية كثير من فلاسفة عصر التنوير، أي العصر الذي طردت أفكاره القرون الوسطى أن الانتماء الديني يمثل مرحلة في تطور الوعي الإنساني، وحسب تعبير أحد هؤلاء الفلاسفة: الفيلسوف الفرنسي أوقست كومت فإن وعي الإنسان يمر بمراحل أهمها ثلاث مراحل هي: العقائد السحرية ثم العقائد الدينية ثم التحرر من كل هذه الغيبيات في مرحلة العلم الطبيعي.
وتمشياً مع هذا المنطق فإن تشارلس داروين عالم البيولوجيا البريطاني قال بنظرية النشوء والإرتقاء (افوليوشن) لتحل محل قصة الخلق كما جاء في الكتاب المقدس. نظرية وجدت قبولاً عاماً، وقال كارل ماركس إنه نقل منطقها لتطور الإنسانية السياسي.
فكر عهد التنوير وفي كل المجالات نفى الإعتقاد الديني واعتبره منسوباً لأمس الإنسانية المباد.
ولكن الواقع استعصى على انقراض الإعتقاد الديني حتى في البلدان التي أعلنت أنها تنتمي للسكيولارزم. فالكنيسة الكاثيوليكية احتفظت بكيانها الديني، ونافسها المذهب البروتستاني، وانقسمت الدول بين المذهبين، واحتربت حروباً طائلة، حروب انتهت بصلح وستفاليا في 1648م الذي وضع حداً لحرب دامت ثلاثين عاماً.
ولكن حتى بعد ذلك، وحتى في البلدان التي شرعت دساتير “علمانية” استمر للعقائد الدينية دورها. فمثلاً في أمريكا ذات الدستور السياسي العلماني قال جورج واشنطن الرئيس الأمريكي في خطاب رئاسته: كل خطوة نحو استقلال أمريكا صحبتها علامة من علامات العناية الإلهية. وقال: نحن في الالتزام بالدستور نقسم على الإنجيل وهو قسم ملزم لصاحبه. وقال رئيس آخر أمريكي: جورج بوش، مستشهداً بمقولة رئيس سابق: ودورد ولسون: إن للولايات المتحدة طاقة روحية رسالية تجعلنا منفردين بالأهلية لتحرير الإنسانية.
ومعلوم أن للكنائس في الولايات المتحدة دوراً مهماً في دعم هذا أو ذاك من الأحزاب السياسية.
ومعلوم أن الداعية الديني جيري فالويل قد قام بدور مهم في تأييد وإنجاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في انتخابات 2016م.
ومعلوم أن الداعية رالف درولنقر يخاطب تجمعاً دينياً مسيحياً أسبوعياً في البيت الأبيض، وقال نتطلع ليوم قريب يصير فيه المؤمنون موجهون للسلطة.
ومعلوم أن العملة الامريكية الدولار تتصدرها عبارة: توكلنا على الله.
وكل مراسم تنصيب الرؤساء في أمريكا مراسم دينية يشرف عليها القساوسة وقسم الرئيس لأمة واحدة تحت عناية الإله.
أما في بريطانيا فإن رئيسة الدولة هي كذلك رئيسة الكنيسة وفي مجلس اللوردات نسبة محددة تعينهم الكنيسة ولمجلس اللوردات دور في التشريع وفي القضاء.
وللكنائس في البلدان الأخرى وزن سياسي مهم فكثير من الأحزاب الحاكمة فيها تسمى بالديمقراطية المسيحية كما في ألمانيا. وفي أوربا الشرقية استردت الكنائس بعض دورها السياسي الذي قضت عليه المرحلة السوفياتية.
واليوم فإن الكنيسة في روسيا من أركان الدعم للرئيس الحالي بوتين، وهو يقود حركة لاحتواء نفوذ الجماعات الإسلامية في روسيا مما يفسر حماسة روسيا ضد تيارات الغلو الإسلاموي كما في سوريا اليوم.
في القرن التاسع عشر الميلادي والقرن العشرين سيطرت تيارات أصولية علمانية ظهرت في الفكر الأوربي بصورة قوية وعبرت عنها حركات قوية كالشيوعية والنازية.
هذه الغلبة للفكر والثقافة العلمانية أحدثت ردة فعل مضادة أدت لانتعاش الأصوليات في كل الأديان، ففي الهند أدى تفوق العلمانية بقيادة حزب المؤتمر إلى ردة فعل مضادة من نتائجها اغتيال الزعيم الهندي المهاتما غاندي. وفي مجال التنافس السياسي أيد الشعب الهندي حزباً هندوسياً متعصباً هو حزب جانتا الحاكم الآن في الهند منذ عام 2017م.
وفي العالم الإسلامي فقد بدأ في مرحلة ماضية لدى كثير من المفكرين أن الاتجاه نحو انقراض الانتماء الديني كما جاء على لسان الدكتور طه حسين، والأستاذ سلامة موسى، وفي كتابه أولاد حارتنا تبنى الأستاذ نجيب محفوظ أطروحة اوقست كومت المذكورة بشكل روائي باعتبار الدين إلى انقراض ويحل العلم محله. هذه الأفكار شهدت رفضاً قوياً من حركات إسلامية سلفية وإخوانية وكان المشهد الأكثر دراما هو ما حدث في تركيا.
تركيا الكمالية ألغت الخلافة العثمانية في عام 1923م، وطبقت نهجاً علمانياً صارماً معادياً للدين.
ولكن في عام 1970م تأسس حزب إسلامي باسم النظام الوطني بقيادة نجم الدين أربكان ولكن الوصاية العلمانية حلته بعد انقلاب في 1971م.
وبعد عودة الحياة السياسية عاد الحزب باسم آخر واكتسح الانتخابات العامة في 1994م حتى صار رئيسه رئيساً للوزراء في 1996م، ولكنه أجبر على الاستقالة. ونتيجه لهذه المساجلات قررت جماعة من هذا الحزب بقيادة رجب طيب اردوغان تكوين حزب باسم العدالة والتنمية معلناً موقفاً تصالحياً مع العلمانية اكتسح الانتخابات في 2002م، وهو في السلطة صار حاضناً لكثير من الحركات الإسلامية.
أمام المساجلة بين الانتماء الديني والانتماء العلماني راجع كثير من أساطين المدرسة العلمانية رؤاهم: قال أحد هؤلاء: تشارلس تيلور: ليس الدين شأن خاص فحسب، فقد استطاع فرض وزنه في الواقع الخاص والعام. ينبغي أن يسمح للمفهوم السياسي ذا المرجعية الدينية أن ينافس ما دام يتجنب الاحتكار الثيوقراطي ويقبل التعددية، فاللبرالية تهزم نفسها إن هي أبعدت المتدينين بالقوة.
قال: على العلمانيين والمتدينين أن يلتقوا كأنداد في استخدام العقل العام لإرساء معنى عالمياً لحقوق الإنسان. قال: ينبغى إعادة تعريف العلمانية لا بوصفها دعوة لطرد الدين من الحياة العامة ولكن باعتبارها تستجيب للتنوع الذي لا مفر منه للمجتمع الحديث. قال: الديمقراطية التعددية لا تستطيع أن تطرد الدين من حلبة التنافس التعددي، إذا قبل أصحابه شرعية هذا التعدد، إلا إذا خانت مبادئها بفرض رؤية قهرية.
وقال زعيم علماني آخر: بيتر بيرقر: أخطأنا إذ اعتبرنا العلمانية هي شرط الديمقراطية، فقد مورست أفظع الدكتاتوريات تحت شعار العلمانية (هتلر، وستالين) شرط الديمقراطية هو التعددية.
في فكر المسلمين تمت محاولات كثيرة لأنسنة الإسلام على النحو الآتي:
محمد عابد الجابري: ومناداته بقطيعة معرفية مع التراث الشرقي، إنه يحاكي فكرة غربية، ولكن في التراث ما يصلح لتغذية الفكر المستنيرـ مثلاً- مقولة الجوزي عن العقل، وكذلك مقولات فلاسفة المعتزلة، ومقولات ابن القيم عن أن العدل من الشريعة وإن لم يرد به نص وفي التراث كذلك اجتهادات ابن رشد. المطلوب قطيعة معرفية مع اللاحقيقة والتواصل مع رؤى الحقيقة:
محمد أركون: المطالبة بتطبيق العلوم الإنسانية على فهم القرآن، استخدم الفكرة لهدم ألوهية مصدر القرآن، ولكن القرآن نفسه يجعل نواميس الوجود كلها من آيات الله في قوله: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) القرآن نفسه بالتدبر يجيز المداخل للحداثة.
محمد شحرور: يقول إن عبارات اللغة تحتفظ بمعناها، ولكن هذا غير صحيح لأن الإسلام أعطى ألفاظاً لغوية معانٍ اصطلاحية، واقترح إعطاء نصوص معينة قرآنية تفسيرات ذاتية. هذه اجتهادات قابلة للرفض والقبول.
نصر حامد أبو زيد: يقول: باعتبار القرآن منتج ثقافي، ما ينفي ألوهية مصدره، وفي بعض آرائه تناقض، ولكن قال: الإيمان بمصدره الإلهي لا يتعارض مع تحليله وفهمه وهذا صحيح.
محمود محمد طه: مقولة أن الإسلام رسالتان الأولى هي ما كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والثانية حجبت عن الأوئل وهو الآن كاشف ما انغلق فيها، وهو وأتباع الرسالة الثانية هم المسلمون الحقيقيون فلم يبلغ المسلمون الأوائل ولا حتى الأنبياء، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، منزلة الإسلام التي يبلغها أتباع الرسالة الثانية في القرن العشرين. هذا تجاوز لا يسمح به نقل ولا عقل اللهم إلا اذا أوحت به رسالة جديدة، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل.
الشعارات التي تمخضت عنها محاولات أنسنة القرآن أو تحجيم دور الإسلام أدت إلى مفاهيم تلخصت في مقولة فصل الدين عن الدولة، ومقولة العلمانية.
شعارات فصل الدين عن الدولة اشتهر بها حزب الكتائب في لبنان ولكن ما هي الدولة؟
الدولة هي أرض وشعب وممارسة سلطات ثلاث عليهما.
سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية وسلطة قضائية. لا يمكن فصل الدين عن الشعب إذا كان الشعب مؤمناً بعقيدة، كذلك التشريع سوف يتناول تشريعات مثلاً في الأحوال الشخصية. أنواع الفصل التي تتطلبها الحداثة الديمقراطية هي:
الفصل بين المواطنة والانتماء الديني.
الفصل بين السلطة السياسية والعسكرية.
الفصل بين المؤسسات الدعوية والمنظمات السياسية.
الفصل بين ممارسة الحكم وممارسة التجارة.
وأهم هذه المبادئ هي فصل حقوق المواطنة من الإنتماء الديني.
إن محاولات العلمنة أدت إلى ردود فعل مضادة قوية، وإلى اتهام الشعار بأنه استسلام للغزو الثقافي والفكري الوافد.
ردود الفعل هذه الآن تغذي الغلو الإسلاموي وتغذي تيارات التطلع للأسلمة.
ومن أخطر ردود الفعل في هذا الصدد الدعوة للحاكمية التي نادى بها الشيخ أبو الأعلى المودودي ف الهند، فالخشية على الإسلام من التعصب الهندوسي الطاغي أثمر المناداة بالحاكمية وهي دعوة لثيوقراطية تفسر المقولة القرآنية إن الحكم إلا لله، بأن الإمرة لله كما قال الإمام علي عليه السلام الذي رفضها عندما قال بها الخوارج بأنها كلمة حق أريد بها باطل.
عبارة خوارج لا تعني الخروج عن الإسلام بل الخروج عن نهج التدبر المطلوب.
فكرة الحاكمية هذه هي التي تبناها الأستاذ سيد قطب في الإطار العربي وهو كذلك ينطلق من مناخ مازوم بما شهدته الدعوة للأسلمة في مصر.
القهر في الحالتين في الهند وفي مصر أفرز الدعوة للحاكمية بينما الحكم في شرع الإسلام أمره للناس على نحو ما ورد في خطبة أبي بكر الصديق رضى الله عنه عندما بويع: (وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم ، فإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُوني ، الصِدْقُ أمانةٌ والكَذِبُ خِيَانَةٌ، وَالضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ).
عبارة علمانية محملة بمفاهيم فلسفية تنكر أية قيمة لما ليس من عالم الشهادة، هذا الموضع تناوله أهم فلاسفة الغرب عمانويل كانط، قال: نعم إن العقل والتجربة صالحان للمعرفة في عالم الشهادة، ولكن هنالك أشياء مؤثرة في الواقع لا تدركها العقول ولا الحواس.
إذن العلمانية محقة في مجال مداركها العقلية والشعورية، وغير مؤهلة للحكم على ما يتجاوز مداركها.
ولذلك نقول إن المبادئ التي ينبغي الالتزام بها، وهي ضروية للحداثة، هي:
العقلانية فيما تدرك العقول.
حرية البحث العلمي والتجريبي.
حرية الاعتقاد الديني.
حرية اللقاح الحضاري.
الفصل بين حقوق المواطنة والانتماء الديني.
ديمقراطية مؤسسة التشريع.
توجد في المشهد السياسي السوداني أحزاب صغيرة ترفع الشعار العلماني، ولكن أهم تبني لها كان في ميثاق الحركة الشعبية لتحرير السودان، دعوة رحبت بها قوى سياسية سودانية شمالية لأسباب انتهازية بصورة مكشوفة. ففي مؤتمر دور الثقافة في التنمية في القاهرة في عام 1999م قال الأستاذ فاروق محمد إبراهيم مخاطباً الدكتور قرنق عبر وفد أرسله للمؤتمر: نحن نعلم ما تواجه الحركة من اتهامات بالعنصرية ولكن ما دمت سوف تحقق لنا العلمانية سوف ندعمك لحكم السودان، وبياناً لهذا الاتجاه قال ستيفن واندو ممثل الحركة الشعبية في واشنطن في مؤتمر: هنالك شماليون هزمت أجندتهم العلمانية ويريدون الاستنصار بتضحيات الجنوبيين.
نعم نادت الحركة الشعبية بالعلمانية ولكن في واقع الحال تراجعت عن ذلك كشرط للسلام. فالحركة الشعبية بموجب اتفاقية نيفاشا قد اقتسمت السلطة ثنائياً مع نظام الإنقاذ الإسلاموي دون أن يتراجع من موقفه أي قبلت تقسيم البلاد على أساس ديني.
كذلك الحركة الشعبية قبلت الدعم الكبير الذي لقيته من الكنائس، بل تحدث الدكتور قرنق عن مجلس كنائس السودان الجديد باعتباره الجناح الديني للحركة. وعلى أية حال فإن دستور دولة الجنوب عندما اعتمد نص على العادات والتقاليد كمصدر من مصادر التشريع ومعلوم أن هذه التقاليد هي جزء من اعتقادات دينية.
بعد انفصال الجنوب وفي يناير 2013م أصدرت الجبهة الثورية اعلان الفجر الجديد الذي فيه: اعتبار شرعية الكفاح المسلح وسيلة لإسقاط النظام والمطالبة بالوحدة الطوعية أي تقرير المصير، والمطالبة بفصل الدين عن الدولة. وفي أغسطس 2014م بعد حوار مع حزب الأمة أعلنت الجبهة الثورية بكامل هيئتها وبحضور الأخوة عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور معنا إعلان باريس الذي فيه: العمل على إسقاط النظام بالوسائل السلمية، وبدل المطالبة بتقرير المصير العمل من أجل سودان العدالة والمساءلة بين جميع مكوناته، وأننا ناقشنا بعمق علاقة الدين بالدولة واتفقنا على مواصلة الحوار للوصول لصيغة توافقية، ومعلوم أن أهم الصيغ التي اتفقت عليها القوى المقاومة لنظام الإنقاذ، وهي مقررات أسمرا للقضايا المصيرية، خططت للأسس المطلوبة بعيداً عن العلمانية.
مع هذا الوضوح في المبادئ التي ساهمت في إسقاط النظام البائد فإن المطالبة الآن بتقرير المصير والعلمانية مطالبة مشبوهة.
معلوم أن المشهد السياسي الأمريكي ظهرت فيه أصولية إنجيلية متحمسة ضد الإسلام ومتحالفة مع الصهيونية، ومن حماسة هؤلاء ضد الإسلام فإن أحد قادتها، تيري جونز، حدد يوماً لإحراق المصحف (القرآن) بصورة احتفالية، والقائد المسيحي الانجيلي جيري فالون مهتم بالعلاقة الكنسية في الجنوب، وهو يشجع المطالبة بالعلمانية في السودان ليس لأنه علماني فهو متعصب إنجيلي ولكن دعواه للكيد للإسلام.
نحن نقدر مطالب السلام وهي تتلخص في:
أولاً: مسائل إجرائية تتعلق بوقف العدائيات، والعفو العام، وكفالة الإغاثات الإنسانية، وإزالة الألغام، وإطلاق سراح الأسرى والمساجين، وتحقيق الدمج والتسريح في القوات النظامية.
ثانياً: تحديد الأسباب التي أدت للاقتتال وهي سبعة مظالم: سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، مشاركة في الخدمة المدنية، ومشاركة في المؤسسات النظامية، والتوازن في العلاقات الخارجية. هذه المظالم ينبغي تحديدها وإزالتها.
ثالثاً: تحديد آثار الاقتتال لإزالتها وهي معسكرات النازحين ومعسكرات اللاجئين، وما أصاب القرى من تدمير وإحلال سكاني، والحاجة للتعويضات الجماعية والفردية.
هذه الخطوات الثلاث هي موضوعات السلام العادل الشامل الذي يجب الاتفاق عليه وتضمينه في الدستور، كما يجب إشراك الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة كمسهلين ومراقبين.
عدم اتباع هذه المنهجية فتح الباب لإقحام شعارات ومزايدات في عملية السلام دون وجه حق، فالعلمانية لم تكن من أسباب الاقتتال، وقد تحلقت حول المطالبة بها قوى سياسية سوف تثير ضدها قوى سياسية أقوى منها، وتفتح الباب لمواجهات تخرب مشروع السلام العادل الشامل.
القوى المتحالفة من أجل المناداة بالعلمانية يمكن، وبعد الفترة الانتقالية، وفي الانتخابات العامة الحرة، وهي الحلقة الثالثة من الثورة؛ يمكن لهم طرح برامجهم العلمانية للشعب السوداني بل يمكن طرح أية برامج احتكاماً للشعب.
هنالك تدابير لتخريب الفترة الانتقالية بمطالبات غير شرعية: كتمديد الفترة الانتقالية ـ والمطالبة بالعلمانية كشرط للسلام ـ وتقرير المصير ـ والمطالبة بمشاركة في السلطة الانتقالية، وهي مشروعة، دون إجراء الدمج والتسريح.
إن الذين يقحمون مثل هذه المطالب في عملية السلام إنما يخربونها.
المشروع الإسلاموي الذي يتبناه النظام المباد سقط، ولرواده إن أرادوا المشاركة في بناء الوطن بعد الثورة أن يعترفوا بخطأ الإنقلاب على الديمقراطية، وبخطأ إقامة نظام شمولي عازل للآخرين كوسيلة للأسلمة، وبالاستعداد للمساءلة القانونية العادلة.
النهج الحضاري الصحيح الذي نقول به يلخص في أسس واضحة للتعامل مع الوافد من العصر وأسس واضحة للتعامل مع الوافد من الماضي.
التعامل مع الوافد من الماضي يتطلب:
الفهم القرآني بنهج التدبر.
التعامل مع أحاديث السنة القولية على أساس غربلة منهجية.
التعامل مع السيرة النبوية على أساس أنه صلى الله عليه وسلم إنسان وهو رسول الإنسانية.
التعامل مع الفقه على أساس اجتهاد يتجاوز الفقه الصوري ويعتمد على المقاصدية.
التعامل مع التاريخ بنهج موضوعي خالٍ من التقديس.
أما التعامل مع الوافد من العصر فالمدخل إليه مقولة ارنولد توينبي على الحضارة الحديثة أن تعترف بدينها للحضارات غير الأوربية وأن تقر بأن الحضارات الأخرى سوف تستصحب عطاء الحضارات الحديثة باجتهاد يراعي مقولات محمولها الحضاري.
على طول تاريخ الإنسانية لا توجد حضارة مكتفية بذاتها فكل حضارات الإنسانية مدينة لبعضها الآخر.
ومثلما تحمل الحضارة الحديثة لنا دروساً في البحث العلمي والتكنولوجي، فإن حضاراتنا تحمل لهم دروساً روحية وأخلاقية، صار كثيرون منهم يعترفون بذلك مثل كتاب روبرت شدنقر: هل كان المسيح مسلما؟ ومشروع الأستاذين من جامعة واشنطن عن المقياس الإسلامي.

الفيديو

تابعونا على الفيس