د. لبنى شطاب
حاول الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة تبني قضايا المرأة الجزائرية و عمل على كسب تأييدها، بسن بعض القوانين و التشريعات التي يمكن القول إنها في المجمل تصب في صالحها و إن اختلفنا مع الرجل، و هنا قد يختلف معي الكثيرون حولها.
لقد كان الإدراك العام في الجزائر أن المرأة مؤثرة و وازنة في المعادلات السياسية، و يمكن استغلال قضاياها من أجل تحقيق أغراض و مكاسب معتبرة، لذلك كانت معظم الجمعيات و الإتحادات والأنشطة النسائية بمثابة مهرجانات شعبية تسويقية لسياسات الرئيس، خصوصا في المناسبات الانتخابية، و حتى نظام الكوطة الذي جعل عدد النساء حوالي 145 نائبا من مجموع 462 نائبا في البرلمان كانت قيمته عددية لا غير، وهي بالمناسبة الأولى عربيا و تفوق حتى المعدل العالمي المقدر حاليا بحوالي 20%، ولكن دورهن لم يكن مؤثرا في الحياة التشريعية أو السياسية، بل مثلن أحزاب السلطة ذات الأغلبية البرلمانية، و هو ما يفسر ضعف دور المرأة الجزائرية رغم ما يجري تضخيمه ظاهريا.
الواقع أن النظام لم يعالج قضايا المرأة بناء على رؤية استراتيجية ، بل انتهج سياسات عرضية و مؤقتة و أحيانا عشوائية من أجل تحسين صورته محليا و دوليا لا غير، و رغم محاولاته كسب تأييدها إلا أنه أغفل حقيقة أن المرأة هي عماد المجتمع الجزائري، و سياسات التضييق و التهميش و الحقرة التي يمارسها لم تستثنها، و أن كل ما وقع من ضرر على المجتمع قد طالها دون أدنى شك.
لم يكن تواجد المرأة الجزائرية في قلب حراك 22 فبراير 2019 ضد العهدة الخامسة و في مقدمة المطالبين بالتغيير مفاجئا على الإطلاق، و من جميع الشرائح : المثقفات و العاملات و ربات البيوت و الطالبات … وزعن الورود و هتفن من أجل مستقبل أفضل للجزائر إنسجاما مع مطالب الحراك التي رفعها، و قد شكلن كتلة مؤثرة مع الرجل، حيث خرجت كل العائلات بنسائها و رجالها و حتى أطفالها و هو سبب رئيسي حفظ للانتفاضة سلميتها و ابتسامتها.
لقد كان خروج النساء في بداية الحراك كما الجميع من أجل إسقاط مشروع العهدة الخامسة و ضد منظومة الفساد و من أجل التغيير الشامل لجزائر أفضل لجميع أبنائها، و لم يكن الخروج من أجل قضاياهن الخاصة التي عادة ما يراد حصرهن فيها. و لكن عندما بدأ الحراك يتشتت و يتأدلج وتتعدد شعاراته و مطالبه و حتى أهدافه بعد أسابيع فقط من انطلاقه، و مع محاولة جهات معينة السيطرة عليه و توجيهه، حاولت بعض النساء أخذ مساحة خاصة بمطالبهن، و رفعن شعارات فئوية تخص المرأة، و لكن كان يعتقد حينها أن الوقت غير مناسب و سيضر بالحراك و يثنيه عن أهدافه العامة.
كانت حركة فيمينيست حاضرة في الحراك، و لكن تم الإعتداء على من ينتمين إليها، و اتهمن بمحاولة تغريب المجتمع الجزائري بمطالب و شعارات لا تمثل كل نسائه.
لقد تمحورت مطالبهن حول إسقاط قانون الأسرة و هو مستمد من الشريعة الإسلامية في الجزائر، إضافة إلى المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة و مطالب أخرى، و هنا أخذ الدفاع عن حقوق المرأة في الحراك مسارا مختلفا تتنازعه أيديولوجيات و انتماءات مختلفة انقسم المجتمع بأكمله حولها.
إن القوانين الجدلية الخاصة بالمرأة لا بد أن تخضع لنقاش اجتماعي و سياسي عميق، حتى يتم تمكينها على كافة المستويات، فمن غير المعقول أن نتطلع إلى إحداث تغيير شامل و لا يمس من يمثلن نصف المجتمع أو أكثر.
رغم ما تحقق من قوانين و تشريعات و مكتسبات من أجل تمكين المرأة، إلا أنها ما تزال بحاجة لترقية و تطوير أكثر، و لكن أهم تحد أمام المرأة باعتقادنا هو القيود الاجتماعية و الثقافة السائدة التي تخضعها للعادات و التقاليد و تحد من مكانتها المستحقة التي تتناسب مع كفاءتها و ضرورة مساهمتها في عملية البناء المنشودة في إطار “الجزائر الجديدة”.
و هنا أتذكر مثلا حادثة الإعتداء التي سمع عنها الجميع، على سيدة لأنها تمارس الرياضة في حديقة عامة، وعندما اشتكت وجدت حتى الشرطة متعاطفة مع المعتدي، و هذا المثال يظهر جانبا من العقلية المجتمعية و نظرتها إلى المرأة رغم تقدم القوانين.
نحن بحاجة إلى تغيير هذه العقلية المجتمعية و البنية الثقافية السائدة التي تقلل من شأن المرأة و تحصر دورها في بعض القوالب النمطية و الوظائف المحدودة، وفقا لاستراتيجية متكاملة من التشريعات بالتوازي مع عملية التوعية.
نخشى أن يتم إقصاء المرأة من المشاركة الحقيقية في المراحل المقبلة، فقد عودتنا التجارب أن تشارك النساء في المحطات التاريخية الهامة ثم يتم القفز عليهن بالتهميش، و هنا أستذكر أن المرأة الجزائرية التي لم تتردد في رفع السلاح في الحرب التحريرية الكبرى جنبا إلى جنب الرجل، قد تم تغييبها عن الحياة السياسية بشكل شبه كلي مباشرة بعد الاستقلال، و لم نر امرأة وزيرة إلا عام 1984 أي بعد مضي أكثر من عشرين عاما على الاستقلال، رغم أن دستور 1963 يؤكد على ضرورة إشراك المرأة في الحياة العامة وإعطائها فرصة التعليم، لكن التيار المحافظ في دواليب الحكم كان يتحفظ على مشاركة النساء خصوصا السياسية منها.
من جهة أخرى تقع المسؤولية الأكبر على النساء لتحسين موقعهن، و ضمان حقوقهن، لأن النظام وحده لا يستطيع التكفل بهذه المهمة، على أن يبدأ نضالهن الحقيقي من العمل الميداني الذي يتيح لهن فرصة الإحتكاك بالواقع اليومي الذي تعيشه المرأة، فالحقوق تفتك افتكاكا. وسيتحقق كل ذلك بتأسيس دولة المواطنة التي تضمن حقوق جميع مواطنيها دون استثناء.
كاتبة جزائرية