الخطاب التركي في سورية بين حقائق المصالح والدعاية الشعبوية

اثنين, 03/02/2020 - 23:37

كمال خلف
تدخل تركية الحرب مباشرة من أجل شيء واحد فقط هو الاحتفاظ بإدلب ، يبدو خطاب تركية دفاعا عن هذا التدخل و التصعيد العسكري متناقضا ويفتقد للتماسك ، لكنه مصحوب بدعاية قوية يتولى تسويقها في العالم العربي التيار الإسلامي بآلة إعلامية متطورة ومنتشرة. هو خطاب اعتمد ابتداء على مقولة إلزام الحكومة السورية باتفاق سوتشي ، لكن المؤكد أن أنقرة لم تف بأي التزام من هذا الاتفاق سوى نشر نقاط مراقبة لها في أماكن مختلفة من إدلب وريفها وريف حلب . وعملت على تقوية الجماعات المسلحة داخل منطقة سوتشي .
هي ذاتها طلبت أكثر من مهلة من موسكو لتطبيق بنود الاتفاق المتعلق منها بسحب الجماعات المسلحة من المسافة المتفق عليها في سوتشي و فصل الجماعات المصنفة إرهابية عن تلك التي أصبحت تابعة لها مباشرة في الشمال وقد حصلت على مهلة لمدة عام ونصف . لكن النتيجة هو المواجهة الراهنة و قتال الجيش التركي مع الجماعات الإرهابية كتفا لكتف. وهذا كشف عدم صدقية أردوغان فيما تعهد به للروس في إطار اتفاق وقع عليه بنفسه . يتجاهل الأتراك اليوم هذه الحقائق ويطرحون رواية معاكسة تماما .
أما الجانب المتعلق باللاجئين فهو جانب تجعله تركية أحد أسباب تدخلها العسكري ، وتقول إنها لا تحتمل المزيد من اللاجئين ، لذلك عليها منع ذلك عبر عملية عسكرية تعرقل تقدم القوات السورية ، في حين أن وقائع الميدان تؤكد أن الروس والحكومة السورية حاولا فتح معابر إنسانية في ريف ادلب لاستقبال اللاجئين إلى مناطق أمنه داخل سورية . إلا أن تركية منعت ذلك بشكل مشدد.
وبالمناسبة هنا فإنه من المفيد تذكر هذا الخطاب ذاته فيما يخص المدنيين في مدن سيطر عليها الجيش السوري خلال السنوات الماضية ، مثل مضايا وداريا و الغوطة الشرقية ووادي بردى في ريف دمشق ومناطق ومدن أخرى . حينها كان الخطاب يقول إن الجيش السوري والحكومة السورية تقوم بعملية تهجير ممنهج وتغيير ديمغرافي . و الزائر لهذه المناطق اليوم يدرك بشكل ملموس عودة معظم أهل تلك المدن إلى بيوتهم ، وعودة الحياة الطبيعة لها . بالمقابل أجرى الأتراك عملية تهجير وتغيير ديمغرافي ممنهج للمدن التي سيطروا عليها خلال عملتي درع الفرات و غصن الزيتون ، ومنعت كل سكان تلك المناطق من العودة ، واسكنت بدلا عنهم عائلات الجماعات المسلحة المحلية التي رفضت المصالحات والتسويات مع الحكومة والسورية في المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري ، وفضلت الانتقال شمالا عبر حافلات امنتها الحكومة السورية لهم .
.
الخطاب التركي الذي تسوقه للرأي العام العربي بصيغة إنسانية في ملف اللاجئين ، تستخدمه في الخطاب السياسي من باب الابتزاز لأوروبا ، وتتعامل معه كورقة ضغط لجر الأوربيين لدعم التحركات العسكرية التركية شمال سورية ، والوقوف معهم في وجه روسيا . هي جملة مواقف وسياسات تسوق شعبويا على أنها أخلاقية ومبدئية ، أما سياسيا فإنها تستخدم السوريين المدنيين والمسلحين وقودا لتحقيق أهداف الرئيس أردوغان وأحلامه ، وأحلام مجموعة من حوله يغلب عليها الفكر الطائفي ، والرغبة في المغامرة . لذلك لا ضير لديها في دفع أردوغان إلى المستنقع السوري ولو على حساب الدم التركي والسوري ، وهو أصبح أسيرا لأهواء هذه المجموعة لا يستمع إلا لهم .
شعبويا أيضا يتم التسويق الدعائي لمصطلح يوصف فيه الجيش التركي بأنه ” الجيش المحمدي ” الرئيس أردوغان نفسه أطلق هذا الوصف على جيشه لكسب تأييد المسلمين حول العالم . أما في الحقائق فإن” الجيش المحمدي ” يستنجد بالولايات المتحدة و الناتو لدعم هذا الجيش في الشمال السوري . فكيف يكون جيشا محمديا يخوض حربه بدعم من الحلف الأطلسي و إدارة دونالد ترامب ؟ .
هي صورة تعكس انفصام خطاب في اعتماد خطابين الأول شعبوي يداعب عواطف الحالمين بتركية العثمانية وريثة خلافة اسلامية ، وآخرون ينظرون اليها على أنها حامية أهل السنة في العالم . والثاني سياسي مصلحي يجعل من الأطراف المحلية أوراق لعب لتحقيق أهداف سياسية تقوم على التناقضات بين روسيا والولايات المتحدة و يقترب من إيران للتعاون والتنسيق ، بينما ينحو في الشق الشعبوي نحو وصفها بالمجوسية والرافضية والشيعية.
أما إرسال تركية للمقاتلين السوريين من إدلب إلى ليبيا بشكل علني للقتال الى جانب حكومة السراج ، ما جعل هذه القوات التي يصفها الخطاب التركي ومن حوله بأنهم ” ثوار حرية” يقاتلون ضد ظلم النظام ودفاعا عن مناطقهم ، جعلها مجموعات مرتزقة تقاتل لحساب تركية في كل مكان ، ولم يجد الخطاب التركي المسوق للرأي العام العربي ردا على هذا الأمر سوى تكرار السؤال التالي .. لماذا تدعم الإمارات ومصر والسعودية خليفة حفتر ؟ ولماذا ترسل روسيا مجموعات ” فاغنر ” إلى ليبيا ؟ . في الحقيقة هو خطاب يفتقر إلى الحقائق وتسلسل الأحداث في ليبيا . لأن دعم وتسليح وتشكيل وتأثير تركية وقطر على المجموعات الليبية المسلحة التي تحيط بالسراج اليوم سابق لتشكيل جيش خليفة حفتر وسابق لحكومة الوفاق نفسها . بل وأكثر من ذلك أن إرسال المقاتلين بدأ من ليبيا بعد سقوط حكم القذافي إلى سورية للقتال هناك ، الفرق اليوم أنه كان غير معلن قبل عدة عوام واليوم يتم باتجاه معاكس من سورية إلى ليبيا علنا .
وقد نجد ذات هذه اللازمة في الخطاب تجاه الوضع في سورية ، فيكرر ذاك الخطاب السؤال الدفاعي الذي يعتبرون انه مفحم . لماذا تتدخل روسيا وإيران ؟ بينما حرام ذلك على تركية ؟ والحقيقة هو أن تدخل تركية بالسلاح والعتاد وإدخال المقاتلين عبر حدودها والحملة المشتركة بينها وبين الولايات المتحدة وعدة دول لإسقاط النظام في سورية هي من فتحت باب التدخل لإيران وروسيا . عدا عن أن هذا الخطاب يناقض نفسه في الحالتين الليبية والسورية ففي الوقت الذي يعتمد فيه على دعوة حكومة الوفاق للتدخل لاصباغ شرعية على إنخراطه مباشرة في الحرب الليبية ، يرفض ذات المنطق في سورية بالنسبة لإيران وروسيا . مع أن في كلا الحالتين هناك حكومة معترف بها دوليا .
يبقى الخطاب تجاه فلسطين والقدس قائما في كل وقت على المستوى الشعبوي، بينما يسعى الرئيس أردوغان للحصول على مساعدة إدارة ترامب عرابة صفقة القرن في تحقيق أهدافه في الشمال السوري ، وبتزامن قصفه للجيش السوري شمالا مع قصف إسرائيل لذات الجيش جنوبا.
إن لغة التهديد هي ما يغلب على سياسيات الرئيس أردوغان أقله خلال السنوات الثلاث الماضية ، تهديد لكل من يختلف مع تركية في السياسيات . تهديد سورية ومصر والعراق و قبرص واليونان . تهديد أوروبا والإمارات والسعودية والجيش الليبي في الشرق والاكراد في الشرق السوري وحتى المعارضة التركية في الداخل ورفاق دربه ممن يخالفون سياساته .
الذرائع التركية حيال الملف السوري وربما ملفات في المنطقة غير مقنعة وتدفع إلى مواجهة تركية ومنعها من الاستمرار في نهجها ووقفها عند حدها . وربما يحصل ذلك قريبا في ادلب .
كاتب واعلامي فلسطيني

الفيديو

تابعونا على الفيس