مرام هواري
لم يعد خافياً على احد ما اصبح عليه الوطن العربي برمته من قتل ودمار نال من رقاب البلاد والعباد وتقطيع لأوصاله من الوريد الى الوريد ، ازمات وفوضى لم تكن بمحض الصدفة وانما كانت ترجمة حرفية لمصطلح لم يكن بعبثياً وانما اختير بعناية وتم تطبيقه بكل ما في الكلمة من معنى “الفوضى البنّاءة” اختلقها الغرب لتكون بداية لمشروع امريكي-اسرائيلي في المنطقة العربية كافة “مشروع الشرق الاوسط الجديد” ليتوائم مع اهداف الاحتلال الاستعمارية وأجندات لها غاية في نفس الامبريالية الجديدة تمكنها من بسط سيطرتها ونفوذها على كامل الارض العربية من النيل الى الفرات, وتمهيداً لسايكس بيكو جديد اهم دعائمه تقسيم المقسّم..وتجزئة المجزء وهندسة الوعي العربي ليصبح تماماً كما اريد له ان يكون وطن مقسم الى دويلات تحكمه وتسيطر عليه الطائفية القومية والقبلية بلا حدود تحميه او جيش يدافع عنه فتكون هي المسيطر الاول والاخير على مقدراته وثرواته, فهم يدركون تماماً من اين وكيف ومتى تُأكل الكتف…!؟ فضمنوا لهذه الفوضى مئة سنة او يزيد, فكان لهم ما أرادوا..! فهم من جهة يشجعون الحركات الانفصالية والثورات التي تتوائم مع اهدافهم داعمينها بالمال والعتاد وبكل ما أوتوا من قوة, ومن جهة اخرى تراهم يدعمون الانظمة القمعية الاستبدادية لاسكات اصوات لا يُراد لها ان تُسمع, وثورات لا يراد لها ان تكون.
ففلسطين وهي جزء لا يتجزأ من هذا الوطن لم تكن بمنأى عن هذه الفوضى والعبثية, فشأنها في ذلك شأن باقي الدول العربية كانت على موعد ولسنين عددا مع فوضى داخلية عبثية وانقسامات سياسية أوقعتها في فخ الفتن الحزبية والفصائلية حيث نالت من قضيتها وأمنها وأمانها وعملت على تآكل النسيج الداخلي الفلسطيني حتى اوشكت على القشور ، فقزّمت قضيتها وحجّمتها في المحافل الدولية ووضعتها في مكان كيفما أرادت لها اسرائيل ان تكون, فيا ليت قومي يعلمون..!!
وما زال الفلسطينيون يعيشون وهماً طال انتظاره مفاده دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة عاصمتها القدس الشريف جعلوا اساسه حل الدولتين يتم الوصول اليها بعملية سلام حلوها مُر وشهدها علقم ، حل لم يكن مطلباً فلسطينياً وانما “مكرهاً أخاك لا بطل” فباسم السلام بات امننا مهدد ومعاناتنا اعمق وكيف لا واسرائيل وبيدها اليمنى تبطش وتقتل وتجرف الاراضي وتصادرها وتبني المستوطنات, وبيدها اليسرى تصفعنا بصفقتها التي تخالف بنصوصها رؤية لما يجب ان تكون عليه مسألة حل الدولتين ثم يتهموننا بأننا من يرفض السلام ويضيّع الفرص فعن اي سلام يتكلمون عندما اصبح سرابا على اعتاب الوهم وبأي يدٍ سيصافحون !!
فمسألة حل الدولتين لاقت ترحيباً دولياً وامريكياً لحل الصراع القائم منذ عقود ما بين من يملك ومن لا يستحق والذي سيجلب لنا ” المن والسلوى” متخذين في البحر سبيلنا سرباً لندرك متأخرين وبعد انتظار طويل لساعة القطاف اننا لم نطال منه لا بلح العراق ولا عنب اليمن..! وأدركنا متأخرين ان المشروع الصهيوني أبداً لن يقبل القسمة على اثنين, فهم يريدون فلسطين كلها واهل فلسطين لهم فلسطين الا كلها ..!!
فهم يريدوننا مواطنين غير مالكين في ارضنا غير مدركين بأننا شعب قناعته “خلقنا هنا لنبقى”
فبعد ان كان اقتراحاً امريكياً لاقى ترحيباً فلسطينياً ضبطنا ايقاعنا على مفهوم جديد وواقع مرير نجم عن ضربة قاضية وانقضاض على عملية السلام من قبل من قدّمت نفسها كراعية لها معلنة تصفية القضية الفلسطينية من خلال “صفقة القرن”, محاولةً منها لالقاء كرة اللهب بعيداً عن ملعبها فانقطع لدى الفلسطينيين شك التسريبات بيقين التصريحات “خيبة وخذلان ومشروع نكبة جديد” من قبل موقف امريكي لم يعد متناغماً مع قرارات الشرعية الدولية, فالراعي الاول لعملية السلام اصبح هو من ينتهكها باقراره لحزمة سياسات مجحفة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومرنة للكيان الصهيوني اقراراً بالغ السلبية اتجاه قضية كانت هي بالامس الوسيط النزيه فيها نافضة الغبارعن وجهها, لتظهر للعالم ما كانت تبطنه فلم تعد ترى في المستوطنات خرقاً للاتفاقيات الدولية, كما ان الاعتراف الامريكي ومن منطلق الامر الواقع والقوة بأن فلسطين وطناً قومياً للشعب اليهودي وبالقدس الشرقية عاصمة ابدية لاسرائيل, وضع عملية السلام على مقصلة التصفية و في حالة الخطر متجاهلة للقوانين الدولية وقرارات مجلس الامن التابع للامم المتحدة رقم (476) والذي اكدته ايضاً اتفاقية جينيف الرابعة عام (1949), التي لا تجيز لدولة الاحتلال اياً كانت ان تعمل على ضم اجزاء من الاراضي التي تحتلها, بل عليها احترام الوضع القانوني لهذه الدولة, كما افصحت عمّا كانت تضمره اتجاه قضية اللاجئين وحق العودة الذي يعتبر الركيزة الاساسية التي قامت عليها اتفاقية اوسلو, فقد بات حق العودة عرضة لاعادة التعريف ليصبح نظرياً وعلى ارض الواقع يتعلق بحق اليهود بالعودة الى ارض الميعاد المزعومة ولا علاقة له بنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني تم تهجيرهم قسرياً من هذه الارض, مما خفض اسهم الآمال لدى اللاجئين في امكانية عودتهم الى وطنهم, فلا مرجعية دولية للقرارات الامريكية…ولا حصانة…ولا مفاوضات لاي اتفاقيات سبقت بل قرارات تُملى وعلى الاخرى ان تنفذ….!!!
فقد بات مجلس الامن, والامم المتحدة, والجامعة العربية واللجنة الرباعية مجرد مسكنات مؤقتة تعطى للشعوب المضطهدة لالهائها واسكاتها فلا وزن لها ولا لمن يلبسون ثياب العروبة والاسلام كذباً وتضليلاً, الذين يستنكرون رفضنا لهذه الصفقة ليكشفوا عمّا تبقى ممّا خفي واستتر وليدقوا المسمار الاخير في نعش الدولتين….!!
كاتبة فلسطينية