د. طالب الرفاعي
هناك فرصة تولد من رحم كل أزمة وكلما كانت الأزمة أكثر عمقًا كلما كانت الفرصة اكبر . و صفقة القرن اليوم قد تمثل لنا هذه الفرصة التاريخية.
و لا بد لنا بداية ان نعي ان،
١ . الحديث عن هذه الصفقة و تفاصيلها كان، الي حد كبير، متوقعا و كان الحديث عن هذه التفاصيل مدار حديث الكثير منا قبل الإعلان عنها، و واضح جدا ان الطريقة المسرحية التي تم فيها الإعلان عن هذه الصفقة هي بالأساس محاولة لمواجهة الضغوط الانتخابية على ترمب و نتانياهو و انها بالأساس مصممة لتكون مرفوضة من قبل الطرف المعني .
٢ . الصفقة لم تأتي باي جديد، فما تطرحه موجود فعليا على الأرض، و الإعلان ما هو الا محاولة لشرعنة ما هو موجود على الأرض، غور الأردن مسيطر عليه اليوم من قبل قوات الاحتلال و لا نستطيع الوصول الى المناطق الفلسطينية اليوم بدون إذن و تدقيق سلطات الاحتلال و القدس بكاملها تحت سيطرته أصلا و منذ عام ١٩٦٧ و المناطق الفلسطينية ممزقة و لا يمكن لأي فلسطيني او زائر الوصول من منطقة الى أخرى دون المرور بنقاط التفتيش الاسرائيلية و اليوم هناك دولة واحدة غربي النهر، دولة يهودية هي اسرائيل و الباقي و مهما كثر عددهم ما هم اليوم، الا سكان دون أية حقوق . فصفقة القرن، إذا ما هي الا محاولة لشرعنة نظام فصل عنصري، ” أبارتايد “، موجودد اليوم على الأرض و بذلك تكون
الصفقة قدولدت، كما هي فعلًا، ميتة .
لماذا إذا كل هذه الضجة حول هذه الصفقة خصوصا في الأردن ؟
، الصحيح ان هذه الصفقة على كل ما فيها , يمكن لنا ان ننظر اليها هنا في الأردن، كفرصة تاريخية.
كيف ذلك ؟
لا بد لنا من الاعتراف أولًا بان الأردن يعيش منذ فترة في حالة من تآكل في الاتصال و الثقة بين الشعب و الحكومات المتعاقبة .
و تأتي هذه الصفقة اليوم لتمثل، و لأول مرة منذ زمن، حالة من التوافق بين شعور الشارع و قناعاته من جهة و بين المواقف الرسمية المعلنة من جهة أخرى . فلماذا لا ننتهز هذه الفرصة لنقوي و ندعم هذا التوافق الهام، فهذا يمثل و بدون شك فرصة تاريخية .
انها فرصتنا لندعم الجبهة الداخلية و نقويها . و نرسل للعالم اجمع رسالة واضحة وبسيطة مفادها،
” قوتنا الحقيقية في تماسك جبهتنا الداخلية، في هذا الانسجام الفريد مع الشعب، فلن يكون هناك حليف أقوى ولا اضمن لاستقرار هذا الوطن الطيب الا التالف و الاتحاد مع الشعب، فهو الضمانة الحقيقة الوحيدة للاستقرار، و لن يفيد الأردن أي حليف اخر .”
هذه فرصتنا في الأردن فهل نغتنم هذه الفرصة
و ما هو المطلوب في هذه الحالة ؟
١ . يتوجب علينا كشعب واعي و مدرك للتحديات ان نرسل بإشارات واضحة لا لبس فيها اننا مع السلطة و مع العرش، و اننا نعي تماما حجم التحديات و الثمن، السياسي و الاقتصادي، الذي يتوجب علينا دفعه و نحن جاهزون لذلك ما دامت السلطة متمسكة بمواقفها التي تجمعنا معًا ..
٢ . و يتوجب على النظام ان يحترم توجه الشارع و رغبات الشعب دون مساومة، و يتوجب عليه ايضا المضي قدما بكافة الإجراءات و الخطوات، و التي لا عودة عنها، في الإصلاح السياسي و الاقتصادي التي تدعم و تثبت الثقة بالشعب و بخياراته
يتوجب على النظام و الحكومة ان تطبق فورًا ما نص عليه كتاب التكليف السامي للحكومة الحالية و قد نص بالحرف،
” إن الحكومة مطالبة أيضاً بمواصلة مسيرة الإصلاح السياسي ………….؛ وهنا لا بد من إعادة النظر في التشريعات الناظمة للحياة السياسية بما يعزز من دور الأحزاب ويمكنها من الوصول إلى مجلس النواب…………..
إن الحوار والتواصل وبناء التوافق هي من أهم الأدوات التي على الحكومة أن ترتكز إليها في انفتاحها وتواصلها مع السلطات الأخرى ومع المواطنين. فعلى الحكومة أن تستمع للمواطنين وتشرح، بكل شفافية وموضوعية……… الظروف الاقتصادية الصعبة التي مررنا ونمر بها، لأن فهم الواقع هو المفتاح لبلورة أي إجراءات أو تشريعات ضرورية لتجاوز الظرف …. الصعب………..”
لا يبدو اننا نتحدث اليوم كثيرا عن هذا النص و يبدو و كاننا نسيناه
المطلوب اليوم، حكومة يثق بها الناس من سياسين مخضرمين، يعرفون كيف يتحدثوا مع الشارع و يثق بهم هذا الشارع وان تضع هذه الحكومة حدا للأحاديث التي تدور حول احتمال تأجيل الانتخابات القادمة . فعلى أهمية الحالة الاقتصادية و ما وصلت اليه من تردي غير مسبوق، أنا مقتنع تمامًا بان التحدي سياسي بالأساس و الحكومة، مع أهمية وجود فريق فني اقتصادي داعم لها، يجب ان تكون سياسية بامتياز . و ان تكون مهمتها، في كتاب تكليفها، بسيطة و واضحة
” اجراء انتخابات نيابة فورًا و حسب الموعد المقرر لها و على هذه الحكومة الجديدة ان تكون سياسية و مصغرة،و ان تسلم السلطة لحكومة برلمانية منتخبة بأسرع وقت ممكن و بمدة اقصاها،الفترة النيابة القادمة، و بموجب قانون انتخابات جديد يثق الشعب بقدرته على ان يفرز برلمانا و حكومة يقتنع الناس بانهما يمثلان الشعب “
هذه فرصتنا للعودة للأصول في علاقة الشعب بالسلطة
فرصة تاريخية أتمنى ان لا تفوت
قد يبدو هذا الطرح انتهازيًا او شعبويا و لكن لا بديل لذلك فكلفة عدم البدء بالإصلاحات السياسية االيوم و، بعد مسرحية الإعلان عن صفقة القرن، اكبر بكثير من كلفة البدء مباشرة بالإصلاحات السياسية التي نتحدث عنها منذ زمن
الشعب جاهز و الوقت هو الان فهل نغتنم هذه الفرصة ؟
و للحديث بقية
كاتب ووزير اعلام اردني سابق