ديانا فاخوري
لا مكان لأصحاب الصراخ الضخم من لابسي قشرة الحضارة والروح مفلسة وجاهلية .. ممن يرتجلون البطولة ارتجالا جاعلين من الأقزام ابطالا ومن الاشراف انذالا .. اصحاب الكلام المثقوب، كالأحذية القديمه .. اصحاب مفرداتِ العهرِ، والهجاءِ، والشتيمه .. يدخلون الحرب بمواهب الخطابة .. بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابه .. يدخلونها بمنطقِ الزار والطبلةِ والربابهْ، وبالناي والمزمار – مع الاعتذار من نزار قباني لتصرفي ببعض شعره!
هذا زمن لا بد ان يعيدنا للزعيم أنطون سعاده (1925/5/1) وصديقه الرزين ليلاقي بلفور حتفه في سوريا، ويستحل نفطنا خنجرا من لهب ونار بدل ان يراق تحت ارجل ايفانكا والجواري .. يقول الزعيم:
“بعد الاجتماع الذي أتينا على ذكره جمعتنا الظروف بصديق آخر رزين هادئ يفكر في الأمور ملياً قبل إعطاء حكمه وكان مدار كلامنا بلفور وزيارته لسوريا، قال الصديق أن بلفور كان يجب أن يلاقي في سوريا حتفه (إذ لا يخيف اليهود شيء مثل الموت).
أجل لا يخيف أصحاب الحركة الصهيونية التهويل من بعيد والجعجعة بل الشيء الحقيقي الذي يخيفهم هو الموت، ولو وجد في سوريا رجل فدائي يضحي بنفسه في سبيل وطنه ويقتل بلفور لكانت تغيرت القضية السورية من الوجهة الصهيونية تغيراً مدهشاً، فإن الصهيونيين عندما يرون أن واعدهم بفلسطين قد لقي حتفه يعلمون أنهم يواجهون ثورة حقيقية على أعمالهم غير المشروعة ويوقنون أن سوريا مستعدة للمحافظة على كل شبر من أرضها بكل ما لها من القوى وما لديها من الأسلحة العصرية والقديمة.
إن المعارك التي حدثت بين السوريين والصهيونيين في أول مايو من سنة 1922 في حيفا وأماكن أخرى من فلسطين وقتل فيها عدد غير قليل من اليهود لم تكن بلا تأثير، بل أدت إلى نتائج هامة وألقت على الصهيونيين عظات بليغات، كان من ورائها أن عائلات كثيرة تركت فلسطين وعائلات كثيرة رجعت عن عزمها على استيطان تلك البقعة السورية أما احتجاجات السوريين على وعد بلفور أثناء زيارته لسوريا فلم تأت بنصف التأثير الذي أتت به حوادث سنة 1922.”
“أجل لا يخيف أصحاب الحركة الصهيونية التهويل من بعيد والجعجعة بل الشيء الحقيقي الذي يخيفهم هو الموت”!
كإمب ديفيد، أوسلو، وادي عربة، تطبيع بضمير صائح او سائح او غائب او مستتر، صفقة القرن – كلها محاولات يائسة بائسة لصيانة النكبة الفلسطينية ومعها وبها صيانة اسرائيل/المستعمرة الاستيطانية!
أكرر ان عبقرية ترامب الرياضية جعلت اقل من 15% تساوي 100% ويزيد: إدارة ذاتيّة لأقل من 15% من فلسطين على هيئة مجموعة مستوطنات او كانتونات او حتى “غيتوهات” مبعثرة بلا حدود او سيادة = 100% من فلسطين (من النهر الى البحر، ومن الناقورة الى ام الرشراش – 27,009 كم²) .. يا لروعة “صفقة القرن” هذه .. بل كيف تمكّن ترامب من انتزاع هذا التنازل من المحتل: 15% من احتلاله!!! وهكذا يُسقط ترامب حتى رمم “كإمب ديفيد”، و”أوسلو”، و”وادي عربة” وعظامها المتعفنة بالتخلي لـ”إسرائيل” عن القدس والمستوطنات والأغوار والسلاح والنازحين وحق العودة وحق المقاومة والعلاقات الخارجية أيا كانت .. وهكذا تتمدد “اسرائيل” علي 85% من فلسطين ونصب عينيها فلسطين بكليتها دولةً يهوديةً صرفةً بلا فلسطينيين بعد تهجير أهلها الى أراضٍٍ عربيةٍ مجاورة .. نعم هكذا ينعى ترامب عملية المفاوضات وثقافة النعجة والاستسلام (وتُكنّي ثقافة السلام)، والتفاهمات والتسويات وخفض النزاعات، ويعلن المقاومة طريقا وحيدا للتحرير.. ف”أَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ” ولكم في الفيتنام، وغزة، وطالبان الاسوة الحسنة!
كما سقط حذاء السفير الأميركي على سفارة بلاده في سايغون، كذلك تسقط صفقة القرن بقرن غزال!
تذكرون كيف سقط حذاء السفير الأميركي على سفارة بلاده في سايغون أثناء فراره في الهيليوكيبتر توثيقاً لانتصار المقاومة الفيتنامية بعد نضال استمر عشرات السنين ضد الفرنسيين والأمريكيين من بعدهم مما اضطرهم للانسحاب من فيتنام علما بأن الولايات المتحدة كانت قد دفعت هناك بأكثر من نصف مليون جندي لتتجاوز خسائرها 58 ألف قتيل و150 ألف جريح .
واذكروا صمود المقاومة في غزة لنيف و50 (اكثر من 6×8) يوما رغم الحصار الصهيواعروبيكي .. واذكروا الانتصارات التي حققتها الطائرات الورقية والبالونات الحارقة والحجارة والصواريخ وسط عبث المفاوضات ورغم صلوات رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحاق رابين وابتهالاته أن يصحو ذات يوم فيجد غزة وقد غرقت في البحر بعد ان يخسف الله ارضها!
وها هم ثوار طالبان، من على دراجاتهم النارية، يضطرون الولايات المتحدة لاستجداء وقف اطلاق النار لمدة اسبوع رغم حوالي 20 سنة من التفاوض والقتال!
ولأن التاريخ لا يتقن النسيان، فلنذكر كيف استعاد الأردنيون اراضيهم في جلعاد ووادي جرش حيث أقام اليهود ثلاث مستوطنات وحاولوا شراء المزيد من الاراضي نحو أحلام ظنّوها مستدامة باستقدام ألمزيد من اليهود وباستدعاء بعض الأساطير التوراتية عام 1870 .. اما الاردنيون فعقدوا العزم على المقاومة وإلاطاحة بالاستيطان الصهيوني فكان اجتماع القبائل الأردنية في صيف عام 1876 برئاسة الشيخ مفلح عبيدات “أبو كايد” واجماعهم على المقاومة وطرد اليهود الصهاينة .. وعليه هاجم الأردنيون من رجال الله في الميدان المستعمرات اليهودية الثلاث بما تيسّر من أسلحة خفيفة ثم أحرقوها تطهيرا للمكان وتنقية له من الدنس الذي أصابه. عندها وبالاستناد لمنطق القوة والمقاومة و”طوال القنا” هذا، قام رجالات العشائر هؤلاء بتحذير الصدر العثماني الأعظم من هجرة اليهود إلى ألمنطقة او استملاكهم للأراضي فيها!
وللتاريخ أيضاً، لا بد من إليا أبو ماضي و”خطب فلسطين”:
“يريد اليهود بأن يصلبوها وتأبى فلسطين أن تذعنا//
وتأبى المروءة في أهلها وتأبى السيوف وتأبى القنا//
ألا ليت بلفور أعطاكم بلاداً له لا بلاداً لنا//
فلندن أرحب من “قدسنا” وأنتم أحب إلى “لندنا”//
فليست فلسطين أرضاً مشاعاً فتعطى لمن شاء أن يسكنا//
فإن تطلبوها بسمر القنا نردكم بطوال القنا//
وإن تهجروها فذلك أولى فإن فلسطين ملك لنا//
وكانت لأجدادنا قبلنا وتبقى لأحفادنا بعدنا//
نصحناكم فارعووا وانبذوا بليفور ذلك الأرعنا//
فإنّا سنجعل من أرضها لنا وطناً ولكم مدفنا”//
وأختم بزيارة لتغريدة سابقة: البنادق اصدق أنباء من الكتب!
“هنا حطت رحائلنا” في معلم مليتا السياحي، في الثالث من ايلول، 2019 مُعمّدين بعطر الاول من أيلول،2019، مستذكرين ان مستوطنة “أفيفيم” انما أُقيمت عام 1958 على أنقاض قرية عربية اسمها «صالحة» (أو «صلحا») .. بخشوع قرأنا وندعوكم ان تقرأوا الآيات الكريمة:
أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – ٢٢ سورة المجادلة
وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ – ٥٦ سورة المائدة
اذا جاء نصر الله والفتح – ١ سورة النصر
كما استذكرنا “ابو تمام” بتصرف:
البنادق اصدق أنباء من الكتب //
في طلقاتها طلاق بين الجد واللعب//
ثم أعدنا تكرار الدعوة لتصحيح البوصلة وتوجيه البنادق الى تل ابيب وقراءة الآية الكريمة:
وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ – ١٣ سورة الصف
الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين!
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
كاتبة عربية اردنية