طلال سلمان
كشفت الانتفاضة الشعبية الرائعة التي تدفقت جماهيرها إلى الميادين والساحات والشوارع الحاجة الماسة إلى برنامج مشترك للقوى المشاركة فيها يحدد الخطوات الضرورية لتحقيق الاصلاح المنشود.
هل من الضروري التذكير بان “النظام” القائم في لبنان أقوى بكثير مما يقدر المنتفضون عليه، مهما تزايدت اعدادهم في الشارع، طالما غاب المشروع السياسي الجامع لقوى التغيير في برنامج محدد المرحل والخطوات الواجب اتخاذها لتنفيذها وفق توقيت مدروس.
ليست القوى المعترضة اطرافاً يجمعها مشروع مشترك يرسم مسار التحرك إلى التغيير وحدود هذا التغيير ومداه بشكل محدد واضح لا يترك مجالاً للتأويل او سوء الفهم بحيث ينفرط عقد المعترضين عند اول عرض للتغيير يطرحه النظام، وقد لغمه بما يعيد تفجير الخلافات بين من جمعتهم الرغبة في التغيير… خصوصاً وان هؤلاء الذين نزلوا إلى الشوارع والساحات في بيروت وصيدا وطرابلس وزحلة وبعلبك وصولاً إلى عكار ليسوا موحدين في كيفية التغيير وآماله فضلاً عن بديله.
ومن الضروري، هنا، الاشارة إلى أن النظام اقوى بكثير مما يقدر اصحاب الرغبة في التغيير. فهو نظام طوائفي شديد التعقيد إلى حد انه يلغي “الوطن” ليبقى “الكيان” الذي استولده الاستعمار الفرنسي في العام 1920، كفاصل بين لبنان ومحيطه يتمم ما كان يستهدف مشروع “المتصرفية في جبل لبنان”، أي فصل لبنان ـ الكيان عن محيطه العربي، لا سيما سوريا التي كان تخطيط الاستعمار الفرنسي أن يجعلها ثلاث دول، على قاعدة طائفية في حين نفضل عنها الشاطئ الشرعي لنهر الاردن ليجعل منه دولة للأمير عبدالله الهاشمي (ابن الشريف حسين، مطلق الرصاصة الأولى والاخيرة، لإعلان “الثورة العربية الكبرى” بطلب من بريطانيا العظمى آنذاك).
.. وكانت تلك الخطوات المدروسة قد رسمت ونفذت في سياق التمهيد لإقامة الكيان الاسرائيلي فوق ارض فلسطين.
أي انه كان من الضروري تمزيق المشرق العربي وبعثرت جهاته، وتغذية المشاعر الطائفية والمذهبية ومعها العنصرية لكي يضيع “الاهالي” عن هويتهم الجامعة، وان يجبرهم ضعفهم على التسليم بالأمر الواقع، وتقوم دول شتى تزور هوية اهلها بالتسميات المختلفة لدولها المستولدة بلا اساس شرعي من التاريخ والجغرافيا.
..وكان ضرورياً أن يحظى الكيان المستولد بالقوة، اسرائيل، محصناً بالدعم الدولي الاستعماري، كما شهد عليه تصويت مجلس الامن الدولي على اقامة هذا الكيان الطارئ، وبالقوة، على حساب شعب فلسطين ومستقبل الامة العربية جميعاً.
بالعودة إلى الانتفاضة الشعبية في لبنان لا بد من الاشارة إلى تأثيرها خارج حدود “الكيان” المستولد ذات ليل من شتاء العام 1920، بهدف فصله عن اهله من حوله واقامته كمنطقة فصل وكبروفة للكيان الاسرائيلي تمهيداً لإخضاع سائر الاقطار العربية التي ستتحول ـ تدريجيا ـ إلى كيانات ضعيفة اعجز من أن تواجه ـ منفردة وحتى مجتمعة ـ الكيان الاسرائيلي الطارئ والمزود بأسباب القوة التي تجعله اقوى عسكريا واقتصاديا معززاً بالدعم الدولي اكثر من مجموع العرب في مختلف اقطارهم.
بهذا المعنى فانتفاضة الشعب في لبنان، بمردودها الفعلي، ستكون الحافز والدليل لسلسلة من الانتفاضات العربية (العراق، مثالاً) كما انها ستعزز انتفاضة الشعب الفلسطيني في غزة ومختلف انحاء الضفة الغربية ضد “صفقة القرن” التي اعلن عنها الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وتعامل فيها مع ارض الشعوب العربية وكأنها “ضربة بورصة” أن نجحت فذلك ممتاز، وان هي خابت نتيجة الانتفاضة في فلسطين والرفض الشعبي العربي عموماً، بعنوان الانتفاضات في لبنان والعراق.. وصولاً إلى اليمن، زادت من الارتباك العربي تمهيداً للتخلي عن حلم استعادة فلسطين.. ولو مشطرة!
ولطالما كان لبنان نوارة العرب في الثقافة والصحافة.. وفي التحريض على الثورة خارجه ومن حوله في مختلف ارجاء الدنيا العربية.
فكلنا في الهم شرقٌ!..
رئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية