عجلة الانتصار السوري تثير أردوغان.. وإسرائيل تخشى تأمين الحدود وواشنطن أكبر القلقين من الحسم

جمعة, 02/21/2020 - 21:44

الدكتور حسناء نصر الحسين

خلال فترة زمنية قياسية استطاع الجيش العربي السوري من تحقيق مكاسب عسكرية ميدانية ملفتة وغير مسبوقة عبر السيطرة على مناطق واسعة ومواقع استراتيجية منحته أفضلية عسكرية استثنائية ومكنته من قدرة السيطرة على مواقع ذات استراتيجية أعلى، وصولاً إلى سيطرته على جزء كبير من الطرق الدولية، وكأن عمليات الجيش السوري بدأت لتستمر دون توقف والتوجه لأهداف أكثر استرايتجية، هذه التطورات الميدانية المتسارعة أفقدت أنقرة السيطرة على سلوكها تجاه تلك التطورات خاصة الحاصلة على جبهات إدلب، لتسعى بكل الجهد والوسائل الممكنة لها إلى وقف تقدم الجيش السوري باتجاه مناطق أكثر عمقاً .

تركيا ومنذ الحرب على سوريا حملت على عاتقها مسؤولية الارتباط بالجماعات الإرهابية تأسيساً وإنشاءً ودعماً ورعاية، ولا يخفى الدور التركي في العدوان على سوريا وهو دور تخريبي تدميري، ومع إنفكاك الرعاة الإقليميين عن جماعات الإرهاب التي رعتها لفترة في سوريا، يستمر التركي في اتصاله بالعديد من تلك الجماعات الإرهابية والتي ما تزال موجودة في سوريا، في خطوة تكشف إصرار التركي على مواصلة العدوانية تجاه الدولة السورية وانتهاج سياسة التآمر على سوريا عبر تأجيج الأزمات وتوظيف الجماعات الاهاربية وانتهاج سياسة اللاحل .

هذه التطورات المتصاعدة باتجاه ريفي حلب وإدلب فرضت واقعاً جديداً على الصعيد العسكري الميداني، ووضعت الأطراف الامريكية والتركية والإسرائيلية في وضعية القلق المتزايد من مستقبل الجماعات الإرهابية في إدلب والمصير الذي ينتظرها في ظل الوتيرة المتسارعة لعمليات الجيش العربي السوري، وهذا يبرر التحرك المتزامن لكل من الجماعات الإرهابية في إدلب والعدوان الإسرائيلي على سوريا والتوتر التركي المصاحب لخطوات عسكرية تصعيدية على الأرض .

هذا التحول الكبير في خارطة السيطرة على الميدان يشكل خطورة كبيرة على مشاريع الأطراف المعادية للدولة السورية، باعتباره يرسم انعطافات مفصلية قد تذهب نحو الحسم العسكري النهائي لمعركة إدلب على وجه الخصوص، وإنهاء ملف الإرهاب في سوريا بالقضاء على كل الجماعات الإرهابية التي سعت واشنطن في أولى خطوات خلاص هذه الجماعات من خلال إضفاء الشرعية على بعض تلك الجماعات وفي مقدمها جبهة النصرة الفصيل الأكثر خطورة، وذلك عبر الحديث الأمريكي عن أن جبهة النصرة هيكل معتدل يمكن التعامل معه، في سلوك أمريكي فج يتيح الإبقاء على هذه الجماعات الإرهابية ومنع التعامل معها عسكرياً .

أنقرة أدركت أن الفصائل المسلحة لن تستطيع وقف تقدم الجيش العربي السوري في ظل السيطرة الميدانية المتدحرجة والغطاء الناري الروسي، ولم تعد تثق كثيراً بقدرة الجماعات الإرهابية في إيقاف هذه التقدم السوري، لتقرر التدخل المباشر وأقدمت على خطوات تصعيدية عسكرية لا تخرج عن كونها ممارسات احتلالية، لتشير التحركات التركية الى أن انقرة تتوقع المزيد من التقدم للجيش السوري ويذهب اردوغان الى المزيد من الحماقات رافعاً سقف تهديداته ضد الدولة السورية ويظل السؤال هو.. الى أي مدى يمكن أن يصل اليه السلوك الاردوغاني في التعاطي مع المستجد الميداني للجيش السوري في إدلب؟

ما يهدف إليه أردوغان بعد انسداد أفق اللقاء التركية الروسية هو مزيد من الضغط على سوريا برفع سقف التهديدات وإرسال المزيد من الارتال العسكرية والسلاح بكل أنواعه بهدف الوصول الى اتفاقات جديدة وخلق أمر واقع جديد تحت ضغط التهديدات التي يسعى من خلالها التركي للحفاظ على أقل تقدير بإدلب .

الاستدارة الجديدة للتركي باتجاه وواشنطن يرى فيه الملاذ الأخير والحل المرحلي الذي تلتقي فيه الارادتين التركية والأمريكية في تقسيم سوريا واستقطاع أجزاء منها عبر التنظيمات الإرهابية، وخطوة واشنطن اخراج فصيل من قائمة الإرهاب مقدمة لذلك .

اللجوء الى ورقة مجلس الامن عبر السعي لاستصدار قرارات دولية ضد الدولة السورية يُعمل على التحضير له، والتقارير الروسية المتحدثة عن اكمال سيناريو جديد لمنظمة الخوذ البيضاء مسرحه هذه المرة في إدلب، مدخل ترى فيه واشنطن ذريعة اعتادت عليها للدخول الى استجلاب قرار أممي توقف من خلاله التقدم الذي يحققه الجيش السوري وتنقذ به الموقف المتدحرج لغير صالها في سوريا، وهذا ما يُفشله الفيتو الروسي بصورة مستمرة .

المتغير الميداني الذي حققه الجيش السوري حقق إنجازات مهمه، فهذا التحول في السيطرة دفع التركي لرفع لهجته ضد موسكو كونه يرى في هذا التقدم السوري بأنه لن يحصل بدون تنسيق مباشر مع روسيا، لتعمد تركيا في تعاطيها مع هذه المستجد الى رفع راية التهديدات بمسارين الأول باتجاه روسيا عبر عدم الاعتراف بضم القرم ، والمسار الثاني باتجاه الدولة السورية والتهديد بعودة العمليات في شرق الفرات، وهذا يعكس مخاوف انقرة الكبيرة تجاه استمرار تقدم الجيش السوري والتسريع في العمليات العسكرية باتجاه العمق .

الحديث عن استدراج اردوغان للتدخل الأمريكي والاوروبي في معركة إدلب ليس جديداً، فالسلاح الأمريكي وسلاح الناتو لم ينقطع للحظة عن الجماعات الإرهابية في إدلب وقبلها في حلب وغيرها، لكن يبقى سقف هذا التدخل مرهوناً بجدية الموقف الروسي تجاه محاربة الإرهاب والانهاء عليه في سوريا وهو ما يبدو حاضراً بقوة من خلال الحضور الميداني الروسي القوي ومن خلال تصريحات مسؤولين روس والمعبرة صراحة عن أن انتصار الدولة السورية في إدلب هو أمرٌ حتمي .

أردوغان منذ اتفاق سوتشي 2018 وهو يمارس المراوغة والكذب وعدم الالتزام بتعهداته، وأصبح مشكوفاً لدى الروسي والإيراني الضامنين لاتفاقات سوتشي واستانا، وهذا يضعنا أمام سؤال.. عن مدى جدوائية أي لقاءات جديدة قادمة ؟ في ظل هذا السلوك الثابت لدى التركي، ومع أن القمة المرتقبة في طهران جاءت بدعوة من الرئيس الإيراني روحاني إلا أن القراءة الواقعية تشير إلى رغبة الطرفين الروسي والإيراني لإنزال اردغان من على الشجرة، كما أنها تحمل إرادة روسية إيرانية مشتركة في تثبيت واقع الانتصارات السورية وهو الأهم في مدلولات القمة المرتقبة في طهران .

تنامي القلق الأمريكي من تقدم الجيش السوري والإنجازات المتصاعدة في الميدان، يضع الأمريكي أمام خيارات الدعم المتزايد للتركي والجماعات الإرهابية، فواشنطن  تدرك أن ما بعد الحسم في حلب وإدلب هو التوجه الى شرق الفرات لتحرير آبار النفط والغاز، وما زاد من القلق الأمريكي هو بروز المقاومة الشعبية للتواجد الأمريكي في سوريا بشكلها الفعلي، وما جرى في قرية خربة عمو بريف الحسكة وأيضا بوير بوعاصي بريف القامشلي من مقاومة شعبية للدوريات الامريكية ضاعف من الخشية الامريكية لتصاعد حالة المقاومة الشعبية في مناطق التواجد الأمريكي داخل الأراضي السورية .

فصل المسار السياسي عن ما يجري من حرب على الإرهاب هو قناعة سورية خاصلة لن تغيرها التحركات الدولية التي توقت فيها للانجازات التي يحققها الجيش السوري والذي دخل أرياف إدلب، ليظل الهدف من الحديث المتكرر عن ضرورة تحريك اللجنة الدستورية السورية ومسار الحل السياسي هو لإيقاف عجلة التقدم العسكري للجيش السوري والوصول إلى إنهاء الإرهاب من كامل الأراضي السورية .

تأكيدات القيادة السورية على تحرير كامل الأراضي السورية تظهر مصاديقه في الميدان اليوم، من خلال الإصرار على مواصلة الحسم العسكري وفرض سيادة الدولة السورية على كل شبر من الأراضي السورية بما فيها الحدود، وهذا يُسقط الرهانات الإسرائيلية على إبقاء أطراف سوريا خارج سيطرة الدولة السورية، هذه الرهانات عبرت عنها مخرجات ندوة لمعهد دراسات الامن الإسرائيلي مطلع هذا الشهر والمعنونة بـ “سوريا خلال العقد المقبل” والذي عرض فيها خبراء صهاينة القول ” إن نظام الأسد سيستعيد نحو 90% من أرض سوريا، لكنه سيتمكن من ممارسته سلطته بفاعلية في المدن الكبرى بينما سيعجز عن السيطرة على الأطراف” ، في إشارة صهيونية للمناطق الحدودية السورية، وهذا يفسر تكالب أردوغان ودعم الأطراف المعادية لسوريا له وللجماعات الإرهابية، ومواصلة العدوان الإسرائيلي على مناطق سورية ذات الطابع الحدودي .

ما يقلق إسرائيل هو مناطق الحدود، وما تريده هو إبقاء هذه المناطق والأطراف الحدودية خارج سيطرة الدولة السورية وتحويلها إلى مناطق خالية من تواجد الجيش السوري، وهذا أحد تفسيرات تركيز تواجد الإرهاب في مناطق الحدود، بما يؤسس لإفراغ مساحات واسعة كنقاط أمان لإسرائيل في المراحل المقبلة .

ما يمكنني الجزم به بعد كل هذا الحديث هو أن الجيش العربي السوري سيواصل تقدمه الى العمق وأن مسألة الحسم العسكري لإنهاء الإرهاب لا ترجع عنها، وأن خيار تطهير كل شبر في الأرض السورية من دنس الإرهاب والاحتلال هو خيار محسوم، ولن يوقف تقدم الجيش السوري لا حماقات اردوغان ولا الدعم الأمريكي الأوروبي ولا تعاظم قوة الجماعات الإرهابية ولا حتى قرارات مجلس الأمن، وما علينا سوا الانتظار لإعلان النصر السوري الكبير وتقديم المباركات للجيش العربي السوري وللقيادة السورية، الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى .

باحثة في العلاقات الدولية – دمشق

الفيديو

تابعونا على الفيس