انتصارات الجيش العربي السوري المُتسارعة، واقترابه من إدلب المدينة، شكّل حالة من الهيجان السياسي في التصريحات التركية. حيث أن سقوط مدينة خان شيخون قبل أشهر بيد الجيش السوري، البلدة الاستراتيجية المركزية لجماعات أردوغان، ومن ثم معرة النعمان فـ سراقب، هي بلدات لم تتوقع على اقل تقدير الجماعات الإرهابية وما يُسمى المعارضة السورية، ابتعادها عن الحضن التركي، فالمشهد المتباطئ الذي شهدته الساحة السياسية والعسكرية في العام 2018 و2019 لجهة التقدم حسب مخرجات استانا وسوتشي، كانت تُقرأ من قبل الجماعات الإرهابية المدعومة تركياً، على أن أسهم للربح على الصعيدين العسكري والسياسي، خاصة أن أردوغان هو الممثل الاساسي للأدوات الإرهابية على الارض السورية وللمعارضة في الخارج.
هي بنود صاغاها رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، لتأخير الحل العسكري في إدلب، بالتزامن مع عودة انتشار القوات الامريكية عند حقول النفط السوري، والعودة عن فكرة الانسحاب التي اطلقها الرئيس ترامب.
بداية سنة 2020 كانت صادمة سياسياً وعسكرياً بالنسبة لـ تركيا، فبالرغم من نقاط المراقبة التي انشأتها القوات التركية لتكون رافدة بالمعنويات والقوة للمجموعات الإرهابية، فتحدّ من تقدم الجيش العربي السوري، إلا انها لم تكن سوى كابينات حراسة وهمية تُراقب فقط. هذا الامر شكّل لدى الفصائل الإرهابية قلقاً وشكاً مما يخبأه عقل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تُجاه تحالفاته مع الجانب الروسي، والذي اخذ عدة ترجيحات:
اولاً- ان الرئيس رجب طيب أردوغان يُحاول التعويض عن اسقاط الطائرة الروسية سوخوي في 2015، ليضمن استكمال العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
ثانياً- الحفاظ على مقعده كضامن في استانا وسوتشي، ليتمكن من تحقيق ولو جزء من احلامه العثمانية في الشمال السوري، رغم ادراكه الضمني ان روسيا ليست من الدول التي تتلاعب بالحليف، وان احلامه ستزول عاجلاً ام آجلاً.
ثالثاً- استغلال ملف الاكراد وما يشوبه من تعقيدات مع التواجد الامريكي على الضفة المقابلة، والتي تشكل الحاجز نحو اتجاه الاكراد السوريين إلى دمشق.
رابعاً- مخافة الرئيس أردوغان من أن سيطرة الجيش السوري على إدلب سيؤدي إلى تدفق ملايين اللاجئين إلى تركيا، ما بين مواطنين مجبرين على اللجوء وإرهابيين يريدون الخلاص من نيران الجيش العربي السوري.
مأزق تركيا في سوريا يكمن في الغباء السياسي الذي انتهجه أردوغان، عبر اوهام لم يتم حسابها وفق ابجدية صحيحة لتاريخ دولة كالجمهورية العربية السورية، فالتاريخ يشهد والفرنسيون والعثمانيون الحالمون وارثون قصص الثوار الأحرار.
في ذات الإطار، فإن الجيش السوري ومع تحرير بلدة خان العسل الاستراتيجية بريف حلب الغربي، بعد معارك ضارية مع جبهة النصرة الإرهابية والفصائل المرتبطة بها، ومع تدمير ارتال للقوات التركية ومقتل خمسة جنود اتراك في مطار تفتناز في ريف إدلب الشمالي الشرقي، بالإضافة إلى مقتل 8 جنود اتراك، بدأت اصوات أردوغان وممثليه بالصراخ والتهديد بالرد والانتقام، حيث قال وزير الخارجية مولود تشاويش اوغلو ” رددنا بالمثل على الاوغاد وجيشنا سيواصل القيام بما يجب”.
استغاثات أردوغان لانضمام حلف الناتو إلى الحماقة التركية، لحمايته من نيران الجيش العربي السوري والطيران الروسي، ما هي إلا استجداء الدعم للتقليل من مفاعيل انتصارات الجيش السوري في شمال شرق سوريا، وفعلاً صرح مبعوث أميركا إلى سوريا جيمس جيفري قائلاً “الولايات المتحدة ترغب في تقديم اكبر قدر ممكن من الدعم إلى تركيا في سوريا”. لكن قيادة الناتو أكدت وبطريقة دبلوماسية أنه ستكتفي بتقديم الدعم السياسي لـ تركيا.
لم يكن خفياً على المراقبين للتطورات على الساحة الشمالية من سوريا، ان سوريا وروسيا وإيران مستمرون على نهجهم الثابت في استعادة كل شبر من سوريا، وهذا تأكيد على تحقيق السيادة على كامل اراضي الجمهورية العربية السورية، وذلك على الرغم من محاولات الجانب الروسي عقد اجتماعات مع الجانب التركي، لاستكمال المباحثات حول منطقة الشمال السوري وخاصة إدلب، فالحليف الروسي أبلغ التركي أن الجيش السوري مصمم على متابعة تقدمه حتى تحقيق الانتصار الكامل على بقايا الإرهاب، وما الرد الذي قامت به إحدى النقاط التركية عبر استهداف مروحية حربية سورية واستشهاد طاقمها، إلا دليل على أن تركيا تحاول تصفية حسابات الخسارة لمجموعاتها الإرهابية وجنودها، وبأن التواجد التركي على الأرض السورية لم يعد ممكناً وبات خروجها وإرهابيها وشيكاً.
في المُحصلة، يستمر الجيش السوري بتحقيق المزيد من المُنجزات الميدانية، على الرغم من حجم التحديات الإقليمية والدولية، ومحاولات تركيا لوقف تقدم الجيش السوري سياسياً وعسكرياً، لكن الدولة السورية وجيشها مصممون على عودة سوريا كاملة محررة من الإرهاب، فالبشائر امتدت عبر السيطرة على الطريقين الدوليين M4و M5، وما تبقى من بؤر إرهابية ستسقط قريباً تحت اقدام الجيش العربي السوري.
كاتبة سورية