حكومة متعثّرة وتونس تتجه إلى حل البرلمان

أحد, 02/16/2020 - 14:57

فوزي بن يونس بن حديد

ما زالت حركة النهضة في تونس تراوغ وتناور من أجل مصلحتها، ومازالت تصر على إحداث بلبلة في المشهد السياسي التونسي، من خلال مناوراتها التي لا تنتهي، فإصرارها على إشراك قلب تونس في الحكومة الجديدة وعدم رضاها بالحقائب الوزارية التي أسندت لها، أوقعها في صدام مع الرئيس الحكومة المكلف إلياس فخفاخ  ومع رئيس الجمهورية التونسية السيد قيس سعيد، ولذلك سيظل المشهد السياسي موقوفا ومعطّلا إلى إشعار آخر، حتى يحكم الشعب وهو خير الحاكمين في مثل هذه الظروف السياسية القاسية، والاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، وليس أمام الشعب إلا حل واحد الثورة من جديد لإنشاء نظام سياسي جديد يعتمد في أساسه على نظام يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات تعيين الوزراء ونائب الرئيس ويطرح برنامج حكومته أمام الشعب إذ لا سلطة اليوم في تونس إلا سلطة الشعب الذي ينبغي أن يهبّ عن بكرة أبيه للتعبير عن رأيه ورفضه المهزلة الانتخابية الأخيرة التي أفرزت أحزابا ضعيفة المستوى لم تؤدّ رسالتها التي ينبغي أن تنشرها  ولا خِدمتها الشعب التونسي بل هو من ينتظر أن تنهي هذه الأحزاب  المسلسل الدراماتيكي الذي  طالت حلقاته منذ 3 أشهر تقريبا، ولم تفكّ عقدته، ويبدو أن الأبطال يتكاثرون كلما امتدت حلقاته يوما بعد يوم.

فسيد قرطاج اليوم وبعد أن أنهى المائة يوم وجد نفسه عاجزا عن ممارسة مهامه في وقت كبلته الأحزاب الرئيسة وحاصرته في زاوية الانتظار إلى حين أن يمنّ مجلس النواب عليها بالموافقةـ، وهو المجلس الذي تسيطر عليه حركة النهضة وتلعب فيه بجميع الأوراق التي تريدها وحسب رغبتها لا حسب رغبة الشعب ومصلحة الوطن، ويبدو لي أن النهضة لا ترضخ إلا إذا علت أصوات الشعب التونسي في الشارع وهبّت واهتزت مطالبة بتغيير النظام في تونس من نظام برلماني بائس إلى نظام رئاسي متجدد، لأننا اليوم لا نستطيع الانتظار أكثر مما انتظرنا وبدأ صبرنا ينفد مما يقوله صقور النهضة وحمائمها، وبدأت تلوح في الأفق دعوات من الشباب التونسي إلى الثورة على الثورة، التي صارت عبئا ولم تكن يوما مخرجا من الظلم والاستبداد والقهر، فأين هي الحرية إذا كانت الأحزاب هي التي تتحكم في الشعب، وهي التي لم ينتخبها الشعب إلا قليلا، وهي التي تفرض اليوم نفسها على المشهد السياسي، وهي التي اليوم تقول كلمتها بملء فمها ولا تتبع ما يريد منها الشعب.

لن يستمر الوضع كثيرا على هذه الشاكلة وما فعلته النهضة اليوم والأحزاب التي بعدها سيكون ذكرى أليمة في نفوس الشعب التونسي الذي تمنى أن تزاح عنه غيمة النكد والفقر والبطالة والتهميش ورجا أن يكون مستقبله أفضل في ظل ديمقراطية رسمها في حلمه غير أن واقعه المشؤوم اصطدم بحجر  فتعثر وأصيب بجرح غائر لا يرجى برؤه إلا بصعوبة بالغة، وهو حال الحكومة اليوم التي تترنح بين هذا الحزب أو ذاك، كلما نضجت في جانب صاح الجانب الآخر النيّء الذي ينتظر نار التدفئة لتُنضجه، وما إن نضج هذا حتى احترق الذي قبله، وإذا مست النار القاعدة ستنتفض كما ينتفض العصفور الذي يبلّله القطر، ويحاول أن يبحث عن مأوى آمن يوفر له العيش الهانئ، ذلك هو حال الشعب التونسي اليوم، فهو أمام مرحلة كئيبة من المسار السياسي الذي لم تشهده تونس من قبل.

فلا حل اليوم إلا بتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي يخرج الجمهورية من محنتها، والشعب من كابوسه، وتنطلق المؤسسات والهياكل في أعمالها، وتنمو الحركة الاقتصادية والتجارية والصناعية والفلاحية والسياحية، وتزدهر الحركة وتتحول البلاد إلى خلية نحل متكاملة، ولا حل إلا بحل الأحزاب السياسية وحل البرلمان وإنشاء هيئة رقابية تشرف على العمل السياسي، وانتخاب برلمان يمثل الشعب لا الأحزاب، تقتصر مهمته على تشريع القوانين دون التدخل في شؤون الحكومة التي  تكون من مشمولات رئيس الجمهورية، وبهذا نكون قد انعتقنا من سيل الصراعات الحزبية في تونس على مستوى الحكم لتظل على مستوى التشريعات وهو مستوى أقل من الأول، وتريح حركة النهضة أعصابنا التي توترت بفعل النقاشات الفارغة والمطولة تلفها عبارات السب والشتم والقذف.

إننا اليوم أمام مرحلة جديدة في تونس بعد التعثر في تشكيل الحكومة إما أن تمر، وإن مرت فستكون هشّة كهشاشة الديمقراطية التي تعيشها تونس اليوم، وإما أن لا تمر وعندئذ لا حل إلا بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة أو يتدخل الشعب بثورة على الثورة ويغير النظام برمّته من برلماني إلى رئاسي.

كاتب تونسي