د. عصام اليماني
في غياب العمل الفلسطيني الوحدوي لتحقيق التطلعات الوطنيه للشعب الفلسطيني، سواء تطلعات القياده الرسمية لمنظمة التحرير التي تعتقد بالاكتفاء بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقيه وحل مشكلة اللجئين بشكل عادل ( ليس عودتهم ) على اساس القرار الدولي ١٩٤ الصادر في العام ١٩٤٩، كما جاء في وثيقة الاستقلال التي اعلن عنها في المجلس الوطني عام ١٩٨٨، او تطلعات الفصائل التي ما زالت متمسكة بتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني. في ظل هذا هذا الغياب والاتفاق على الحد الادنى وترجمته الى عمل نضالي ، تسود حالة من الاحباط السياسي والنضالي لدى الكثير من فئات الشعب الفلسطيني . فمع انهيار المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيليه فإن فالعمل النصالي يقتصر على بعض الهبات والتحركات الجماهيريه او العمليات العسكريه الموسميه سواء المسلحة او طعن السكاكين او الدهس والتي غالبا ما تكون رد فعل على حدث او مشروع سياسي مثل دخول المستوطنين الى حرم الجامع الاقصى او نقل السفاره الامريكيه الى القدس واخيرا الاعلان عن صفقة القرن ، هذا في الضفة الغربية ، اما في غزه وبالرغم من الصمود الجبار في مواجهة الاعتداءات والحروب التي يقوم بها الكيان الصهيوني وفي ظل الحصار ، نلحظ حركة مد وجزر في التحركات الشعبيه وخاصة فيما يتعلق بمسيرات العوده، حتى باتت تلك المسيرات اداة تكتيكيه تستعملها حركة حماس للمساومه لتخفيف حدة الحصار على القطاع بتدخل ووساطات قطريه ومصريه .
ومع انحسار دور القوى الفلسطينيه بيسارها المعارض ( الجبهة الشعبية والديمقراطيه وحزب الشعب) التي وبالرغم من معارضتها ترى فيهاالجماهير الفلسطينيه تنظيمات تعمل في فلك السلطه الفلسطينيه وتعتمد ماليا على تحويلات ماليه شهريه يوفرها الصندوق القومي الفلسطيني على شكل دفعات شهرية تخضع لمزاج الرئيس وقراراته ، هذه الدفعات التي بدونها لا يمكن لهذه المنظمات بالاستمرار في عملها اليومي البيروقراطي. ويرى ابومازن ومؤسسة السلطه ان هذه المنظمات بالرغم من موقفها المعارض سياسيا الا انها لم تستطع حتى الان ابجاد تغيير جدي في موازين القوى على المستوى الميدان الفلسطيني، وبالتالي فإنها لا تشكل خطرا على مرجعيته او مرجعية السلطه. ، فالمعارضه بدون فعل لتغيير ميزان القوى في الميدان لن تحقق اي انجازات وطنيه نوعيه ( مثالا ؛ اصلاح المنطمه، ، اعادة النطر بالبرنامج السياسي للسلطه القائم على ان ان المفاوضات هي الحل الوحيد امام الشعب الفلسطيني الخ). ،
فالحاله الفلسطينيه في واقعها الراهن هي الاكثر غرابه في تاريخ حركات التحرر الوطني في العالم. فهي الحاله الوحيده التي اوجدت مؤسساتها المدنيه بالتعاون مع الاحتلال، وهي الحالة الوحيده التي تربطها بعدوها حالة من التعاون والتنسيق الامني قبل انجاز استقلالها ونيل حقوقها، وهي الحالة الوحيده التي تنتطر من عدوها ان يوافق على اجراء انتخابات من اي نوع. كما انها الحاله الوحيده التي تعقد مؤتمراتها ، وتتجول قياداتها بإذن وتصريح من عدوها. والاهم انها الحاله الوحيده والفريده التي لعدوها قول في تقرير من يكون على رأس هرمها القيادي.
فلا يخفى على احد ان اختيار ابومازن كرئيس للسلطه بعد اغتيال عرفات ، كان بموافقه العدو الصهيوني والولايات المتحده وبعض الدول الاقليميه ذات التأثير على القرار الفلسطيني ( مصر والسعوديه والاردن). فابومازن وبالرغم انه من مؤسسي حركة فتح الا انه لم يكن صاحب نفوذ ولم يتمتع بقاعده تنظيميه موالية له في الحركة وامضى معظم وقته خارج الميدان النضالي المباشر واقتصر نشاطه على البحث الاكاديمي وتأليف كتب ودراسات ، على عكس رفاقه في القياده مثل ابواياد وابوجهاد وابوالهول وابو صالح وماجد ابوشرار وكمال عدوان وابويوسف النجار الذين تم اغتيالهم على فترات ومراحل متباعده، واستبعاد فاروق القدومي الذي كان يعتبر الرجل الثاني في منظمة التحرير وحركة فتح ووفاة فيصل الحسيني في ظروف غامضه. إضافة الى ذلك فإن اعتقال مروان البرغوثي الشخصيه الكاريزميه وصاحب النفوذ داخل حركة فتح والاوساط الشعبيه الفلسطينيه واحترام وتقدير باقي فصائل منظمة التحرير بما فيها حماس والجهاد الاسلاميي له جعله المرشح الطبيعي لخلافة ابوعمار، كل هذا اتاح لابومازن ان يكون اكثر قيادات حركة فتح مرشحا لخلافة ابوعمار خاصة بعد دوره المفصلي في ادارة محاداثات اوسلو وتوقيع ” اتفاقية المبادىء” المعروفه بإتفاقية اوسلو .
قبيل رحيل ابوعمار، وبعد ان قدم ابومازن استقالته من رئاسة الحكومه استنكف في بيته ولم يكن يشارك في اي من اجتماعات حركة فتح او اللجنة التنفيذيه، بالرغم من انه كان امين سر اللجنة التنفيذيه. ، حتى ان بعض ” القيادات والكوادر الفتحاويه اطلقت عليه لقب كرزاي فلسطين” تشبيها بالرئيس الافغاني الذي الذي جاءت به القوات الامريكيه بعد غزو افغانستان.
بعد رحيل ابوعمار عقدت فتح مؤتمرها السادس والسابع ٢٠٠٩ و ٢٠١٦ ، وكان واضحا خلالهما التنافس على المواقع القياديه، بين اتجاهات تنظيميه مختلفه ، قاسمها المشترك في غالبية الحالات كان الوصول الى السلطه والتقرب الى الرئيس الذي اجمع اعضاء المؤتمر على منحه الثقه ” للوصول بنا الى بر الامان واقامة الدوله الفلسطينيه المستقله”.. وليس للوصول الى برنامج سياسي يخرج فتح من مربع اوسلو ويأخذها الى برنامج نضالي وطني يعيد لفتح ثوابت انطلاقتها، خاصة بعد اقصاء الجناح الدحلاني من الحركة ومن المؤتمر . وهنا مفيد التذكير ان الخلاف ” الدحلاني – العباسي” لا يمت للخلاف السياسي بصلة، فهما متطابقان في الموقف السياسي ،بذات الوقت لا بد من الاشارة على انمحمد دحلان ونظرا لارتباطاته الخارجيه ( الامارات، مصر، اجهزة المخابرات المتعددة الجنسيه)، وارتباطه بشركات امنيه صهيونيه” يمثل خطوره اكبر على مستقبل القصية الفلسطينية من خطورة النهج السياسي لمحمود عباس.
اما عن الوضع القيادي الحالي وبعد ان تجاوز عباس الثمانين من العمر ، واصراره على البقاء على رأس الحركة، والسلطه، ومنظمة التحرير، وعدم وجود نيه لديه لترتيب اوضاع الحركة قبيل رحيله ( بالرغم من انتخاب محمود العالول نائب له ) يشير على ان معركة خلافته ستكون معركة قاسيه بين عدد لا بأس به من الساعين لخلافة ابومازن وجلهم مممن تحملوا مسؤوليات امنيه ( جبريل الرجوب، حسين الشيخ، ماجد فرج، توفيق طيراوي) اضافة الى صائب عريقات ومحمد شتيه الذان لا يتمتعان بأي نفوذ قوي داخل حركة فتح. صحيح انه وحسب اللوائح والنظم القانونيه لمنظمة التحرير تمنح امين سر المنظمة ( صائب عريقات ) ترؤس اجتماعات المنظمة لانتخاب رئيسا لها من بين اعضاء اللجنة التنفيذيه بعد رحيل الرئيس، الا ان حركة فتح ليس من السهل ان تتفق على من يخلف الرئيس في حال رحيله او استقالته وانه من المستبعد ان يتم التوافق على محمود العالول لهذا الموقع.
على الجانب الاخر، فإن حركة حماس، ليست في وارد القبول بمنح شرعية وطنيه لمن سيخلف ابومازن، فحماس تصر على ان المجلس التشريعي المنتخب عام ٢٠٠٦ ما زال له الشرعية طالما لم تجر انتخابات تستبدله وبالتالي فإن رئيس المجلس التشريعي ” عبد العزيز دويك” يتحمل مسؤولية الدعوة لانتخابات الرئيس. حيث ان حماس لم تعترف بإقالة الدويك من منصبة كرئيس للمجلس التشريعي ولم تعترف بأي اجراء اتخذته اللجنة التنفيذيه او المجلس المركزي بهذا الخصوص. ثم انها لن تعترف بأي اجراءات قبل اجراء الانتخابات التي وافقت على اجراءها كافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني. وان اي اجراء منفرد من قبل حركة فتح سيمنحها المبرر للاستمرار في حكم غزه بالطريقه التي تراها مناسبه .
اين تقف ” اسرائيل ” من هذا الامر
الكيان الصهيوني على دراية كامله بالخارطة السياسيه الفلسطينيه وعلى دراية تفصيليه بما يمكن ان يكون عليه الوضع بعد رحيل ابومازن ، وهنا نسأل ما هو الممكن ان تقوم به فيما يتعلق بخلافة او بخليفة ابومازن الذي لا بد ان يكون على قياس مخططاتها وترتيباتها والتطورات السياسيه بعد صفقة القرن خاصة بعد تقاربها وتطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربيه سواء سرا او علنا. لا شك ان للكيان الصهيوني قولا بمن سيكون خليفة لابومازن. كما كان لها قولا بخلافة ابومازن لياسر عرفات. وبإعتقادي انه ومنذ توقف المفاوضات، اتخذت اسرائيل قرارا بترك ابومازن يصرح بما يشاء وكيفما شاء وعدم التعرض له طالما لا يشكل خطرا مباشرا على ما تقوم به من إجراءات في الضفة الغربيه، وانها اختارت ان تتعامل مع معارضته وتصريحاته بإعتبارها تصريحات ورقيه لا تقدم ولا تؤخر طالما انه لم يتخذ خطوات عمليه مثل الدعوة للعصيان المدني او التصالح مع حركة حماس ووقف التنسيق الامني.. الخ. وطالما ان مناداته ومناشداته لا تلقى، اذنا صاغية من الدول العربيه ذات النفوذ وطالما ان المجتمع الدولي لا يقدم له الا مواقف لفظيه لا تعزز من قوة موقفه السياسي على الساحة الدوليه، ولنا في موقف الدول الاوروبيه من مشروع القرار الاندونيسي التونسي لادانة ” مشروع ترامب في مجلس الامن خير دليل، اضافة الى التشريعات التي تقوم بها تلك الدول لتجريم حركة المقاطعه ووقف الاستثمار والعقوبات ضد “اسرائيل” واعتبارها حركة معادية للسامية يعاقب عليها القانون. كما ان اسرائيل وبعض الدول العربيه ضد اي خطوة بإتجاه مصالحة فتح وحماس وإعادة اللحمه بين غزة والضفة الغربيه. وترك الامور لتتعاطى مع كل منطقه بإعتبارها كيانا بحد ذاته لا تربطه بالكيان الاخر اية علاقة سياسية.
بناء على ما تقدم لا يسعني الا الاستنتاج، ان للكيان الصهيوني مصلحة استراتيجيه، بتفكيك المفكك، وتجزأة المجزأ، وان تعمل على إفشال اي خطوة ترى فيها تعزيزا لما تبقى من الكيانية الفلسطينيه الممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينيه، وستلجأ الى ايجاد مناطق نفوذ لشخصيات فلسطينيه سواء سياسيه او امنيه في ” مدن وبلدات البانتوستانات” المقترحه في صفقة القرن، وتحولها الى مدن وبلدات تتصارع فيها القوى والاجهزة الامنية الفلسطينيه للسيطرة والنفوذ في غياب سلطة مركزيه.
هذا الامر متوقع، بناء عليه، هل سيقوم ابومازن بمسؤلياته الوطنيه، وهل ستعمل فتح على افشال ما يسعى اليه العدو الصهيوني وترتيب البيت الفلسطيني والفتحاوي بحيث لا نصل الى هذه النتيجه؟ ام ان محمود عباس سيكون اخر الرؤوساء وبعده الطوفان والفوضى الشامله؟ سؤال برسم محمود عباس.
كاتب فلسطيني