فرضت كريستين لاغارد أسلوبا جديداً خلال مئة يوم من رئاستها للبنك المركزي الأوروبي، لكن لا يزال عليها كسب الثقة لتتمكن من تغيير نمطه في إدارة الأزمات.
وعرّفت الفرنسية عن نفسها في كانون الأول/ديسمبر بالقول “لست لا حمامة ولا صقراً” و”طموحي أن أكون بومة” تقترن صورتها بـ”بعض الحكمة”.
ومنذ البداية، أرادت المديرة السابقة لصندوق النقد الدولي النأي بنفسها عن الجدال التقليدي الدائر بين مدراء البنوك المركزية، بين مؤيد للنمو وآخر متشبث بالسياسات المالية التقليدية.
وبينما تجتاز السبت عتبة المئة يوم على رأس المؤسسة المكلفة قيادة منطقة اليورو، فبمقدورها التباهي حتى الآن بأنّها تجنبت الصدامات والهفوات. وعزمت لاغارد على الظهور قدر المستطاع خلال تلك الفترة على أنّها تتمتع بشخصية توافقية.
-انقسامات-
وورثت لاغارد في منصبها الجديد بنكا مركزيا منقسما كما لم يحصل من ذي قبل، بين مؤيدين ومعارضين للتدابير الاستثنئاية التي اتخذها سلفها الإيطالي ماريو دراغي دعماً لاقتصاد مضطرب.
ويرى الفريق الأول أنّ جرعة التدابير أتاحت لمنطقة اليورو تفادي مأزق. أما الفريق الثاني فيعتبر أنّ البنك المركزي الأوروبي تصرف خارج نطاق صلاحياته القاضية بالتحكم في التضخم ما أدى إلى تبديد مال عام وإعطاء مثال غير مناسب للحكومات المبذرة.
وفي مسعاها لجمع الفرقاء، دعت الفرنسية في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر جهاز البنك التنفيذي إلى خلوة في قصر قريب من فرانكفورت.
ويقول مدير الدراسات الإقتصادية في “معهد الاقتصاد العلمي والإدارة” إريك دور إنّ اسلوبها يقوم على “إظهار أنّها تستمع لحجج الآخرين بدلاً من محاولة فرض رؤاها الخاصة منذ البداية”.
ومن جانبه، يلفت النائب الألماني المحافظ في البرلمان الأوروبي ماركوس كربر إلى أنّه كان يفضّل لها “التحرر أكثر من سلفها” الذي تطبّق حتى الآن سياسته القاضية بالفوائد المنخفضة.
كما يرى الخبير الاقتصادي لدى مجموعة “نومورا” اليابانية جورج باكلي أنّ المديرة السابقة لصندوق النقد الدولي ستحاسب بناء على “قدرتها على إدارة ما يرجّح أنّه سيكون مسار بطيء لتطبيع السياسة النقدية”.
في هذا السياق، سيكون على البنك المركزي الأوروبي إنهاء سياساته السخية والتي ضخت حتى يومنا ما يقرب من 2,700 مليار يورو في الدائرة النقدية.
بالتوازي، أطلقت لاغارد مشروعا يهدف لإعادة النظر في استراتيجية المؤسسة.
ويهدف المشروع إلى إعادة تحديد سقوف التضخم للبنك المركزي الأوروبي، والموصوفة بأنّها متشددة. لكنه يهدف أيضا إلى إدراج مكافحة التغير المناخي ضمن السياسات المالية، ما يزعج المصرفيين الكلاسيكيين.
لكن حتى الآن، يقول فريديريك دوكروزيه من “بيكتت ويلث مانجمنت” إنّ لاغارد “خصصت المزيد من الوقت للسياسة بدلاً من السياسة النقدية”، في وقت تظهرها عدة صور نشرتها على حسابها الخاص في موقع تويتر إلى جانب صناع قرار.
-اندماج-
وفي فرانكفورت الألمانية حيث مقر البنك المركزي الأوروبي، يقع على عاتق الفرنسية استمالة من لم تقنعهم سياسة ماريو دراغي المتهمة بإنهاك المدخرين من خلال نسب الفوائد المنخفضة جداً.
ومنذ وصولها، تقيم لاغارد في فندق بانتظار إيجاد شقة، وتؤكد على رغبتها بالاندماج بالحياة المحلية في فرانكفورت.
وشاركت في حفل عبّر خلاله رئيس بلدية المدينة عن تمنياته بمناسبة العام الجديد.
ويروي محيطها أنّها تتردد على قاعة الأوبرا، وشوهدت تشارك في معرض لفان غوخ برفقة زوجها الذي أتى من مرسيليا، كما تحب المشي عند ضفاف نهر الماين في المدينة.
وسعت داخل مقر البنك المركزي لترسيخ حضورها بين فريق العمل المتميز بتعدد جنسيات أفراده. وتقوم بذلك من خلال تناول الطعام بين حين وآخر داخل مطعم المقر أو لعب كرة الطاولة مع الموظفين الذين يعانون من إعاقة جسدية خلال مناسبات متنوعة.
لكنّها تبدو أيضاً عازمة على ضبط التواصل الداخلي ضمن المؤسسة. ويقول موظف رفض الإفصاح عن هويته، “ثمة حديث عن التوجه إلى التخلص ضمن المنتديات الداخلية من التعليقات التي يرفض أصحابها التعريف عن أنفسهم”.
ويبدي الموظف تذمره إذ إنّ “لا أحد سيقول أي شيء في حال منع +إخفاء الهوية+”.