فريح أبو مدين
ما إن انطلقت الجعجعة التي علّت بإعلان ما يسمى “صفقة” كاشفة عن واقعٍ موجود يُكرّس من مدة طويلة أمام أعين الجميع وبصمت مريب وقسور وإهمال، فلقد حان الوقت بل ربما قد فات لنتصارح بالكلمة والفكرة؛ لأن ردة الأفعال والأقوال الفلسطينية التي يجب وضعها على المحك لأنها لم تتجاوز تحريك عضلة لسان القادة ومحاولتهم التخفي خلف هياكل فاقدة كل شيء كالجامعة العربية أو مؤتمر إسلامي منشق ومتشقق على نفسه وصولا لدوائر فقدت دورها بفقد العرب احترامهم لأنفسهم والذهاب إلى الأمم المتحدة “حائط المبكى” أو الدائرة الأفريقية أو عدم الانحياز ومجموعة الـ77 التي ترأسناها زورًا، فكيف سنُحترم ونحن نصغي ونشاهد إسرائيل كيف ثبتت ما أُعلن عنه في سنوات من العمل المنشور بكافة تفاصيله ويتمتع مستوطنوه بحماية فلسطينية لم تحدث على مر التاريخ.
وانتظرت إسرائيل نضوج الظروف بوصول ترامب رئيسا لأمريكا كما نعرفه لتسمي الخطة باسم أمريكي لتكون أمريكا رافعة بالمال ورادعة بالقوة والهيمنة كل معترض عربي أو إسلامي أو دولي تاركة لنا “بعبعة” الخرفان.
لقد مرّت على السلطة فرص إعادة ترتيب البيت الفلسطيني في منظمة التحرير، ولكن انزلقت السلطة في مؤتمرات وتربيطات وتزبيطات شللية شكلية والوطن منشطر بلا رجعة في هكذا سياسة مع شوية تنظيمات تنتظر المخصصات على سبيل الإكرامية لا أكثر، ثم كانت قنبلة الدخان “الانتخابات” أكذوبة كبرى تحاول أن تغطي عجزًا ومحاولة زج الشعب في عبثية سياسية، وتُرك الاحتلال بل تم التساوق معه على قاعدة الاقتصاد والرفاهية والفساد وحكومات ذهب زيد وآتى عمر وكم شيطان على رأس الدبوس، حال المصالحة بين فتح وحماس.
هنا أصل إلى جوهر الحديث، بدون “رطانة” ولغة خشبية تضر ولا تفيد. الآن نرى أن غزة ستكون في عين العاصفة في كل ما يجري ولا بد أن يصل لغزة فهي القبلة التي ستوجه لها الردّات الاهتزازية للصفقة على أرض الضفة وكل فلسطين، فهناك من يفكر في إلباسها عمة ولفة دينية أو طربوش علماني أو فستان زفاف وهل تسمى أمارة – دولة – كيان – جمهورية.. إلخ، لتكتمل حلقات الذكر والدروشة في إضاعة الوطن.
أكثر ما استغربت منه موقف “حماس”، فهي لا تشعر بمسؤولية ما يجري في الضفة ولا ألومها كثيرا على ذلك، ولكن السعي في شكل الدعوة التي وجهت لأبي مازن للحضور إلى غزة وانتظار وفد من فتح للوصول أيضا، يثير أسئلة، على قاعدة ماذا؟ وهل هذا استغلال لضعف الطرف الآخر؟ وهل هناك برنامج تعرضه أو تنتظره من رام الله على قاعدة الكفاح وموقف موحد؟.
ونحن نعلم حقائق الأمور ظاهرة أم خفية، فهناك أربعون ألف جندي للسلطة في رام الله وثلاثون ألف جندي قسامي في غزة، فـأي عقيدة ستجمعهم. هذا نموذج واحد نرجو الإجابة عليه بلا عواطف، وحماس تعلم أن غزة هي التي أسقطت التوطين والاستيطان وكانت قاطرة القضية وليس كلام رابين نبوءة ورغبة في التمني لـ”تغرق غزة في البحر”، فهو يعلم أنها رمانة الميزان للقضية، لذا عليها أن تُفشل الصفقة وبالتالي على “حماس” أن تُغير نهجها مع شعبها وأن تقوم بالحركة الأولى وألا تتخفى خلف ثمانية تنظيمات معظمها شكلية وأن تبادر لإعطاء الشعب والمجتمع في غزة أن يكون نموذجا للصمود ليس لأهداف حماس في التهدئة ولكن لخلق مجتمع مترابط ليُنهي الانقسام بين غزة والضفة، فبعد رسالة اغتيال قاسم سليماني، فلدى الجعبة الإسرائيلية الكثير، فاللجوء للشعب هو المخرج وهو صمام الأمان، بمعنى التوقف في التفكير في أمنها الذاتي على حساب الأغلبية، فلتُرفع القيود عن الكل وعن الكلمة والتحرك وأن تُبادر للسماح بالانتخابات البلدية والنقابية والمؤسسات وتغيير اللون الواحد الحمساوي الذي يُهيمن على القطاع في كل المجالات الأمنية والاقتصادية وإقصاء الفعاليات السياسية الأخرى وأن تترك التحالفات الشكلية وأن تعود إلى الشعب بلونٍ جديد ليس غايته رفع رايتها الخضراء، فلم يعد هناك متسع من الوقت وسكين الزمن والصفقة قادمة، فلنقف سويا لتكون قضية فلسطين هي ديدن وجودنا، فليس من الحكمة أن نستمر في كلمة ضفة وغزة ولكن يجب الحديث عن فلسطين الواحدة الموحدة. اللهم أشهد إني قد بلغت.
كاتب ووزير عدل فلسطيني سابق