صباح علي الشاهر
للصدر جمهوره، وللمرجعية جمهورها، وما كان مكتوماً، أصبح معلوماً، منذ شيوع مفهوم “الحوزة الصامتة” و”الحوزة الناطقة”، حتى ما قبل الإحتلال، والصراع يحتدم، لكنه قبل الإحتلال في مجالات الدرس والفقه والإجتهاد، وبعد الإحتلال ظهر إلى العلن، بشكل سافر ودموي، تذكروا إنتفاضة الصدر ضد حكومة علاوي، وضد أمريكا، وسفر آية الله العظمى السيستاني للعلاج خارج البلد، ثم عودته من البصرة بزحف جماهيري وعشائري قلب موازين القوى، وأدى فيما بعد إلى إنخراط الصدر بالعملية السياسية.
الصدر وكتلته (سائرون) وكتلة (الفتح) إختاروا عادل عبد المهدي كخيار يرضيهما لرئاسة الوزراء، وكان خياراً لا يعترض عليه الإيرانيون ولا الأمريكان، ولا المرجعية عارضته، رغم إنها دعت ” لعدم تجريب المجرب ” وعبد المهدي أكثر من مجرب، فقد تقلد أهم المناصب السيادية من وزارة المالية، إلى نيابة رئاسة الجمهورية، إلى وزارة النفط، وفي عهد عبد المهدي تفاقمت الأزمة التي لم يضعف تصاعد وتيرتها منذ الاحتلال، لكنها وصلت إلى مديات لا يمكن السكوت عليها، فكانت خطب الجمعة تنصح، وتنصح، ولا من سامع لنصائحها، حتى تحول النصح إلى وعيد، والوعيد إلى فعل .
أصبح الصدريون الذين جاؤوا بعبد المهدي من الناقمين على عبد المهدي لذا شاركوا في التظاهرات والإعتصامات ضد الفساد والمفسدين، وأعلنوا حربهم ضد من أسموهم بالمليشيات الوقحة، وهي الفصائل التي ترتبط بالمحور الإيراني، أو ما يُسمى بمحور المقاومة، وفي الأيام الأولى من الإنتفاضة إنتقموا ممن حسبوهم أعدائهم في البصرة وميسان وذي قار، بحرق مقراتهم، وقتل بعض قياداتهم إثر توجيه الإتهام للحشد بقتل المتظاهرين السلميين، وبعضهم كان من أوائل من رفعوا شعار ” إيران بره بره .. بغداد تبقى حره”، وكان أصحاب الخوذ الزرقاء، وهي فصائل مقاتلة من الصدريين تحمي الإعتصامات، وتقف بمواجهة القوات الأمنية، وإلى هنا كان التعاون والتنسيق في أعلى مستوى بين المنتفضين وأغلبهم مؤيد للمرجعية، بإستثناء أعداد قليلة من العناصر التي تسمي نفسها مدنية، وكذلك عدد من الوطنيين الرافضين لتبعية العراق إلى أي قوة أجنبية، وبعض اليساريين، والناقمين على تغول ممثلي الإسلام السياسي، وبالأخص الأحزاب الإسلامية التي إستأثرت بالمغانم، على حساب تنمية وتطوير البلد، وكان للصدرين قصب السبق في هذا الحراك، حتى أقدمت أمريكا بفعلها الأخرق على قتل سليماني وأبو مهدي المهندس في مطار بغداد الدولي المدني، فتغير الوضع بدرجة 180درجة، فأصبح الأعداء حلفاء، والحلفاء أعداء .
كانت السلطات الفاسدة محاصرة من قبل المنتفضين، مضطرة لإجراءات ترقيعية لم تقم بمثلها طيلة 16 عاماً، لكنها كانت مجبرة بفعل الضغط الجماهيري المتصاعد إلى إتخاذ إجراءات ستؤدي بالنتيجة إلى فقدانها للسلطة، أو في الأقل الحد من نهبها الذي تجاوز كل حد، إلا أن الفعل الأمريكي الأخرق غير المعادلة، وعقد مهمة المنتفضين، وأدى في ما بعد إلى فك التلاحم الذي كان يشتد يوماً بعد يوم كلما إمتد عمر الإنتفاضة، بين القوى المنتفضة جميعها، وبالأخص الموالين للمرجعية والموالين للصدر، وهما أقوى فئتين من الفئات المنتفضة، حتى كان خروج التيار الصدري من ساحات الإعتصام، بحيث بان حجم القوى المتبقية، التي تصورت أنها سيدة الساحة بلا منازع، فإذا بها لا في العير ولا في النفير في موازين القوى المنتفضة .
كانت المرجعية قد أعلنت مرارا وتكرارا، وإن كان بشكل غير مباشر تأييدها للمنتفضين، وكانت تعتبر الإنتفاضة ردها العملي على تجاهل الساسة الفاسدين لتوجيهاتها، وبالوضع الذي حدث يوم 24 من كانون الثاني، فإنها كانت ستفقد تأثيرها، ليس على المجريات السياسية في البلد، وإنما ستفقد الكثير من نفوذها، فكان أن أحبطت إجراءات التيار الصدري بإجراء سريع ومباشر، بحيث أوعزت لأتباعها في اليوم الثاني لملأ الفراغ الذي تركه إنسحاب التيار الصدري، فأمتلأت ساحات الإعتصام بمتظاهرين موالين لها، وأزاحت الأحداث عمامة لتنصب عمامة أخرى بدلها، يستغرب البعض من تأييد الحكيم للمنتفضين وهم الذين كانوا ضده أساساً، بحيث كان بدء إنتفاضة النجف بالهجوم على بناية مرقد باقر الحكيم الكبير بمبالغة ذات مغزى، ومواجهة المسلحين داخله للمهاجمين بالرصاص الحي، يستغرب من تبدل المواقع والمواقف، لكن الإستغراب سيزول عندما يعرف أن آية الله النجفي وهو من أعلام الحوزة قال عن عمار : ” إنه أبن المرجعية، ودعى الناس لإنتخابه، فإذا أضيف لهذا الصراع الخفي والظاهر بين آل الحكيم وآل الصدر أصبح بإمكان المتابع تمييز الخيط الأبيض من الأسود في هذه العملية الشائكة، التي تتصارع فيها إرادات ومصالح، يكون الوطن العراقي والشعب العرقي ضحيتها بإمتياز .
وللحديث صلة ..
كاتب عراقي