ميساء أبو زيدان
يجتمع قادة القارّة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في جبل (عين كارم) بمدينة القدس إحياءً لذكرى المحرقة الجريمة التي ارتُكبت بحق الإنسانية، حيثُ قضى ملايين الأبرياء منهم ستة ملايين يهودي جرّاء هستيريا التطرف والتمييز العرقي وكره الآخر.
في القدس؛ يلتقي القادة الذين يفاخرون العالم بحضارتهم ورقيّ إنسانيتهم وبحرصهم وتفانيهم لتحقيق العدالة وكرامة الإنسان، ليُعبروا عن ألمهم رافضين تكرار مثل تلك المآسي بحق البشرية وعن التزامهم بتعويض الضحايا جيلاً بعد جيل، مُحتَفين بالذكرى الخامسة والسبعين لتحرير معسكر (أوشفيتز النازيّ) الذي يبعُد ما يُقارب أربعة آلاف كيلومتر عن القدس التي وخلال الحرب المأساة كانت منظمات الحركة الصهيونية (الآرغون وإيتسل) وبين الأعوام (1937-1948) تفجّر الأحياء والأسواق المتحشدة بالفلسطينيين إمعاناً بقتلِهم، لتَشهد الإنسانية وبالوقت الذي كانت تشوه فيه النازية وجه التاريخ المُعاصر بدايةَ فصل جديد من فصول الكراهية بحق الفلسطينيين.
وليس ببعيدٍ عن مكان الاحتفال يقع حيّ شُعفاط الذي مِنه خُطِفَ الطفل الفلسطيني (محمد أبو خضير) عام 2014 على يد ثلاثة من المستوطنين ليحرقوه حياً حتى الموت وبعد يومٍ واحدٍ من تحريض (إيليت شكيد) عضو الكنيست الإسرائيلي؛ برلمان الكيان الذي يدّعي تقدمه وارتقائه ديمقراطيةً وعدالة! حيثُ نادت شكيد حينها بقتل الأطفال الفلسطينيين الذي اعتبرتهم “ثعابين صغار” لتعكس بذلك عقلية الضحية المُعذبة كاشفةً ما يعتريها من حقدٍ وشعورٍ بالتفوق حيث منحت نفسها الدعوة لتكرار الجريمة.
هذا الهولوكوست الآخر الذي كانَ تصديراً لأزمة استشعرها أسلاف هؤلاء القادة المجتمعين المحتفلين وبالاتفاق مع قادة الوكالة اليهودية الصهيونية جاء لِتُسرق أرض فلسطين ويسلب حقّ شعبها في الوجود والعيش وتقرير المصير، ليشهد العالم جريمةً أخرى لا زالت تُرتكب ومنذ ما يقارب القرن.
ومن القدس وفلسطينها؛ التي استُقبلتم فيها يا قادة العالم الحديث بدفء الضحية المنتشية استبداداً (حيث رهنتم لها مصير شعبٍ) أُنتِجت وعبر مراحل التاريخ المتعاقبة ملامح الحضارة الإنسانية، وكأنكم بصمتكم عما يُرتكب من جرائم بحق أهلها وشعبها تُكَفِرون عن ذنب المحرقة الجريمة التي ارتُكبت أساساً بحق البشرية جمعاء لا بحقِ عرقٍ أو دينٍ أو فئة أو نوعٍ بحد ذاته دون آخر.
وفي المدينة نفسها التي أبديتم لأجلها عبر تصريحاتكم الرافضة لكل إجراءٍ من شأنه المساس بهوية المدينة وقداستها يجابه الفلسطيني صنوفاً من الإجرام الذي يُمارس من قبل الضحية لتشاطرونها الحزن وتؤكدون على مناصرتكم لها، الضحية التي مُنحَت الضوء الأخضر من الرئيس الأمريكي ترامب، ليدفعوا ذاك الفلسطيني بعيداً عن مدينته التي عاش فيها مجسداً الامتداد الطبيعي لأجداده الذين حفظوا فيها العيش المشترك جيلاً بعد جيل. في القدس؛ وفي إقرارٍ آخر من قائدٍ يخلع دوره الرسمي لِيخوض حراً غمار يومٍ في فلسطين كما الفلسطينيين، يُعبّر عنه خليفةَ (ديغول) فرنسا الحرة رافضاً لهمجية الاحتلال الذي نهش بوقاحة جنوده قدسيةَ مهد (مريم المجدلية) ولكأنهم يصرّون بتصرفاتهم تلك على تعميق روحها ألماً مرةً أخرى وحيث سارّ ولدُها نبيّ السلام مُعذباً مصلوبا، فيتناقل أحفادها الفلسطينييون دقائق سَجلت تلك الواقعة إشارةً لأملهم بإمكانية انتصار العالم لحقهم ووجودهم.
في القدس؛ مدينة الفلسطينيين المؤمنين بشرعية نضالهم للحرية والسلام، حضرت فيكم ذكرى الهولوكوست المؤلمة فأحييتموها وجعاً ولفظاً، فهل آن الأوان لأن تحضر فلسطين وشعبها إنسانيتكم اعترافاً وعدلا! فمَن يدرك حقاً قهر الجريمة وامتهان الكرامة الإنسانية له أن يدرك أهمية ومقتضيات العيش المشترك والسلام في مهد الديانات وقلب الحضارات.
كاتبة فلسطينية