ربى يوسف شاهين
لا شك أن ما انتجته الحرب العالمية الثانية منذ نهايتها في عام 1945م، لجهة صعود القوتان الامريكية والروسية، قد أدى في نفس الوقت إلى نشوء الحرب الباردة بين هاتين القوتين العظميين، والذي أدى إلى صراعات سياسية فيما بينهم، على الرغم من أنهم كانوا حلفاء في الحرب العالمية الثانية، إلا ان الاختلاف ظهر بعد الحرب على شكل صراع سياسي بارد عبر وكلاء في اوروبا والشرق الأوسط.
خلال هذه الفترة، ظهرت الندّية بين القوتين العظميين، تجلى ذلك عبر التحالفات العسكرية وتطوير الأسلحة، والتقدم الصناعي وتطوير التكنولوجيا والتسابق الفضائي. ولقد اشتركت القوتان في الإنفاق الضخم على الدفاع والترسانات النووية والحروب غير المباشرة.
هي معارك سياسية تأخذ شكل تحالفات متغيرة حسب الواقع المرسوم ميدانياً وسياسياً. ففي الحرب على سوريا، ورغم التواجد القوي للقوى الحليفة لواشنطن من بريطانيا وفرنسا والمانيا، ودخول بعض الحكومات من دول عربية وإقليمية كتركيا، إلا ان المحرك الفعلي لحروب الشرق الأوسط هو الكيان الإسرائيلي المرتبط عضوياً بالأهداف الأمريكية.
فقد تعمدت واشنطن تغيير مسار المنطقة العربية لصالح الكيان الإسرائيلي، مُستترة بعباءة محاربة الإرهاب المتمثل بـ داعش، ليظهر الدور الروسي في المنطقة وبشكل لافت عبر الحليف الداعم للدولة السورية في حربها على الإرهاب، إلا ان تشعب الرؤى الدولية والإقليمية المنخرطة في الحرب، عقّد مسألة الحل السياسي والعسكري على السواء، فما كان من روسيا سوى تدعيم تحالفاتها مع الدول الفاعلة في الحرب على سوريا، واهمها النظام التركي.
ففي المشهد السوري، ومع اقتراب نهاية الحرب على سوريا، ادى الاجتماع الاخير للرئيسين بوتين وأردوغان، إلى إقرار هدنتا إدلب وليبيا، لجهة وقف إطلاق النار.
هدنتان دخلتا حيز التنفيذ منذ يوم الاحد 12/1/2020، على الرغم من تضارب المواعيد من قبل الحكومتين الروسية والتركية، حيث ذكرت روسيا أن الهدنة تبدأ الساعة الثانية ظهراً من يوم الخميس المنصرم، إلا أن تركيا أعلنت خلاف ذلك، لكن النتيجة أن الهدنتان أُقرتا وتم تطبيقهما.
حقيقة الوقائع تؤكد بأن ما جرى على الارض، هو قيام المجموعات المسلحة بتصعيد انتهاكاتها ضد قوات الجيش السوري، فعشرات الهجمات تمت على تلك المواقع، وكذلك لم تقم تركيا بسحب الفصائل الجهادية من المناطق المتفق عليها، الأمر الذي أدى إلى تأخير فتح طريق حلب حماه وطريق حلب دمشق وطريق حلب اللاذقية، حيث أنه كان من المتوجب افتتاحهم قبل نهاية عام 2018.
السياسة التركية المتبعة منذ عقد منصة استانا، هو التنصل من التزاماتها وتعهداتها تُجاه الجانب الروسي، وفي ذات الوقت فإن معركة الحليفان الروسي والسوري مستمرة ضد الجماعات الإرهابية، ومع التقدم الكبير للجيش السوري واقترابه من السيطرة على النقطة الاخيرة المتمثلة بمعرة النعمان، والتي تعد المنفذ الحيوي على الطريق الدولي M5، بدأت تلوح في الأفق بوادر حل سياسي، يُتيح للجيش السوري استكمال عملياته العسكرية تُجاه معرة النعمان، وهذا يشي إلى توسع في إطار العلاقات المشتركة بين روسيا وتركيا، والذي أسفر عن الهدنة الأخيرة حيال ملف إدلب، الأمر الذي يُمكن ترجمته بتوافقات ضمنية على إنهاء هذا الملف.
التسارع في تقرير ملف إدلب، جاء نتيجة الخروقات المتعددة للجماعات الجهادية الإرهابية التابعة لأردوغان، ونتيجة الانكفاء السياسي الواضح للولايات المتحدة، وتحول اتجاهاتها السياسية نحو العملاق الصيني المنافس للاقتصاد الامريكي. وعليه فإن المنظومة الاقليمية الروسية التركية هي نتاج طبيعي لجملة المتغيرات على الساحتين السياسية والعسكرية، خاصة مع تعاظم الاحداث في المنطقة العربية، وتحديداً تداعيات اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وابو مهدي المهندس.
فالعلاقة الروسية التركية لا تقل اهمية عن العلاقة الروسية الإيرانية، إلا ان المصالح السياسية على الارض تُشكل الاولوية التي يتم الاخذ بها، وبالتالي فإن مسار التطورات السورية المتناغم في المضمون والأهداف، مع الاستراتيجية الروسية في المنطقة، سيُفضي إلى إحداث توافقات إقليمية، تؤسس لمنظومات سياسية وعسكرية في الشرق الأوسط.
في النتيجة، بات من الواضح أن روسيا هي الحليف الاول للدولة السورية، وما يجري من تحالفات بين دولة عظمى كروسيا مع تركيا، هي قائمة أساساً على مبدأ التحالفات الاستراتيجية، لتحقيق الاستقرار في المنطقة ككل، وسوريا خاصة.
كاتبة سورية