الأردن بين مواجهة أمريكا و إيران

ثلاثاء, 01/07/2020 - 17:54

دكتورة ميساء المصري

وجه نائب مثير للجدل سؤالا لرئيس الوزراء الأردني حول قدرة الأخير على مواجهة نتنياهو . ومع تحفظي وعدم درايتي بالنيات المخفية من النائب بطرحه للسؤال الا ان الطرح ياتي في سياق ما يحدث في إقليم الشرق الأوسط وضمن الإتجاهات الأربع للأردن .

ويقودنا بالتالي الى أهمية الحديث عن علاقة الأردن بعمق التصعيد المتتابع بين واشنطن وطهران، والذي يزداد لحظة بلحظة .. بعد اغتيال قاسم سليماني.خاصة مع التهديدات المتلاحقة من كل الأطراف والتي بلا شك ستلقي بظلالها على عمان .

الاردن إستعد لأسوأ إحتمالات مفترضة من بينها نشوب مواجهات وفوضى عسكرية على الحدود مع العراق وسورية والكيان الاسرائيلي. ..بداية من الحدود الشرقية والتي تمتد لمسافة 181 كم حتى 458 كم باتجاه اسرائيل .او من ناحية سوريا .او بغداد من جانب اسرائيل او اسرائيل نفسها وامكانية استخدام المجال الجوي الاردني سواء من قبل ايران او اسرائيل .

خاصة بوجود “قوات” موالية لإيران قريبة من منطقة درعا جنوبي سورية، وتخوف من اضطرار قوات أمريكية لإستخدام الحدود الأردنية في نطاق عملياتي غربي العراق او جنوبي سورية لملاحقة ميليشيات في المنطقة , الأمر الذي يتطلب الإحتياط العسكري تحسبا لأي مجازفات على حدود شمالي الاردن مع سوريا والعراق . او حتى التحول إلى صدام عسكري واسع على النطاق الاقليمي.

البعد الزماني والمكاني يؤكد ان الأردن لا يريد ان يكون طرفا في الأزمة فهو لا يقف مع واشنطن ضد إيران كما أنه لا يملك الوقوف مع إيران . لكن الاردن يتأثر بمجريات المواجهات في حال حدوثها تأثرا غير مباشر، وخاصة عندما يتأزم الوضع في دول الخليج مما يفرض انعكاساته على الأردن، وهو الحال الذي سيكون عليه الوضع في الساحة العراقية وربما السورية واللبنانية وحتى الفلسطينية ، الا ان هذا التأثير المعني به الأردن يبقى مرتبطا بمدى التصعيد امنيا وعسكريا،لكن السياسية العقلانية تحتم على السياسة الأردنية بأن تنجح في ألا تكون جزءاً من الصراع بين طهران وأمريكا.فهل تستطيع ؟؟

عمان تحاول اخذ مسافة مع خطاب الحليف الامريكي تجاه الاحداث في العراق خصوصا وان العلاقات  بين عمان وإدارة الرئيس ترامب لا تبدو مستقرة او ايجابية. و أن عمّان بعد تجربتها في أثناء الأزمة السورية، التي كادت تشكل خطراً حقيقياً على المملكة. يجب عليها التروي من أية تحالفات قادمة، إقليمية كانت أو دولية، خاصة مع تغلب المصالح على الاهداف .

واين مكان الاردن في متاهة المصالح السياسية فليس سرا الكشف عن تعاون إسرائيلي – إيراني سابق، فمن المعروف أن القيادة الإيرانية تعتبر قيادة براغماتية قد تنجح في فتح مجالا لصفقات أكثر اتساعا من مجرد الصفقة مع أمريكا إلى أطراف أخرى ربما تكون إسرائيل إحداها. وهو ما يؤكد أهمية أن لا ننجر في الأردن للتمحور في الأزمة لكي لا يضحي بنا أحد أطرافها…فهل نفعل ؟؟؟

في المقابل أعلنت السعودية عن تشكيل حلف جديد لمجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر، وخليج عدن.، ويضم التحالف الجديد: السعودية، والسودان وجيبوتي، والصومال، وإريتريا، ومصر، واليمن، والأردن.وقد تم نفي إنشاء قوة عسكرية للتحالف الجديد، مع ان جميع الدول لديها قدرات دفاعية، وتنسيق ثنائي، ويمكن أن يتطور ذلك إلى تنسيق جماعي.ونتساءل هنا هل هذا الحلف يشكل ناتو عربي مختلف بحلة جديدة واسم مغاير . وخاصة في هذا التوقيت الحساس للمنطقة .؟؟ ولصالح من ؟؟

ومن سوء حظنا ان اقليم الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر عسكرة في العالم رغم انه يشكّل ستة في المئة من سكان العالم، لكنه يمثّل ما يقرب من ثلث واردات السلاح في العالم ايضا .

 

 الجيش الأردني الذي يعد أقوى جيش في المنطقة ويمتلك أكثر من ألف دبابة و60 طائرة حديثة, سيشهد تعاونا غير مسبوق من قيادة حلف الناتو وبعض الدول الأوروبية من بينها فرنسا والمانيا وكندا , والتي هي مهتمة جدا بإقامة قواعد عسكرية داخل الاراضي الاردنية وكذلك إمكانية إقامة قواعد عسكرية دائمة بالأردن لوحدات من الجيش الأميركي.خاصة مع ما يحصل الان من اعادة تمركز للقوات الاجنبية ليس في العراق فحسب بل في تركيا ايضا  .وربما قد يتطور الامر الى اقامة منشآت تسمح بوجود قوات تتبع حلف الناتو مستقبلا في الاردن  فهل هذا في صالح الاردن ؟؟ولماذا هذا الانتشار الواسع على ارض الاردن .وما المغزى من شراكة الناتو واصراره على بحث مكثّف لاحتياجات الأردن وازماته .

المخفي من الامر ان الناتو يحتاج لمركز استراتيجي جديد تتحول اليه غرف العمليات الاستخبارية، و عمان الأقرب والأخطر والأهم، وهذا خيار دفعت لبداياته المانيا حين حولت جنودها من قاعدة انجرليك التركية الى الأزرق الأردنية قبل اكثر من عامين.

ويبدو ان المعلن من خطة الناتو هو مساعدة الاردن بتعويض الشطط الأمريكي والتقزّم في العلاقات مع إسرائيل و”المغامرات” الخليجية، و ضرورة انقاذ عمان من أي انهيار محتمل باعتبار السيناريو االمقبل “طريق بلا رجعة” وقد يحول الشرق الأوسط لنفق اسود.

وربما هنا أشير الى أحدث النصائح التي قدمها الملك عبد الله الثاني لواشنطن وحلف شمال الأطلسي حين قال ” من وجهة نظر تاريخية ومن خلفية عسكرية، أنه إذا لم يتم حل المشكلة، عليك العودة لحلها لاحقا بشكل مكلف أكثر للجميع”. تحدث الملك بذلك في رد عن رأيه بالانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، ليشرح لاحقا ان محاربة الإرهاب لا تنتهي بالعمل العسكري، ومشددا بعبارات شديدة العاطفية على الامل والخدمات والحياة التي يحتاجها الأردن ودول المنطقة وذكر منها بصورة مثيرة للانتباه “الأردن واليمن وايران”.

بكل الأحوال، وبحكم الواقع الموضوعي سيتحول الأردن لاهم “غرفة عمليات” في الإقليم اما التحدي الحقيقي اليوم فهو في واقع الامر الى أي مدى يمكن للسياسة الأردنية الداخلية والخارجية والمسؤولين الأردنيين ان ينجحوا في تجاوز الازمة وتدارك الابعاد السياسية لها .

ومن هنا ينبغي على الاردن ان يحسب حساباته بدقة،

تسلط الأضواء مع الازمة الإيرانية الأمريكية على قاعدة موفق السلطي التي تستخدمها أمريكا كقاعدة تحتوي على 3000 جندي امريكي كما تستخدمها كذلك المانيا وتحاول العمل على توسيعها، والمثير للجدل والقلق معا ان القاعدة حددت كهدف من ضمن بنك الأهداف الإيراني .مما يعني ان المشهد قد يتغير ، وتبقى الأسئلة مفتوحة للأيام القادمة .

ان الحالة اليوم أخطر بكثير على المستوى الإقتصادي للأردن، خاصة بعد الضوء الاخضر الإيراني على التعاون التجاري العراقي الأردني قبل التصعيد الأخيرحيث عزم العراق على تزويد الأردن بـ10 آلاف برميل يومياً من نفط كركوك، الى إنشاء أنبوب نفطي يمر عبر الأراضي الأردنية بطول 1700 كم، يمتد من البصرة إلى الأردن، عبر صحراء الأنبار بغربي العراق، وصولاً لخليج العقبة في الأردن. وتخفيض سعر برميل النفط بـ18 دولاراً عن سعر خام برنت.

و في اشارة الى انفراج الكماشة الإيرانية عن العلاقات الإقتصادية الأردنية العراقية، يبدو ان الأزمة الحاصلة بين واشنطن وطهران وتداعياتها ستعيد انقباض الكماشة من جديد.

الأردن دخل اتفاقية الغاز ونادي غاز شرق المتوسط، وهذا بحد عينه يشكل تحديا صعبا في هذه الازمة اذ يخضع الاردن هنا لأسعار النفط عالميا وقادم الأيام ينبئ بإرتفاعات فلكية للنفط والذهب  , فهل يستطيع الأردن مواجهة هذه القيم السعرية للنفوط وسداد قيمتها في ظل الأوضاع الإقتصادية التي يعانيها من جانب دول الخليج من جهة وواشنطن واسرائيل من جهة ثانية. وهل يمكن وضع انابيب الغاز كهدف محتمل ؟؟؟؟وما أخطار ذلك على الأردن ؟؟؟

حين نتفحص غرف القرار الأردني نجدها حافلة بالمشهد الإنتخابي الإسرائيلي  ووضع أهداف محتملة ضد الأردن إذا ما تمكن بنيامين نتنياهو ومجموعته من الإفلات بالحكومة.

واحتمالية عودة الليكود إلى الحكم وتوقع خطوات تصعيدية واستفزازية إذا ما فاز نتنياهو مجدداً ضد عمان.

خلاصة القول, احذروا استراتيجيات الوجود الأمريكي في الاردن , و المشروع الصهيوامريكي والمشروع التركي والمشروع الإيراني والمشروع التطبيعي ..و غياب المشروع العربي ، الأردن أحوج ما يكون لحماية الداخل قبل الحدود . وان يعي الادوار الجديدة لكل من مصر، مروراً بالعراق وسورية ودواعش أمريكا و إستدارات خليجية هنا وهناك، والتنبه لعمليات مخابراتية خارجية قذرة تتم هندستها، للتنفيذ من وكلاء بعض عرب وبعض غرب. من تحت الطاولة او فوقها ، بشكل عامودي وأفقي .

كاتبه من الاردن

الفيديو

تابعونا على الفيس