عبير الحيالي
استشهد صقر فيلق القدس قاسم سليماني في عمل إرهابي غير مدروس النتائج، أقدم عليه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي يحب الأعمال المفاجئة ذات الطبيعة الراديكالية. وبانتهاك صارخ للسيادة العراقية تمت العملية على طريق مطار بغداد وداخل الأراضي العراقية وهو ما أدخل المنطقة في مرحلة شديدة الحرج والخطورة. اغتيال قائد فيلق القدس سليماني كتب أول أسطر الحرب في الشرق الأوسط ولكن من سيخط الأسطر الأخيرة؟
لا يمكن التنبؤ بشكل المواجهة الإيرانية- الأمريكية المستقبلية، بسبب ارتباط هذه المواجهة بالرد الإيراني، وهو ما يطرح سؤالين أساسيين وهما: هل سيذهب الطرفان إلى مواجهة مكشوفة؟ وهل فعلاً استطاعت الولايات المتحدة توجيه ضربة مؤثرة على إيران على المدى البعيد؟
من غير المرجح أن تدخل إيران في حرب مباشرة ومفتوحة مع الجانب الأمريكي، وهذه هي السياسة الإيرانية التي تعتمد ردود الأفعال المتأنية والمدروسة في الأزمات. إيقاع الرد الإيراني في اعتقادي سيكون موزعاً على دفعات وأزمنة مختلفة، وفي مناطق متعددة أبرزها العراق وسوريا. ولن تقدم إيران على ضرب القواعد العسكرية في الخليج العربي، لأن هكذا قرار سيفتح أبواب الحرب المباشرة بين الطرفين وهو ما لا تريده إيران في الوقت الحاضر ومثلها الولايات المتحدة الأمريكية. ستكون سوريا أقل تضرراً في هذه المواجهات الغير مباشرة بسبب العمل الدؤوب من قبل الحكومة في دمشق للحفاظ على سيادة الدولة السورية من جهة، ووجود الجيش السوري في ساحات القتال كجيش موحد تحت قيادة واحدة، بالإضافة إلى وجود الحليف الروسي الذي يخلق نوعاً من التوازن في ساحات المعارك الخاصة بسوريا. أما العراق فهو بين فكي كماشة حقيقية الآن وهو المرشح ليتحول إلى ساحة الحرب بالوكالة ومسرح للعمليات المستقبلية. يخضع العراق لمجموعة كبيرة من الضغوطات، أولها تلك الاتفاقيات الاستراتيجية والأمنية التي تم توقيعها مع الجانب الأمريكي واستطاعت الولايات المتحدة أن تستمر في احتلال العراق من خلالها ولكن تحت مسمى “اتفاقيات تعاون”. هذه الاتفاقيات منحت الحق للولايات الامريكية باستخدام الأراضي والأجواء العراقية لأعمال تصب في الصالح الأمريكي، فسلبت العراق سيادته بشكل كامل. ومن جهة أخرى هناك رد الفعل الشعبي العراقي وهو الذي سيجد في مقتل أحد أبرز قادة الحشد الشعبي فرصة جديدة لتوحيد الصف الشيعي الآن لمجابهة العدو الأكبر وهو الولايات المتحدة الأمريكية، وليس من المستبعد أن يكون الرد الشعبي العراقي على العملية بالتوحد لإخراج الولايات المتحدة هي إحدى أهم الردود الإيرانية على العملية. وفي ظل كل هذه الضغوطات الخارجية والداخلية، تقف الحكومة الفاسدة والفاشلة والتي سببت في انزلاق العراق إلى هذا المستنقع عاجزة عن القيام بدورها الطبيعي وهو المحافظة على العراق وسيادته.
وللإجابة على الشق الثاني من السؤال عن مدى تأثر إيران باستشهاد سليماني، فإن تعيين نائبه إسماعيل قاآني وهو صاحب التاريخ الطويل من العمل ضمن قوات فيلق القدس وأحد المقربين جداً من سليماني يعكس صورة السياسة الإيرانية. فإيران تعمل ضمن منظومات متماسكة وهي جاهزة دائماً بالبدائل ذات الكفاءة، ولذلك لن نشهد في المستقبل تغييراً حقيقياً في أهداف وسياسة فيلق القدس، ولكن سنشهد اصراراً على إتمام ما أنجزه سليماني والسير على خطاه. ومن جهة أخرى كانت إيران تحتاج إلى حدث داخلي كبير يخفف من الضغوطات التي تعاني منها البلاد في ظل الحرب الاقتصادية الجائرة. استشهاد سليماني أثر في الشعب الإيراني كما أثر في الحكومة حيث انه يتمتع بشعبية قوية تصل إلى 75% وهناك إجماع على شخصيته من قبل الشعب، وهذا الحدث الكبير سيؤدي إلى التفاف الشعب الإيراني حول قيادته لمواجهة الخطر القادم من الخارج. ولن يغيب الملف النووي الإيراني عن المشهد والذي سيكون جزءاً من الرد الإيراني حيث ستقدم إيران على كسر جميع الاتفاقيات وإعادة تفعيل منظومتها النووية كرد لعملية الاغتيال وهي رسالة ستوجهها إيران إلى العالم وليس فقط للولايات المتحدة.
هذه العملية الغير مدروسة ستغير وجه الشرق الأوسط، كما ستغير طريقة إيران في سياساتها التي تتبعها في المنطقة، كما ستؤثر على التواجد الأمريكي في المنطقة وخصوصاً في العراق. لن يطول الوقت بترامب ليخرج لنا ويطلب من إيران الجلوس على طاوله المفاوضات لحل القضايا العالقة. السطر الأول في هذه المواجهة كتبته الولايات المتحدة ولكن السطر الأخير سيكون لإيران.
باحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
لندن