كثيرة هي التساؤلات والإستفهامات التي دارت في أذهان العديد من متابعي الشأن العام في الآونة الأخيرة، مما شكل مادة دسمة للإعلام وحافزا قويا للبعض في إطلاق العنان لمخيلته حتى لحدود اللامنطق واللامعقول لاستنطاق دوافع وكيفية ومآلات عودة الرئيس السابق لأرض الوطن وما رافقها من ردات فعل وهزات سياسية وشائعات مغرضة في بعض الأحيان.
شخصيا، أميل إلى تصديق فرضية وجود سيناريو محكم يهدف إلى استدراج كشكول المعارضة السياسية الطامحة بطبعها إلى الإرتماء في أحضان أي نظام جديد سبيلا للإستئثار ببعض المكاسب الخاصة ليس إلا، من أجل ترويج الصورة الوردية لموريتانيا الديمقراطية، الآمنة، المستقرة، والرائدة في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل والشمال الإفريقي وذلك على خلفية خطاب فخامة رئيس الجمهورية الأخير في داكار، خصوصا وأننا في طور التفاوض مع الشركاء الإقتصادين المفترض بهم الإسهام في مشاريع التنقيب عن الغاز المستكشف حديثا ...، ولا شيء في سبيل ذلك سيقدم كطعم للمعارضة أفضل من شخص الرئيس السابق، وإظهاره كما لو أنه على كف عفريت قد يعصف به في أي حين، الآن وقد أبان الرجل عن أساس المشكل القائم بينه وبعض من متزلفيه السابقين، معتبرا أنه مجرد إجراء غير قانوني يهدف إلى الإستحواذ على الحزب الذي أقام على إنشائه معتبرا أن لا شيء يعكر صفو علاقته الشخصية بفخامة الرئيس محمد الشيخ العزواني، ومؤكدا على مضيه قدما في وعده للشعب الموريتاني بالإستمرار في مشروعه السياسي الهادف إلى ترسيخ دعائم الديمقراطية ودولة القانون، إلا أن هذه الأزمة، وإن كانت مفتعلة، فقد أسفر بلا شك عن معادن الرجال وفضحت دوافع التزلف التي أظهرها البعض للرئيس السابق سبيلا للتكسب والمصلحة الشخصية كما صرح بذلك أحدهم عبر شاشات التلفزيون مفتخرا ومتبجحا، فهل ياترى سينخدع الرئيس الحالى بأمثال هؤلاء؟.
سيناريو إلهاء المعارضة بشقيها الناصح والناطح، لم يقتصر فقط على الإمعان في إظهار "عزيز" أسيرا لمناقضات الدلالات اللغوية لإسمه، ولا حتى المدلولات المعنوية لمكانته، وهو الذي ضاقت عليه البلاد بما رحبت حين أراد إيجاد فسحة لإجراء مؤتمره الصحفي دون أي جدوى، بل تعدى ذلك إلى إشغال الرأي العام بالكشف عن محتويات ملفات محكمة الحسابات وإن بشيء من التنقيح تفاديا لأن تشمل رؤوسا لاتزال تشغل مواقع حساسة في مراكز صنع القرار حتى الآن، الأمر الذي فتح شهية الرئيس السابق للرد بنبرة تحد واضحة حين سئل عن رأيه في فحوى تلك الملفات وما حوته من اتهام ضمني لحقبتيه الرئاسيتين، ناهيك طبعا عن أولئك المغيبين الراقصين على سمفونية "نذيرُ لاتولي" واللاهثين خلف أحلامهم المشروعة في تحسين القطاع الصحي في البلد.
إن احتفاظ النظام الحالى برموز سلفه لإدارة شؤون البلد، لمؤشر قطعي واضح الدلالة على استمرار النهج الذي رسمه المحمدين معا حين كانت البلاد في أمس الحاجة لدخولهما على خط السياسة، على الرغم من إكراهات المرحلة أنذاك، كونها كانت بين مطرقة أطماع التيارات الإرهابية العابرة للحدود، وسندان التيار الإخواني المتماهي معها في الداخل، ومحاولاته المتعددة لإشعال الربيع الموريتاني، ومآلات ذلك من مآس وويلات.
محمد امبارك صالح