د. خالد رمضان عبد اللطيف
بحلول 2020 تكون أسواق النفط أنهت عقداً استمر عشر سنوات (2010- 2020) بحلوه ومره، فقد شكل هذا العقد نقطة تحول كبيرة في أسواق النفط العالمية، بسبب تغير معادلة الإنتاج، وصعود الولايات المتحدة إلى مرتبة أكبر منتج عالمي للنفط، بإنتاج قياسي يقترب من 13 مليون برميل يومياً، لتتحول بفضل ثورة النفط الصخري من مستهلك كلاسيكي إلى منتج قدير، فمصدر عالمي بنحو 3.397 مليون برميل يومياً، الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يخرج عن المألوف الدبلوماسي، ليعلن في أيلول (سبتمبر) الماضي أن بلاده ليست بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط.
مرت عشر سنوات على السوق البترولية، دون أي علامات على العودة مجدداً إلى نطاق 100 دولار للبرميل، في الوقت الذي دخلت فيه منظمة “أوبك” عقدها السادس، ولا يعلم السوق إلى متى ستستمر هيمنة المنظمة على الأسواق، في الوقت الذي يؤكد فيه مسؤولو المنظمة قدرتها على قيادة السوق إلى بر الأمان، ويستدلون على ذلك بالاتفاقيات التي أبرمتها مع المنتجين من خارجها، والتي أنقذت السوق النفطية من الانهيار، خاصة بعد تهاوي الأسعار في حزيران (يونيو) 2014.
منذ بدء تداول النفط في الأسواق العالمية، والعالم من شرقه لغربه يتساءل: متى ستنضب آباره.. متى سيصبح سلعة لا أهمية لها، في ظل وجود مصادر الطاقة النظيفة، وتزامنت تلك التساؤلات مع حوارات مطولة حول مستقبل الوقود الأحفوري في ظل صعود المنظمات البيئية والتململ من التلكؤ العالمي في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في مواجهة الانبعاثات الكربونية، ولكن، بعد عدد لا نهائي من الاجتماعات والأبحاث المتخصصة التي جرت خلال هذا العقد، لم نصل إلى إجابة محددة على تلك الأسئلة المصيرية.
ما زال الطلب النفطي ينمو بقوة منذ الحرب العالمية الثانية، حتى بدا الأمر وكأن استهلاك النفط سيستمر للأبد، إلا أن القصة تغيرات بشكل دراماتيكي بفعل التكنولوجيا، والسيارات الكهربية، ومصادر الطاقة المتجددة، وفي ظل تلك المعادلات المتحولة، يصبح السؤال مشروعاً حول مدى إمكانية وصول أسعار النفط مجدداً إلى مستوى 100 دولار للبرميل؟، قناعاتي الشخصية أنه قد يحدث يوماً ما في ظل تصاعد المخاطر الجيوسياسية، ولكنه سيحدث بشكل مؤقت، وهذا ما يدركه أيضاً الحالمون بالمائة دولار، فقد أجهزت ثورة النفط الصخري الأمريكي، على تلك الفكرة، ووضعت كلمة النهاية للأرقام ثلاثية الخانة، بل إن كل المنتجين والمستهلكين متفقون على أن سعر 100 دولار للبرميل مضر بالجميع، وبالاقتصاد العالمي.
في تموز(يوليو) 2008، عانى الاقتصاد الأمريكي من أسوأ أزمة اقتصادية منذ الركود العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين، وقد دفعت تلك الأزمة المالية الخانقة في 2008 خام غرب تكساس الوسيط، لأرقام قياسية متجاوزاً 147 دولاراً للبرميل، ثم هبط بعد ذلك إلى 32 دولارا للبرميل في ديسمبر من نفس العام، ولم يفلح تعافي ما بعد الأزمة، سوى في رفع الأسعار إلى نطاق 80 دولاراً للبرميل في بدايات عام 2010.
في العام التالي، حدث شيء لم يتوقعه سوق النفط، حيث اندلعت ثورات الربيع العربي عام 2011، وكانت ليبيا في ذلك الوقت واحدة من أهم منتجي النفط من بين دول أوبك، فهبط الإنتاج الليبي من 1.5 مليون برميل يوميًا إلى صفر تقريبًا بنهاية 2011، وفي تلك الأثناء كانت هناك تغييرات هيكلية في سوق النفط، فحدت خطوط الأنابيب من حركة النفط الخام في الولايات المتحدة، مما صعب الحصول على خام غرب تكساس الوسيط، مقارنة بخام برنت العالمي، ليستحوذ برنت على القمة من نظيره الأمريكي، أمّا نضوب الإمدادات الذي أحدثه التوقف الليبي، فقد دفع برنت للتحليق فوق 100 دولار للبرميل في 2011، وظل هناك لثلاثة أعوام ونصف، دون أن يقدر أحد إزاحته من عرشه.
ثم جاءت ثاني صدمات السوق البترولية في هذا العقد، عندما حان الوقت لهبوط الأسعار، بفعل ثورة تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي، التي أطلقت العنان فجأة للنفط الأمريكي من التكوينات الصخرية، لتصبح الولايات المتحدة في صيف 2014 على بداية طريق التفوق عالميًا كأكبر منتج للنفط، وهنا تحولت موازين قوى العرض والطلب، بعد ظهور طبقة المنتجين المستقلين بالولايات المتحدة.
أدى الخلل في تقدير قوة النفط الصخري الأمريكي، واستمرار الإنتاج بكميات ضخمة، إلى إغراق الأسواق بالمعروض النفطي، وفي غضون ذلك، وقعت إيران، ثالث أكبر دولة منتجة في أوبك، اتفاقاً نووياً مع الولايات المتحدة ومجموعة الخمسة الكبار، لتتحرر من قيود العقوبات، وتعود للإنتاج مرة أخرى، ومع عودة طهران للسوق، وأزمة النفط الصخري هبطت أسعار النفط هبوطاً مدوياً، ليصل برنت إلى 35 دولاراً في ديسمبر 2015، ويلامس خام غرب تكساس الوسيط 26 دولاراً في فبراير 2016.
خلال العامين الماضيين، تأثرت أسواق النفط بالحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي اندلعت في آذار (مارس) 2018، مما زاد حالة عدم اليقين بشأن نمو الاقتصاد العالمي، وأثر سلبا على الطلب النفطي، ويرجع التأثير الكبير في كون الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم بمتوسط 19 مليون برميل يوميا، بينما الصين أكبر مستورد عالمي للخام بمتوسط 13.2 مليون برميل يوميا.
نجح تحالف “أوبك+” (23 دولة) في ضبط الأسواق، ودعم أسعار النفط، واستعادة بعض التوازن المفقود بين العرض والطلب، عبر استراتيجية خفض الإنتاج والتي بدأت أول الأمر في تشرين الثاني(نوفمبر) 2016 بنحو 1.2 مليون برميل يوميًا، ثم استقر الرأي على تعميق التخفيضات الشهر الماضي بنحو 2.1 مليون برميل يوميًا ، وهو ما يمثل 2% من الإمدادات العالمية، وهو الأمر الذي دعم أسعار الخام بشكل قوى، وأدى إلى ارتفاع مكاسب مزيج خام برنت القياسي في 2019 إلى 30.56 في المائة عند نطاق 66.87 دولاراً للبرميل، وربحية الخام الأمريكي (غرب تكساس) 36.11 في المائة عند 61.70 دولارا للبرميل..
* كاتب مصري متخصص في العلاقات الدولية والدبلوماسية