نادية عصام حرحش
كيف يمكن ان نصف وضعنا الحالي الذي لا يزال يرمي بانعكاساته على حالنا لدحضنا بانهزام وراء انهزام. هزيمة ضمن هزائم مستمرة، نعلن فيها الانتصار على آخر وهمي لا يشكل الا انعكاسا لنا، حرب مستمرة ضد احتلال يستمر بالانتصار علينا ونستمر بإعلان تسجيل الهزائم ضده في الخطاب التعبوي الرسمي. من أزمة كهرباء، لانتظار موافقة من اجل انتخابات، الى اقتطاع من أموال المقاصة، إلى فساد يتأصل من كل الاتجاهات. انتهاء لحكم نتانياهو نسارع في التطبيل والاعلان والاحتفاء به، ليتربع من جديد على عرش إسرائيل. وقد يقول الفاسد القابع على كرسيه في كل مكان عندنا: عاش الفساد سيدا منتصرا!
لن نفهم طبعا ان ما جرى مع نتانياهو في إعادة انتخابه رئيسا لحزب الليكود بانتصار لافت يؤكد فقط على حقيقة واحدة: ان عضو الليكود والإسرائيلي وجهان لإسرائيل واحدة. فما “انجزه” نتانياهو لإسرائيل في سنواته الأخيرة تحديدا يعتبر تاريخيا سيشكل دخول إسرائيل الى تحقيق حلم “إسرائيل الكبرى” بلا عتاد ولا مناورات.
حرب ضد التطبيع تجلت أخيرا في بيان استنكر حفل المغني الفلسطيني\الاردني عزز مرقة في كفر ياسيف، مقابل تطبيع عربي متشعب ، كان تجليه في مكالمة احتفائية بين نتانياهو ومدون سعودي وقهقهة نتانياهو في عبارة ستصير عنوان مرحلة: “انت ليكودي عربي”
واتفاقية سيداو وتكريس “الشرف” الفلسطيني في الحماية منها ومنعها.
ولكن تبقى داعش وحربنا الضروس ضدها، هي ما يوحد تنوير طريقنا. نحن لسنا داعش، لكننا تحريريين، اخوان، حمساويين، شيوعيين، وفتحاويين. نحن لسنا داعش ولكننا مثقفين، نقابيين، معلمين، مشرعين، مشايخ وعشائر تتوحد في الاقصاء والتنمر ورفض كل ما هو آخر وكل ما يشكل تهديدا على هيمنة وسطوة الذكورية!
حرب لا نعرف كيف بدأت ولم أعلننا شنها. داعش كيف ظهرت ومتى اصبحت بكل هذه القوة. من صنعها؟ الموساد، امريكا، ام نحن؟
حرب الله المستمرة ….
كما حرب تم شنها بتوحيد الصفوف ضد سيداو. من شنها ولماذا وكيف صارت هي الشاغل الأكبر ليومنا. كيف تحولت المرأة ومؤسساتها الى عدو يجب استئصاله. وتسكت الحكومة مرة أخرى بصمت مريب. ليتساءل لسان الحال من جديد: سيداو ام شرفنا المستباح؟
نعلن حروب ونشن عدوان ونقتل ونسفك دماء تحت اسم الله.. ثم ندعي الكفر لغير المسلمين. ونصبح فجأة دواعش سواء كنا بحزبهم او الحزب الاخر … كلنا بنفس الدرجة من الاجرام الجبان.
داعش بكل قباحتها لا تشكل الا انعكاسا لصورتنا الحقيقية …
سواء كانت داعش تنظيما دسه الغرب بيننا، او كان امتدادا لحركات اسلامية متعصبة، فنموها ووجودها بيننا هو نتيجة حتمية لحقيقة واحدة فقط … بان هناك خلل فينا.
فانقسامنا ما بين داعش وضده يؤكد على الخلل الكامن فينا. كما انقسامنا الهزلي بين سيداو وضده.
تملأ ساحات المدن الفلسطينية أشجار عيد الميلاد وتملأ الشوارع زينة، يتسابق المواطنون لأخذ صورة وللتأمل بجمالية المشهد، تصبح الأرض وكأنها من جديد تعج بناسها منذ المسيح عليه السلام، ليأتي العيد وتسقط الأقنعة وتصدر الفتاوي والتأويلات بتحريم المعايدة على “الكفار”
لم نعد نعرف من مع من وضد من؟
نريد حياة علمانية الشكل ولكننا نريد ان نمارس الموروث العرف بقبليته لا بقيمته. نختار ما يناسب تثبيت وتأصيل ذكورية المجتمع. نرفض القبلية ونؤصل العشائر والعوائل. نريد الحفاظ على الدين ولا نمارسه الا بما يترك العنان للمجتمع للتحكم بالمرأة. يلوذ الرجل من جديد بأفعاله وننقض نساء ورجالا على المرأة في ذنبها. إذا ما أخطأت، إذا ما تكشف جسدها، إذا ما ارتكبت معصية. وحدها المرأة تحاسب على فعل كان الشريك والمرتكب والخادش فيها هو الرجل. نخرج منتصرين بقوة باسم الدين ولقد تركنا قواعد الدين من اخلاق جمعية وشرائع متكافئة وعادلة.
خرجنا جميعا بين مناصر ومدافع لسيداو، كما أعلننا مناصرتنا وعدواننا لداعش، ولم نتسارع جميعا ضد عدوان اسرائيل المتتالي من قصف على غزة واغتيالات علنية، وهدم بيوت واجتياحات ليلية ونهارية على مدن الضفة، واعتقالات مستمرة. أنحتاج دائما ان نتفق فقط على أنفسنا؟ ايتحد العرب فقط عندما يكون عدوه هو اخاه؟
ولا اقول ان داعش اخي.. الا ان من يدافع اليوم عما تمثله داعش قد يكون اخي. وهكذا وبدون سابق انذار اصبحت داعش تمتد داخل كياني مسلمة او كعربية.
داعش ليست غريبة عنا.. بل هي جزء من ثقافة وتربية كبرنا عليها وتعاظمت ونمت بداخلنا حتى اصبحت قرينتنا.
وستستمر بالنضوج حتى تخرج من كياناتنا الدفينة وتستوطن في عقر بيوتنا. فنحن أمة مع الأسف لا نرى ما بداخلنا حتى يخرج الينا كالمرض الخبيث. نرفض المواجهة الحقيقية لأعماقنا وننتهي دائما بأمراض سقيمة ترمينها الى ان تنهينا.
ذلك السباق فيما بيننا.. بين من مع ومن ضد. انقسامنا الى احزاب وتنظيمات تستمر في تقسيمها كالسكين الذي يقسم فيه اللحم على الجسد ويرميه قطعا حتى يصبح ما تبقى منه صالحا لكلاب السكك فقط.
هناك شيء يحدث فيما بيننا كأمة، بشع ببشاعة داعش، علينا الاستيقاظ منه.
علينا الوقوف امام أنفسنا وننظر بحزم وجدية الى ذلك الوجه الداعشي فينا. فانقسامنا مريب. وعداؤنا لبعضنا الاخر قبيح. وتوحدنا فيما بيننا على بعضنا الاخر من اسوأ شيمنا.
عويلنا على مشاهد القتل والهدم والاعتقالات أحيانا ، وعويلنا على قتل في اليمن على حسب توجهاتنا الحزبية ، او قتل في سورية وليبيا والعراق او الايغور، بينما نستمر بالمشاهدة بين “نصرة لله” او صرخات “لانتقام الله” وكأننا نروي ظمأ ما قابع بداخلنا نحو عنف دفين. وهتافنا لمقتل الاخر وتشفينا فيه وتسارعنا في صناعة بطولات ورقية وهمية لمقاتل ومحارب ومحرر جديد لا يبشر الا بالمزيد من الانحدار نحو ذواتنا المنهزمة.
اعرف ان كلامي بعباراته الصارخة الحائرة التائهة المشتتة لا يجلب هدوء ولا يقترح حلولا. الا ان هناك ما يجب ان نقوم به افرادا وجماعات. يجب ان ننظر الى أنفسنا ونتخذ قرارا بالنظر الحقيقي الثاقب الى داخلنا. يجب علينا ان نخلع كل تلك الأقنعة التي نرتديها حتى نسينا اشكالنا الحقيقية وتاهت منها هويتنا، ونفوسنا تلبدت وسط تراكم الأقنعة.
داعش ليست ظاهرة طارئة وستنتهي بغارة او عملية وبمزيد من القتل والتفجيرات. داعش ليست تنظيما يعيش او يموت بقرار امريكي.
داعش طريقة حياة عربية واسلامية بدأت منذ العصور الاولى للإسلام ومباشره بعد وفاة الرسول الكريم. فانتهى الكرم به وبدأ طمع العرب والمسلمين بعز لم يعرفوه وجاه لم يعيشوه وتسابقوا على دحض كل ما يهددهم من قبائل وعشائر واقارب، قد تنازعهم او تنافسهم بغنائمهم. علينا اليوم ان نقرأ التاريخ الاسلامي كما هو. بخيره وشره. بحسناته وسيئاته. بانتصاراته وهزائمه.
داعش طريقة حياة غربية، استمدت قوتها بالحروب الصليبية وغذت كراهيتها للآخر الكافر تحت شعار المقدس. واستمرت حتى تحولت علومنا ونفوسنا لاستيراد استشراقي لماهيتنا.
علينا اليوم ان ندرس الفضيلة التي تبدأ بالإنسان وتنتهي به. ليست تلك الفضيلة التي تبدأ بمصالحنا واحتياجاتنا وتتنكر للآخر وتقصيه.
علينا اليوم ان نحرق كل تعاليم الماضي البنية على تكفير الاخر. فما دمنا ننشئ ابناءنا على اقصاء الاخر، وتفرد معشرنا بالجنة وان الاخر له النار، فستستمر داعش فينا بالنضوج والعلو.
علينا ان ننظر الى أنفسنا كما نحن. ونبدأ بحساب أنفسنا قبل الكيل على الاخر منا باتهامات نرمي عليه فيها انهزاماتنا.
فما يجري بيننا وفينا معيب. مخزي لامة حملها الله القرآن كرسالة يقوم ابناؤها بتلويث الخالق والخلق بدلا من حمل الانسانية الى نور.
لقد حان الوقت ان نعيد قراءة ماضينا.
لقد حان الوقت ان نبدأ بعملية تأهيل لتربيتنا ومفاهيمنا الاخلاقية والبنيوية.
لقد حان الوقت لان نقف على مداخل التاريخ الحقيقي ونخرج من سراب تاريخ صنعه كبرياؤنا القبلي الهائج المارج.
لقد حان الوقت ان نكون بشرا نفكر ونحلم ونربي أنفسنا على الخير الحقيقي الحق المبني على الانسانية اولا واخيرا.
هكذا فقط نتخلص من داعش
هكذا فقط نسمو بأنفسنا من اجل انسانيتنا.
انسانيتنا امانة الله لنا. “ان اكرمكم عند الله اتقاكم”.
كاتبة فلسطينية