دوافع وخلفيات الإسلاموفوبيا

أحد, 12/29/2019 - 15:33

صباح علي الشاهر
كيف يمكن لأمريكا قيادة العالم والعدو الذي حشدت أوروبا ودول العالم ضده إنتهى ، لم يعد ثمة إتحاد سوفيتي ولا دول إشتراكية، والدويلات الأفريقية والأمريكية اللاتينية نزعت ثوبها الماركسي، وأبدلته سريعاً بثوب ليبرالي يساري شكلاً ؟
لم يعد ثمة وجود لحلف وارشو ، فكيف يمكن بقاء حلف الناتو ؟
ومثلما توهم البعض ، جاهلاً أو متجاهلاً ، أصبح العالم قرية واحدة ، إنتهى التأريخ ، وحل السلام الأبدي ، فهل يتفق هذا مع دهاقتة المال وتصنيع الإسلحة والإتجار بها ؟
كيف يمكن لأمريكا قيادة العالم ، ودوله لا تخاف عدواً ، ولا تحتاج دعما من الدولة التي إمتهنت الحماية ، وتفننت بأسبابها؟
هل يتفق سلام العالم مع الإحتكار والإستئثار والهيمنة على الشعوب ومقدراتها، أم يتعارض ؟
كيف لواضعي الستراتيج في أمريكا صياغة ستراتيجيتهم ما بعد إنتهاء الشيوعية من دون تحديد العدو ؟ من هو العدو ؟
كان العدو طبقياً ، يسعى لتغيير العالم وإنهاء النظام الرأسمالي ، والعالم كله أصبح رأسمالياً بإستثناء كوبا ، وكوريا الشمالية ، والصين الرأسماشيوعية، هذا يعني أن كل الأدوات التي حوربت بها الشيوعية لم تعد صالحة لمحاربة العدو القادم ، وأولها إتهامه بالإلحاد .
وقتها عُرف ما سُمي حينه بـ ( الصحوة الإسلامية ) حيث أقبلت أعداد متسارعة من الأمريكيين والأوربين ، علماء ، ومفكرين ، ونخب ، ورياضيين ، وفنانين في تبني الإسلام بإعتباره بديلا عن الخواء الروحي في هذه البلدان، وخلاص ذاتي ، ولا ينكر في هذا المجال دور المال الإسلامي ، وبالأخص البترودولار الذي ما زال مستمراً بزخمه في عملية نشر الأسلمة رغم أنه كان مكلفاً بمحاربة الشيوعية واليسار ، وكان عليه التوقف عن هذا بعد إنتهاء الغرض .
أصبح الإسلام أفضل الممكنات لصناعته كعدو ، خصوصاً وأن الهجمة الإسلاموية في أمريكا وأروبا خلقت رددوداً معاكسه تمثلت ببروز ظاهرة التعصب ضد الأجانب ، وتحديداً المسلمين، ولكن كيف يمكن محاربة ربع العالم بجعله عدوا، وكيف يمكن حماية مصالح أمريكا مع مثل هكذا توجه ؟
كي تشيطن حليفاً ، وأداة إستعملتها لعقود ضد عدو لم يعد موجوداً ؟ ستحتاج بالتأكيد إلى إبتداع أشياء وطرائق مختلفة ، ستصنع الإسلام الذي سيسهل عليك شيطنته ، والدعوة إلى محاربته من دون أن يتهمك أحد بأنك تحارب الإسلام كدين ؟
فكان أن خلقت القاعدة بمساعدة حلفائها المسلمين ، لتصيب نفسها بجرح نازف لكنه يهيؤها لإحتلال إفغانستان التي أتهمت بإيواء القاعدة ، والعراق الذي لا ناقة له ولا جمل بالموضوع ، لكن إحتلال إفغانستان والعراق لم يكن نزهة ، إذا كان ثمنه مؤلماً وموجعاً ، جعل أمريكا في نهاية المطاف تتخلى عن احتلال البلدين شكليا، حتى هذا الوقت كانت أمريكا والغرب حليفتان للإسلام والإسلاميين بإستثناء إيران وحزب الله في إيران .
وكانت النقلة الكبرى في شيطنه الإسلام هي صنع داعش ، التي صدمت ضمائر العالم بجرائمها ، وكان أن إبتدعت ما أسمته بمحاربة الإرهاب ، وأدعت أن القضاء على داعش يحتاج إلى ثلاثين عاماً في الأقل ، لكن المقاومين المتمثلين بحزب الله في لبنان ، والحشد في العراق ، وبمساعدة الإيرانيين والروس قضوا على داعش في فترة قصيرة ، لم تكن في ذهن من صنع داعش ورعاها ، وأطلقها .
وكان من الضروره الإلتجاء للقوة الناعمة ، سلاح أمريكا الأخير ، وهي قوة أعدت على نار هادئة طيلة 16 عاماً من إحتلال العراق ، وطيلة عقود في لبنان ، ومنذ التأسيس في الخليج ، إنبرت هذه القوة إلى تصوير الإسلام السياسي ، الذي هو بالأساس تابع لأمريكا ، أو من صنعها ، ونتيجة ولوغ ممثلي هذا الإسلام في الفساد الذي فاق كل الحدود، وتحت رعاية أمريكا وحمايتها، بحيث فاحت رائحته وزكمت كل أنف، ومن يراقب بتمعن توجهات القوة الناعمة سيجد أنها تتركز على تسخيف الرموز التأريخية ، والدينية ، إبتداءا من الحسين (الثائر) ، مروراً بالخميني (الدجال) ، وإنتهاءا بـ ( كلن يعني كلن والسيد منن )، ومن يتابع منشورات ممثلي هذه القوة ، ومن تأثر بها ، أو خدع ، سيجد أن التركيز كله على الأحزاب الدينية ، شيعية أم سنية ، وكأن الفاشية كلها ، والفساد كله ، مقتصراً على هذه الإحزاب ، وأن بمجيء سلطة يسمونها ( مدنية ) سينتهي الظلم والتغول والفساد ، وكأن البعث والقوميين والشيوعيين ليسوا مدنيين ، وكأن بول بوت كان يدعو لكونفيسوس أو بوذا وهو يجز رؤس الملايين ، وكأن فاشية موسوليني ليست نتيجة شعبيته الزائفة ، ونازية هتلر بسبب تدينه المفرط ، وتغول أمريكا والإستعمار البريطاني والفرنسي ليس بسبب جشع الرأسماليين .
إن شعاراً سخيفاً بدون محتوى ، يقتصر على مفردة هلامية هي ( المدنية ) بالإضافة إلى فراغة وتفاهته يكشف لنا كيف أن القوة الناعمة على وجه التحديد ليس بمقدورها الكشف عن هويتها ، وإلا لكانت فضيحتها بجلاجل كما يقولون .
كاتب عراقي

الفيديو

تابعونا على الفيس