د. عزيزة عبد العزيز منير
أدت سلسلة من الإنفجارات الاجتماعية و التوترات السياسية فى عدد من دول أمريكا اللاتينية إلى جذب أنظار المجتمع الدولى الى القارة المنسية كما أطلق عليها مايكل ريد فى كتابهForgotten Continent: The Battle for Latin America’s Soul أو “القارة المنسية: المعركة من أجل روح أمريكا اللاتينية” , و تنبأ المحللون بوصول الربيع الثوري إلى امريكا اللاتينية على غرار الربيع العربى.
شهدت القارة التى تضم بين أركانها 20 دولة و تبلغ مساحتها ما يقرب من 12% من إجمالى مساحة الأرض و بلغ عدد سكانها حتى عام 2018 أكثر من 642 مليون نسمة, سلسلة من الإحتجاجات الشعبية التى هزت أرجاء القارة من تشيلي إلى الإكوادور وبوليفيا إلى بيرو.
فى فنزويلا مثلا, تدهورت الأوضاع السياسية و الإقتصادية بدءا من عام 2014 حيث انخفض الناتج المحلى انخفاضا كبيرا أدى إلى انهيار اقتصاد البلاد. و فى هذا الصدد تشير احصاءات الأمم المتحدة إلى أن حوالي 90 في المائة من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر ,أكثر من نصف الأسر غير قادرين على تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية و بحلول نهاية عام 2019 سيكون هناك 5.3 مليون لاجئ ومهاجر فنزويلي ، وهو ما ينافس حجم أزمة اللاجئين السوريين.
على الصعيد السياسيى, واجه الرئيس نيكولاس مادورو Nicolas Maduro ، الذي أُعيد انتخابه عام 2018 وسط اتهامات بالتزوي وترهيب الناخبين، احتجاجات حاشدة في الشوارع ونجا من محاولة انقلاب عسكرى في ربيع عام2019 على يد زعيم المعارضة خوان غوييدو Juan Guaido.
في بيرو، قام الرئيس مارتن فيزكاررا Martin Vizcarra بحل البرلمان في محاولة لفرض انتخابات برلمانية جديدة مما أثار الغضب الشعبى و اندلعت المظاهرات فى أنحاء البلاد والتى أدت إلى توقف الإنتاج فى مناجم النحاس و شل الإقتصاد الوطنى. و من الجدير بالذكر أن فيزكاررا كان نائبا للرئيس السابق بيدرو بابلو كوتشينسكى Pedro Pablo Kuczynski الذى استقال إثر فضيحة تلقيه رشوة تتعلق بشركة البناء البرازيلية أودبريشت.
في الإكوادور ، ألغى الرئيس لينين مورينو Lenin Moreno دعمًا للوقود كان معمولا به منذ سبعينيات القرن الماضى، استجابة لشروط اتفاق مع صندوق النقد الدولي. منذ ذلك الحين ، ارتفع سعر الوقود ارتفاعا كبيرا، مما أثار احتجاجات ضخمة شلت أجزاء من البلاد في شهر أكتوبرالماضى.
شهدت بوليفيا أيضًا موجة هائلة من الإحتجاجات الشعبية إثر رفض المعارضة نتائج الإنتخابات الرئاسية الأخيرة التى أسفرت عن فوز الرئيس إيفو موراليس Evo Morales -الذي يحكم البلاد منذ 2006- بفترة رئاسية رابعة. اضطر موراليس – إثر تصاعد الغضب الشعبى-إلى قبول البيان الذى أصدرتة منظمة الدول الأمريكية بأن نتيجة الإنتخابات يشوبها العوار و لا يمكن القطع بصحتها و أعلن تنحيه عن إدارة البلاد.
أما الإحتجاجات فى بارجواى فجاءت رفضا لإتفاق عقدته الحكومة مع البرازيل لإنشاء و تشغيل سد ايتابو Itaipuعلى الحدود ما بين البلدين لتوليد الطاقة الكهرومائية و الذى اعتبره شعب بارجواى مُضرا لمصالح بلده. و بارتفاع نسبة عدم التأييد للحكومة, بدأت المعارضة فى إجراءات عزل رئيس بارجواى ماريو عبده Mario Abdo الذي تم عزله بعد سبع سنوات فقط من إقالة الرئيس السابق فرناند لوغو Fernand Lugo عام 2012.
فى تشيلي ، كان لإرتفاع أسعار تذاكر المترو وزيادة تعريفة الكهرباء أكبر الأثر فى اندلاع الإحتجاجات الشعبية ليس فقط ضد ارتفاع الأسعار و لكن أيضا ضد عدم العدالة الإجتماعية و اتساع الفجوة بين الأغنياء و الفقراء. و بالرغم من قيام الرئيس Sebastian Pinera سيباستيان بينيرا بتغيير ثمان وزارات فى حكومته استجابة للإضطرابات الإ أن ذلك لم يمنع اتفاق الأحزاب السياسية الممثلة فى المؤتمر الوطنى من الدعوة إلى إجراء استفتاء وطنى فى ابريل 2020 بشأن سَن دستور وطنى جديد.
وبالتأمل فى هذه الحركات الإحتجاجية وظروف اندلاعها, نجد أنها تتشارك ثلاث مُحركات رئيسية: أولا: سخط شعوب امريكا اللاتينية و خصوصا الطبقة المتوسطة على الأوضاع الإقتصادية المتدهورة و التى تُرسخ عدم العدالة الأجتماعية والفوارق بين الطبقات.
ثانيا: عدم رضاء شعوب أمريكا اللاتينية عن النخب السياسية الحاكمة political elites التى ثبت تورطها فى فضائخ فساد متعددة مما أفقدها ثقة الناخب والذى لجأ فى بعض الحالات الى إنتخاب الشعوبيين مثلما حدث فى البرازيل إثر الإنتخابات الرئاسية التى فاز فيها زعيم اليمين المتطرف جايير بولسونارو.
ثالثا: تأتى الإحتجاجات فى أمريكا اللاتينية فى خضم مشهد سياسى عالمى اتسم بتصاعد الحركات الشعبية grassroot movements ضد السياسات الاقتصادية الفاشلة و الإستبداد السياسى. وفقا للكاتب مايكل ريد, فإنه لا يمكن إغفال تأثر ثورات أمريكا اللاتينية بمثيلاتها التى اندلعت فى أجزاء أخرى من العالم مثل حركة أصحاب السترات الصفراء فى فرنسا gilets jaune و حركة رواد الخطوط الأمامية frontliners فى هونج كونج.
كاتبة وباحثة مصرية