محمد مصطفى العمراني
مثلما فاجأت الانتفاضة الشعبية في العراق ولبنان الطبقة في الدولتين فاجأت كذلك قيادات النظام الإيراني في طهران والتي تعيش أوضاعا سياسية واقتصادية صعبة ورغم أن صناع القرار في إيران يتمتعون بدهاء سياسي وخبرة طويلة في التعامل مع أحداث المنطقة إلا أنهم بدلا من مراجعة سياستهم في العراق ولبنان والضغط على حلفائهم في هاتين الدولتين لمراجعة سياستهم و التناغم مع مطالب الجماهير وتحقيق التغيير الإيجابي اعتبروا هذه الانتفاضة الشعبية والمظاهرات المتواصلة في العراق ولبنان مؤامرة خارجية تحركها أيادي أمريكا وإسرائيل والسعودية بهدف خلق الفتنة وإثارة الفوضى والعنف وزعزعة الأمن والاستقرار في هاتين الدولتين وهو توصيف غير صحيح فهذه الإنتفاضة الشعبية في العراق ولبنان اندلعت بعد تراكمات طويلة وغليان شعبي جارف واستياء عارم من فساد السلطة القائمة على المحاصصة الطائفية في البلدين وفشلها في تحقيق الحقوق المشروعة والخدمات العامة والتنمية والرفاهية والعدالة وبناء دولة النظام والقانون فخرج الناس للشوارع بثورة سلمية يطالبون بحقوقهم المشروعة وينددون بفساد السلطة ويسعون لتغييرها ومحاسبة الفاسدين .
* موقف إيران من الانتفاضة في العراق ولبنان
مؤخرا عاش النظام الإيراني أياما عصيبة خلال التظاهرات الشعبية العارمة التي اندلعت في المدن الإيرانية احتجاجا على رفع أسعار الوقود وتخللتها أعمال عنف وتخريب لتتعامل السلطات الإيرانية معها أمنيا باعتبارها مؤامرة خارجية تهدف للإطاحة بالنظام ولذا وجهت قيادات النظام الإيراني قوات الحرس الثوري والباسيج وغيرها بقمع هذه التظاهرات الشعبية واخمادها وبشتى السبل والوسائل وقد نجحت السلطة بالسيطرة على الوضع وإيقاف هذه التظاهرات ولكن كانت الحصيلة مؤلمة حيث تؤكد منظمات حقوقية سقوط ما يقارب 500 قتيل والآلاف من الجرحى والمعتقلين ، النظام الإيراني الذي يخشى من فقدان نفوذه في العراق وضياع المكاسب والامتيازات الكبيرة التي تحققت له ولحلفائه خلال السنوات الماضية كان يسعى لنقل تجربته في التعامل الأمني مع المتظاهرين في إيران إلى حلفائه في العراق ولبنان وذلك بعد أن تبنى خطاب تخوين للمتظاهرين في هاتين الدولتين واتهمهم عبر وسائل إعلامه بأنهم من المخربين والعملاء والمندسين ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل اوعزت إيران لحلفائها بالعمل على إنهاء هذا الحراك السلمي الحقوقي وبشتى السبل والوسائل ولو بإستخدام العنف ضدهم وهو ما يفسر استشهاد وجرح المئات من الشباب المتظاهرين في العراق على أيدي عصابات مسلحة ترجح الكثير من المصادر أنها تابعة لإيران إلا أن انضمام قيادات عراقية كبيرة للمتظاهرين وتأييد المرجعية الشيعية في النجف لمطالبهم خلط الأوراق على حلفاء إيران في العراق وجعلهم يتراجعون عن توجههم لاستخدام العنف ضد المتظاهرين بعد أن كانت طهران قد أرسلت قيادات عسكرية إلى العراق على رأسهم قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني لنقل خبرة إيران في التعامل مع المتظاهرين للعراق ولبنان ولإدارة غرفة عمليات أمنية للتعامل مع الثورة الشعبية .
الآن إيران وحلفائها يسعون بكل قوة للإسراع بتشكيل حكومة جديدة في العراق وأخرى في لبنان واختيار شخصيات تحظى بتأييد القوى السياسية واحترام الشارع للخروج من هذا الوضع بأقل الخسائر الممكنة وبهدف الالتفاف على مطالب المتظاهرين والتحايل عليها بقدر المستطاع وتحميل الحكومة الجديدة تبعات فشل من سبقها .
* هل رفضت إيران الشراكة مع الشعوب ؟!
الكثير من المتابعين والمهتمين بالشأن الإيراني يرون بأن إيران لم تستوعب الدرس من هذه الانتفاضة الشعبية في العراق ولبنان ولم تدرك أن استراتيجيتها في العراق ولبنان وإن كانت قد حققت لها ولحلفائها الكثير من المكاسب في السنوات الماضية إلا أنها فشلت لدى عموم الشعب مما جعل المواطن العراقي لا يهتف ضد ايران ” إيران بره بره ” فحسب بل ويهجم على قنصليتها وسط وابل من الرصاص ويحرقها ولعدة مرات وهي رسالة واضحة لإيران تؤكد بأن المواطن العراقي صار يدرك بأنها وحلفائها السبب الرئيسي لكل هذا الفشل والفساد والأزمات المتلاحقة في هذا البلد المليء بالثروات الكبيرة والموارد المتنوعة والذي يعيش أبناءه في فقر وبؤس كانت إيران وحلفائها السبب الرئيسي في تكريسه حفاظا على مصالحهم وعلى حساب مصالح الشعب العراقي .
إيران مثلما كسبت حلفاء ونفوذ في العراق ولبنان وحققت الكثير من المصالح حصدت عداوة الشعبين العراقي واللبناني فمعظم أبناء الشعبين العراقي واللبناني يرون الآن في إيران العدو الأول وهو ما كان يستوجب على إيران ان تراجع سياستها وتعيد النظر في استراتيجيتها في المنطقة وأن تقبل بالهزيمة الصغيرة من أجل استمرار نفوذها ومشروعها وخروجها وحلفائها بأقل الخسائر الممكنة وأن تقدم على خطوات جرئية بحيث تعتذر للشعبين العراقي واللبناني لأنها دعمت نظام المحاصصة الطائفية في هاتين الدولتين ودعمت قوى وجماعات ومليشيا مسلحة موالية لها كرست الفساد والنهب والعنف والفوضى واعاقت بناء دولة النظام والقانون وعرقلت تحقيق أحلام وتطلعات الشعبين العراقي واللبناني وإحداث التنمية والرفاهية وأن تضحي ببعض حلفائها وتعمل على محاكمة الفاسدين منهم وتساهم في تصحيح الوضع وتحقيق التغيير الإيجابي لكي تبني شراكة حقيقية مع الشعبين العراقي واللبناني ولو على حساب مكاسب حلفائها ولكن اتضح لنا حتى الآن أن النظام الإيراني يرفض الإعتراف بالحقائق الواضحة وبأن هذه الانتفاضة الشعبية في العراق ولبنان ليست مؤامرة خارجية بقدر ما هي ثورة شعبية بمطالب حقوقية مشروعة.
في الواقع حتى الآن تسعى إيران لإنقاذ حلفائها في العراق ولبنان واخراجهم من هذه الثورة وهم سالمين غانمين وفي الوقت نفسه ترفض إيران حتى الآن إقامة جسور الشراكة والتواصل مع الشعوب والجماهير العريضة وتفضل دعم حلفائها رغم أنهم قوى ونخب وجماعات فاسدة ولكن إيران تصر على مواصلة دعمهم مهمها كان حجم السخط الشعبي ضدهم ومهما كانت أفعالهم وممارساتهم وهذا ما يحسب على إيران ويؤدي لفشل استراتيجيتها على المدى المتوسط والبعيد لأن الشراكة الواضحة مع الشعوب شراكة المصالح والتعاون والتعايش هي ما يبقى ويستمر ويثمر أما النخبة الفاسدة الفاشلة فستذهب كالزبد الذي يذهب جفاء ولن يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس ، سنة الله .
فهل تراجع إيران سياستها في العراق ولبنان ؟!
وهل ما يزال هناك وقت لهذه المراجعة التي أراها بعيدة أم أن الأحداث في الشارع قد تجاوزت إيران وحلفائها بعد أن بلغ السيل الزبى ؟!
* باحث في الشأن الإيراني