وجيدة حافي
أفرزت صناديق الإنتخابات الجزائرية عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر، الرجل تقلد مناصب عُليا وسامية في هرم الدولة في عهد الرئيس السابق، إبن النظام بإمتياز، يعرف خباياه وأسراره، وسواء شئنا أم أبينا إلا أنه يجب التسليم بالأمر الواقع وقبوله لتجنب الدخول في متاهات أخرى نحن بغنى عنها في هذه الفترة بالذات، فالرئيس الجديد تنتظره تحديات كبيرة للخروج بالبلد من المشاكل الداخلية والخارجية التي يُعاني منها، فهو لن يجد قصر المُرادية محفوفا بالورود ، لأن سلفه ملاه شوكا وأي شوك، فماذا ينتظر الجزائريون من تبون؟ وهل سينجح في مهمته وسيكون المهدي المُنتطر أم أنه سيفشل؟ وهل نهنئ الرجل بمنصبه أم ننتظر لنرى وعوده على أرض الواقع، فئة ترى أن تهنئة الرئيس وقول أنه فرصة لا تُعوض وأنه جاء في الوقت المُناسب، خطأ كبير إرتكبه الشعب من عشرين سنة ماضية ولا يجب تكراره، فسبحان الله وكأن الزمان يُعيد نفسه، فمن عشرين سنة ماضية إنتخب المُواطن بوتفليقة، هلل وفرح بقدومه، بعد أن أنهكتنه العُشرية السوداء وعانى ما عانى، الجميع قدسه وإعتبره صلاح الدين الأيوبي، لأنه إستطاع إيقاف بحر الدم وإرجاع الأمن، كذلك أعاد للبلاد بريقها ومكانتها، صحيح بريع البترول، لكن وقتها ما كان يهم هو الأمان والسلام، ولهذا لم يهتم الناس بالكيفية بقدر ما إهتموا بالنتيجة، وربما الخطأ الذي إرتكبه بوتفليقة وزمرته أنهم إنغمسوا في ملذات السلطة ونسوا يوم الحساب، لهذا ترفض هذه المجموعة تمجيد عبد المجيد وتُفضل الإنتظار لتشكره إذا أحسن وتذمه إذا أساء، وهو تفكير منطقي وقرار في محله، فنحن تعودنا إستباق الفرح بليلة لنفاجئ بالعكس. أما ماذا ينتظر شعب الجزائر من تبون فهذا ما يجب الوُقوف عنده، فالمُواطن الجزائري تعب من السياسات العوجاء والعرجاء، الوعود الكاذبة، يتطلع للأحسن والأفضل داخليا وخارجيا،
إجتماعيا يتمنى تحسين قدرته الشرائية وتوفير الحياة الهنيئة، توفير مناصب شغل لأبنائه المُهمشين والمُتعبين نفسيا وجسديا، بناء مُستشفيات تليق بالبشر وتوفير الدواء والأسرة، التخلي عن سياسة البيروقراطية والمعارف من أعلى الهرم إلى أسفله >
إقتصاديا بناء إقتصاد قوي يُجنبنا سؤال البنك الدولي والديون الخارجية، التنويع فيه وعدم الإعتماد على مصدر واحد للدخل لكي لا نقع ضحية سياسة منظمة الأوبيك التي هي أصلا تخضع لمنظمات دولية، رفع قيمة الدينار المُتهاوى ومحاربة التضخم، التقليل من الإستراد العشوائي وتضخيم الفاتورات وتشجيع الإنتاج المحلي وفي كل المجالات، فمتى نبقى نلبس من نسيج تركيا والصين ونتخلص من الغلاء الفاحش؟ وهذا لن يكون إلا بالثبات على سياسية إقتصادية واحدة لا تتغير بتغير الحكومة، ومراقبة الجباية والضرائب ، تشجيع الإسثمار الهادف الذي يجلب للبلد فوائد والتعامل بسياسة رابح رابح ، لا للمُجاملات والمعريفة في هذا المجال الحيوي. تطوير قطاع الخدمات والإستثمار فيه فالدول العربية التي طورت هذا المجال لم تكن لوحدها بل بسبب الشراكة القوية مع الدول التي تعرف تطورا في هذا المجال ، رقمنة الإقتصاد فمثلما رقمنا العدالة والداخلية لما لا نلتفت لهذا القطاع ، فللأسف نحن مازلنا بعيدون جدا عن التعامل الإلكتروني، في الدفع مثلا عند شراء شيئ مازلنا نعول على الدفع التقليدي. الإلتفات إلى الدول الكبرى إقتصاديا كالصين ومُحاولة الإستفادة من خبراتها وتجاربها، بإختصار سد كل الثغرات الإقتصادية وتخليص هذا القطاع من الإدارة وبيروقراطيتها
سياسيا فلا أظن أن الشعب الجزائري البسيط تهمه السياسة، لأنه يعرف أن مُمارستها تتطلب وقتا ونفسا طويلا وهو مع كل هذه الظروف الصعبة لا يملك لا الوقت ولا القوة للدخول في جدالات عقيمة، لكن هذا لا يمنع من تطلعات وخاصة لفئة الشباب، ففي السنوات الماضية طغى الشيوخ على المشهد السياسي بحجة الخبرة والمُشاركة الثورية، لذا فالمطلوب من السيد الرئيس أن يُقحم الشباب في الحياة السياسية ويُعطيه فرصة، ويُرافقه لأخر الطريق قبل تسليم المشعل ، فتحقيق كل هذا لن يكون سهلا، تطهير السياسة الداخلية من الدخلاء والأحزاب الغير نافعة، مُحاربة الفساد السياسي والفاسدين بشن قوانين صارمة تُحاصرهم، عدم العفو عن العصابة بحجة التخفيف القانوني. خارجيا فالمسؤولية كبيرة ولابد من تحسين وتقوية صورة الجزائر التي بسبب ما حدث جعل البعض يطمع فيها ويظنها طعما سهلا.
أما السؤال الثالث والمُتعلق بفشل ونجاح السيد تبون في رسالته وعمله، هنا أتوقف قليلا للحديث عن دور المُستشارين الرئاسيين للرئيس، فهم إذا كانوا صالحين وكفؤين سيكونون خير رفيق لهذا الرئيس، والعكس صحيح، ولنا في التاريخ العربي والغربي أمثلة عن هؤلاء فالمفروض من الرئيس الجديد أن يحيط نفسه بمستشارين لهم دراية بالمُجتمع الذي يعيشون فيه، خبرة في مجال الحياة وتطلع للمُستقبل، لا يفعل مثل ما فعله الرئيس السابق في بداية فترة حكمه، أحاط نفسه بمستشارين تجاوزوا الستين وقضوا نصف عمرهم بعيدا عن البلد ومشاكله، إنتشل من النسيان أسماء إرتبطت بالعُشرية السوداء لا تفهم أمال وتطلعات الشباب ، بل تعتبر الشباب هم سبب البلوى، ونحن هنا لا نتطاول على الشيوخ والكبار، فهم يبقون القُدوة والمثال الناجح لنا في كل شيئ، لكن في بعض الأحيان قد تجد في النهر ما لا تجد في البحر، فمُهم جدا حُسن إختيار هذا الذي ستستشيره في كل صغيرة وكبيرة، حتى لو كنت مُحنكا وسياسيا بارعا، فالرئيس بومدين رحمة الله عليه رغم ما إتسم به من قوة الشخصية والعزيمة على الحفاظ على البلد وثرواتها أنذاك إلا أنه لم يتوان في إستشارة مستشاره أنذاك الدكتور الوزير السابق محي الدين عميمور حتى في أتفه الأمور وهذا يدل على الثقة الكبيرة بين الرجلين، فمستشار الرئيس لابد أن يكون على الأقل صادقا وإنسان ذو ثقة وغير مصلحجي وإلا ……..
وقبل الختام بودي أن أتطرق لنُقطة مهمة أثارت إنتباهي في الندوة الصُحفية للرئيس المُنتخب، فبعض الصحفيين سامحهم الله خاطبوه بلفظ فخامة الرئيس، ولا أدري إن كان سهوا أم أنهم مازالوا يعيشون في العهد البوتفليقي أين كانت فخامتك وسيادتك هي ما كان يُخاطب به، فرجاء نصيحتي للجميع بالكف عن مثل هذ التقديس والتعظيم، فالرجل ابن تسع، بشر بسلبياته وإيجابيته، فهو كغيره من المُوظفين يقوم بوظيفته ويخدم وطنه بطريقته وأُسلوبه، ففي الأمس البعيد كان الرئيس يُلقب بالأخ ويمشي وسط الناس ويتجاوب معهم، فتمنياتنا للأخ عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية بالتوفيق في مساره ووظيفته الجديدة، نتمنى أن يحل كثير من المشاكل التي لم يستطع حلها وهو وزير سكن، فهو الرئيس الان والحل والربط بيديه طبعا بالتشاور ، فمن شاور الناس شاركهم في عقولهم .
كاتبة من الجزائر