د. وائل عواد
جاءت قمة دول حلف الشمال الأطلسي في العاصمة البريطانية لندن لتؤكد من جديد مدى النفوذ الامريكي على الدول الأعضاء وتبني الحلف لسياسة واشنطن في تصدير أزماتها والبحث عن “وحش جديد لتدميره”.هذه المرة الوحش هوالتنين الصيني رغم الخلافات الحادة بين الدول الاعضاء.
تبنى الحلفاء هذا الموقف ،الذي أكد عليه اجتماع وزراء خارجية الحلف في العاصمة البلجيكية بروكسل الذي عقد في التاسع والعشرين من شهر نوفمبر تشرين الثاني الماضي حيث تم التركيز على ملفات رئيسية وهي تبني سياسة التدخل وعسكرة الفضاء وزيادة العداء للصين .واستمرت واشنطن في مطالبتها للدول الأعضاء بضرورة زيادة الانفاق العسكري حيث ازدادت النسبة بما يعادل 4.6% ومن المتوقع أن يشهد العام المقبل زيادة تقدر بحوالي 100 مليار دولار امريكي حسب تصريحات للأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ وحوالي 400 مليار دولار على مدى الأربع سنوات المقبلة .وتريد الولايات المتحدة من وراء ذلك تخفيف الأعباء المادية المفروضة عليها حيث تنفق أكثر من 649 مليار دولار من ميزانية الحلف التي تقدر بحوالي 1036 مليار دولار أمريكي بهدف تحقيق الامن والاستقرار والدفاع المشترك.
أسست منظمة حلف الشمال الأطلسي ناتو، عام 1949 بمشاركة 16 دولة لحماية الدول الاوربية من الاتحاد السوفيتي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و لمواجهة التحديات من توسع الاتحاد السوفييتي السابق بعد قيام واشنطن بالقاء القنبلة الذرية على كل من هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين في آب اغسطس عام 1945 .
شكل حلف وارسو في 14-5-1955.وبدأت الحرب الباردة بين المعسكرين مع انطلاق سباق التسلح النووي . استطاعت أوربا أن تعّزز من قوتها الاقتصادية وليست العسكرية .
و تحولت الصين نوويا” عام 1964 عندما زرعت واشنطن أكثر من 2000 رأس نووي في كوريا الجنوبية واليابان والفليبين .واقترحت الولايات المتحدة اتفاقية للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي مع الاتحاد السوفييتي عام 1967.وتم التصديق على اتفاقية منع انتشار السلاح النووي عام 1968
هل مازال الحلف ذا صلة ويخدم المصالح الأمريكية ؟
في الاحتفالية بالذكرى السبعين لتاسيس الحلف ، مازال النقاش دائرا” حول أهمية استمراره بعد انهيار المعسكر الشيوعي وانتهاء الحرب الباردة. في الوقت الذي تتغاضى وتمتنع الدول الاعضاء من الانفاق العسكري في حين تتحمل الولايات المتحدة الامريكية أعباء مالية ضخمة في الوقت الذي تضم إلى الحلف أعضاء جدد لاثارة حفيظة موسكو كان آخرها دولة الجبل الأسود (مونتينغرو) و مقدونيا على قائمة الانتظار.
لم تعد تعتبر الولايات المتحدة روسيا تهديدا” لأمن اوربا فهي ليست نظاما” شموليا” وإنما قوة اقليمية وليست قوة عالمية توسعية وأن هناك صراع اروبي روسي أمريكي حول المصالح والنفوذ في دول العالم .بقيت التحديات التي تواجه الدول الاوربية امنية أكثر منها عسكرية . ومع ذلك اشتدت الخلافات بين الدول الأعضاء وسياسة الولايات المتحدة في اختيار الأعداء. وبدأت واشنطن بممارسة الضغوط على الدول الأعضاء لزيادة الإنفاق العسكري في الوقت الذي انخفضت فيه شعبية بقاءها داخل الحلف مع انخفاض شعبية التحالف لدى الرأي العام الأمريكي . والتساؤل حول جدوى التدخل الأمريكي للدفاع عن الدول الأعضاء باعتبار أن أي اعتداء على عضو في الحلف هو اعتداء على الولايات المتحدة ،وهل تستحق التضحية لذلك أم أنها حماقة سياسية ؟فالرئيس دونالد ترامب يريد إنهاء هذه الحماقة في السياسة الامريكية ! ولكن بطريقته الخاصة وتأكيده أن التحالف يعاني من الموت السريري ومن خلال الاستهزاء ببعض قادة الدول الأعضاء التي طغت على مجريات القمة .
على كل، جاءت قرارات القمة لتؤكد التزام دول الاعضاء بزيادة الانفاق ومواجهة التحديات المشتركة وزيادة الأمن للجميع ومعالجة التقنيات الجديدة و التشاور لتعزيز الأبعاد السياسية الاستراتيجية للدول الأعضاء.
بدورها تعاني الولايات المتحدة من داء العظمة وبدأت تفقد هيمنتها على العالم بسبب التدخلات العسكرية المباشرة في العديد من دول العالم والعمل على تصدير أزمتها الداخلية من خلال البحث عن “وحش وهمي” يهدد الامن الامريكي ولا بد من تدميره.وهذا ماحذر به مسؤلون أمريكيون وكتاب من أن ذلك سوف يؤدي إلى انقراض القوة الأمريكية .
تعاني الولايات المتحدة حاليا” من قلق وتخبط في سياستها الخارجية وبدأت تفقد من هيبتها منذ 2016 وتسلم الرئيس ترامب رئاسة الولايات المتحدة في ظل غياب سياسة ديمومة واضحة وإن لم يكن الرئيس ترامب هو المسؤول المباشر عن ذلك .
بدأت الهيمنة الامريكية على العالم بالانهيارتدريجيا” مع سقوط جدار برلين عام 1989 والتدخلات العسكرية المباشرة في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق وليبيا وسورية واليمن وغيرها والتحالف مع أنظمة رجعية وشمولية لتحقيق مآربها و مع نمو عالم متعدد الاقطاب بدأت بالانسحاب من الاتفاقيات الدولية السابقة وقيادة العالم والتركيز على مبدأ “أمريكا أولا”.بينما اقتصر دور دول التحالف في تمزيق وتشتيت وتدمير الدول العربية وإن لم يكن عبر التدخل المباشر ولكن بالمباركة والدعم لتكون اعضاء الحلف شركاء في الجرائم بحق الدول العربية والاسلامية عوضا” من دعم التوجهات الديمقراطية و المجتمعات المدنية والقيم الانسانية.
تسعى الدول الاوربية لابقاء الحوار مفتوح مع موسكو خصوصا” فرنسا وألمانيا وابعادها عن التحالف مع التنين الصيني الذي كان العنصر الجديد الذى استحوذ جدول الأعمال بسبب دورها المتنامي في بسط نفوذها في جميع دول العالم والنظر إليه ليس فقط كمنافس لمصالح الدول الأروبية ولكن تحّد بآن واحد.واكدت منظمة ناتو على ضرورة ضم الصين في المستقبل لمحادثات الحد من انتشار الاسلحة الاستراتيجية الأمر الذي ترفضه الصين أصلا” .
بالحديث عن الرباعيات، لابد من الاشارة إلى ان الرئيس التركي أكد أن الرباعي تركيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا سوف يجتمعون في شهر شباط فبراير من العام المقبل في تركيا لبحث الملف السوري والتغطية على سياسته العدوانية ومطامعه تجاه سورية من خلال احتلاله لأراض سورية وممارسة التطهير العرقي هناك مقابل غض نظر تركيا عن خطة الحلف لنشر تعزيزات عسكرية في دول البلطيق وبولندة ،الذي يثير قلق وحفيظة موسكو من مغبة تضييق الخناق عليها من قبل حلف ناتو.
التوترقادم مع الصين
مما لا شك فيه ان التنين الصيني أدرك الهيمنة الامريكية على الحلف وقدرته على طرح الصين كتهديد للمصالح الامريكية والغربية بآن واحد . ولكن بكين نجحت لحد كبير في زيادة تقاربها مع العديد من الدول الغربية وتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي ومشاركتها في مشروعها طريق واحد حزام واحد مما يعني ابقاء الانقسام داخل صفوف الدول الاوربية حول طريقة التعامل مع الصين في الوقت الذي تصّعد فيه واشنطن ولندن سياستيهما العدائية تجاه بكين من خلال ملفّين هامّين تايوان وهونغ كونغ .
الخطة ب ، تسعى واشنطن إلى تعزيز التعاون بين الرباعي الولايات المتحدة واليابان واستراليا والهند لتحجيم دور الصين وعسكرة آسيا باسيفيك لاحتمال المواجهة العسكرية في المستقبل القريب.
ماذا جنت الدول الاوربية من التحالف مع واشنطن وهي التي زرعت الاسلاموفبيا بين شعوبها وأضعفت اقتصادها وتسعى للقضاء على اليورو الذي يتحدى الدولار الامريكي؟
ويبقى التساؤل ، هل حقا” هناك حاجة لحلف الناتو؟ والافضل العودة إلى سلم المنافسة الجيوسياسية والتركيز على التحديات المشتركة التي تواجه العالم أجمع؟
كاتب وباحث صحفي سوري مقيم في الهند