ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن مجموعة صغيرة جديدة وصفتها بـ”المفكرين العرب ذوي الميول اللبيرالية” من جميع أنحاء الشرق الأوسط الذين يدفعون للانخراط مع “إسرائيل” على أساس نظرية تزعم أن ذلك سيساعد مجتمعاتهم ويدعم القضية الفلسطينية.
تقول هذه المجموعة “إن مقاطعة إسرائيل فاشلة، وقد ساعدت ذلك المقاطعة فقط “إسرائيل” في الوقت الذي ألحقت فيه الضرر بالدول العربية التي لطالما تجنبت الدولة اليهودية”.
تضم المجموعة – بحسب الصحيفة – “صحافيين وفنانين وسياسيين ودبلوماسيين وعلماء قرآنيين عرب وغيرهم ممن يشاركونهم الرأي القائل بأن عزل إسرائيل وشيطنها قد كلف الدول العربية مليارات الدولارات في التجارة”. وهم يزعمون أن ذلك قد “أضعف من الجهود الفلسطينية لبناء مؤسسات لدولة مستقبلية، ومزّق النسيج الاجتماعي العربي، حيث يطبق الزعماء العرقيون والدينيون والوطنيون المنافسون بشكل متزايد التكتيكات التي تم اختبارها لأول مرة ضد إسرائيل”.
وقال جلال غيطة، وهو محامٍ مصري بريطاني، في اجتماع افتتاحي للمجلس هذا الأسبوع في لندن، “إن العرب هم أول الضحايا الأول والوحيدون للمقاطعة”.
وقالت الصحيفة إن المجموعة التي تطلق على نفسها اسم “المبادرة العربية للتكامل الإقليمي”، لا تدعي أنها تمثل الرأي العام العربي على نطاق واسع. ويتبنى أعضاؤها “وجهة نظر غير صحيحة سياسياً في بلدانهم الأصلية: لقد تم نبذ البعض منهم بالفعل لدفاعه عن التواصل مع إسرائيل، بينما قال آخرون إنهم يخشون الانتقام منهم عند عودتهم” إلى بلدانهم.
وقالت “نيويورك تايمز” إن بين المجموعة التي تضم عشرات قليلة عدداً قليلاً من الشخصيات المعروفة في أماكن بعيدة مثل المغرب وليبيا والسودان ومصر ولبنان والعراق والخليج، الذين بدأ الكثير منهم في التحدث، بدرجات متفاوتة، لصالح التواصل مع “إسرائيل”. وذكرت أن الاسم الأكثر شهرة بينهم – بالنسبة للغربيين على الأقل – قد يكون اسم (محمد) أنور السادات، ابن شقيق الرئيس المصري الراحل الذي يحمل نفس اسمه والذي وقع أول معاهدة سلام عربية مع “إسرائيل”. كما أن السادات ينتقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقد طُرد من مجلس الشعب المصري في عام 2017.
وقال مصطفى الدسوقي، وهو مدير تحرير مصري لمجلة “المجلة” الإخبارية المؤثّرة التي تموّلها السعودية، إنه أثناء تجوله في المنطقة في السنوات الأخيرة، قابل العديد من العرب المتشابهين في التفكير “من كانوا ينتظرون شخصاً مثلي أن يأتي”.
وقالت الصحيفة الأميركية إن وسائل الإعلام والترفيه العربية كانت منذ فترة طويلة “تجهز الناس نحو هذا العداء” تجاه “إسرائيل” واليهود، في حين أن الزعماء السياسيين العرب كانوا “يهددون الناس ويخيفونهم لإظهار ذلك” العداء. وزعمت أن العديد من العرب – وما قد يكون مفاجئاً – حتى في لبنان، العدو اللدود لـ”إسرائيل”، “يريدون فعلاً التواصل مع الإسرائيليين”.
وقال جوزيف براودي، وهو مؤلف أميركي ومحلل شؤون الشرق الأوسط من أصل يهودي عراقي، وهو منظم مشارك للمبادرة مع الدسوقي، إن “المجموعة، إلى حد ما، تعكس أيضاً التحالف الجيوسياسي الذي يربط دول الخليج الفارسي وغيرها من الدول ذات الغالبية السنية بإسرائيل، ضد إيران ووكلائها الشيعة في المنطقة”.
وقال براودي: إن “الشعور بكون إسرائيل صديقاً أكثر من إيران أو عدواً أقل منها هو عامل هنا”. وأضاف أن ذلك الشعور لن يستمر إلى الأبد، مما يخلق حاجة ملحة لبناء العلاقات “القائمة على الإنسانية المشتركة، وليس بعض المخاوف الأمنية المشتركة الزائفة”.
وذكرت الصحيفة أن حجج المجلس بالنسبة لواقع الفلسطينيين تستند “إلى عقود من الجهود لعزل إسرائيل على أمل أن يجبرها ذلك على تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات”.
حتى القادة الفلسطينيون الذين لا يدعمون “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات” (BDS) يعارضون تطبيع العلاقات العربية بشكل كامل مع “إسرائيل”، بحجة أن المكاسب الدبلوماسية الإسرائيلية من عملية أوسلو للسلام قد شجّعت فقط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية.
وقال حسام زملط، الذي يقود البعثة الفلسطينية إلى المملكة المتحدة وفعل الشيء نفسه في واشنطن حتى أغلقت إدارة ترامب هذه البعثة، استخف بأعضاء المجلس الجديد باعتباره “هامش متطرف من الأفراد المعزولين”.
وأضاف أنه من تونس، التي وصف رئيسها الجديد “التعامل مع إسرائيل” بالخيانة، إلى لبنان حيث يلوّح المحتجون بالعلم الفلسطيني إلى جانب علمهم، “فإن مشاعر الغالبية العظمى من العالم العربي تسير في الاتجاه الآخر”.
وقال السفير زملط: “إنهم يلعبون في أيدي نتنياهو”، لأن نتنياهو يريد “إقناع الناخبين الإسرائيليين بأنه يمكن أن يحصل على الكعكة ويأكلها أيضاً: الحفاظ على الاحتلال وتطبيع العلاقات مع العالم العربي. لقد افترض نتنياهو، منذ فترة طويلة، أن الدول العربية حريصة للغاية على التعامل مع إسرائيل، ثقافياً وتجارياً، بحيث تتحول إلى تطبيع العلاقات حتى في حالة عدم وجود دولة فلسطينية”.
وقالت “نيويورك تايمز” إن أعضاء “المجلس العربي” هذا يرفضون صراحة الرأي القائل إنه يمكن للدول العربية الوصول إلى علاقات دبلوماسية رسمية مع “إسرائيل” من دون حل للصراع الفلسطيني معها. وهم يقولون إن استطلاعات الرأي تظهر أنه عندما يُعرض على الإسرائيليين إغراء قبول الدول العربية بهم، يصبحون أكثر استعداداً للتنازل، حتى عن طريق التخلي عن الأرض.
وأضافت أن السيد السادات، على سبيل المثال، قد كال انتقادات شديدة لـ”إسرائيل” بسبب معاملتها للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ومواطنيها العرب، وكذلك “لدعمها النظام الاستبدادي الحالي في مصر”. وقال “كانوا يضيفون كل هذه الأمور إلى “مجموع الذنب المصري” على صنع السلام مع إسرائيل في المقام الأول”.
بعض المشاركين في اللقاء حضوا على اتخاذ تدابير مثل إنشاء كلية للمعلمين ومعهد أبحاث مع فروع في الدار البيضاء وعمان وحيفا والمنامة. وحض جاسم محمد، وهو خبير عراقي في مكافحة الإرهاب يعيش في ألمانيا، أجهزة الأمن العربية على وقف انتشار “التطرف والكراهية” في وسائل الإعلام والمدارس والمساجد ونشر “محتوى تصحيحي عن إسرائيل واليهود” بدلاً من ذلك. ووصف هذا الأمر “بالأمن القومي العربي”.
وقد تلقى الحاضرون تشجيعاً متواضعاً من توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، الذي أثنى عليهم للتحدث بصراحة وقال “إن تعزيز العلاقات العربية- الإسرائيلية القوية أمر حيوي “لأي إمكانية واقعية لسلام دائم” وحل الدولتين .
وقال الدسوقي إن بعض الأعضاء كانوا يواجهون مخاطر كبيرة. وقال إنه تم تحذير المواطنين المصريين، بمن فيهم السيد السادات، من الحضور من قبل مسؤولين أمنيين.
وأثنى الأعضاء على رجل دين لبناني من طرابلس، صالح حامد، الذي حضر على الرغم من إمكانية الانتقام منه عند عودته. وقال الشيخ حامد: “نحن لا ننكر حقوق اليهود في أن يكون لهم بلد”، مستشهداً بلطف النبي محمد تجاه اليهود. لكنه كان حريصاً على إضافة أنه “يجب أن تكون للفلسطينيين أراضيهم وفقاً لحدود 1967”.
وتذكرت سكينة المشيخص، وهي مذيعة أخبار سعودية تقيم في دبي، رؤيتها المسؤولين اللبنانيين وهم يخرجون فجأة من اجتماع في سان فرانسيسكو عندما علموا أن مضيفيهم هم يهود. وقالت: “أسمع اليوم رجلاً مؤمناً قادماً من دولة يحكمها حزب الله، وهو يتحدث بكل شجاعة كبيرة” في إشارة إلى صالح حامد.
وأوضحت صحيفة “نيويورك تايمز” أن هذه المجموعة المطبعة مع “إسرائيل” قد اجتمعوا على انفراد، متذرعين بمخاوف أمنية، لكنهم سمحوا للصحيفة بمراقبة المداخلات، التي ألقيت باللغة العربية، عبر البث المباشر بشرط عدم كتابة تقرير عنها حتى انتهاء المؤتمر. وأشارت الصحيفة إلى أن المؤتمر تم تمويله بشكل كامل من قبل مانحين أميركيين، لكن المنظمين قالوا إنهم يعتزمون جمع الأموال في المنطقة. وأكدوا أنهم لم يتلقوا أي مساعدة من أي حكومة وأنه لم يشارك أي إسرائيلي بأي شكل من الأشكال.
وفي وثيقة تأسيسية، حض الأعضاء خصومهم على مناقشتها بشكل بناء “بدلاً من اللجوء إلى الأساليب القديمة لإسكات النقاد وشيطنة الإصلاحيين”.
وأشارت “نيويورك تايمز” إلى أنه كان هناك فلسطيني واحد فقط مشاركاً في المؤتمر هو محمد دجاني داودي، وهو أكاديمي قال إنه فقد وظيفته في جامعة القدس في القدس الشرقية “بعد جهود بناء الجسور مع الإسرائيليين قادته إلى اصطحاب مجموعة من الطلاب الفلسطينيين إلى أوشفيتز للتعرف على مسألة المحرقة” ضد اليهود من قبل النازيين.
ودعا دجاني إلى “تثقيف جيل جديد من صانعي السلام”، معرباً عن أسفه لأن عملية أوسلو قد فشلت في تحقيق السلام جزئياً لأن “السلام الذي نوقش بين الدبلوماسيين والجنرالات لم تقابله تماماً الاستعدادات لموجة من السلام بين الشعوب، مما سمح للمفسدين من كلا الجانبين للفوز”.
ورداً على سؤال حول سبب كون المشارك الفلسطيني الوحيد في الاجتماع منبوذاً، قال براودي “إن الشباب الأصغر سناً كانوا مهتمين، لكن لم يكن هناك ما يكفي من الإعداد في حياتهم المهنية حتى الآن لمقاومة رد الفعل.” وقال “لا نريد أن نحرقهم”.
(الميادين)