دكتورة ميساء المصري
كل يوم تتوالى علينا التصريحات المتناقضة تارة أو صعبة التصديق تارة أخرى أو بعيدة المنال تارة ثالثة، ولا نملك إلا أن نمررها مرور الكرام أو نقف عند بعضها لنثير التساؤلات.
آخر التصريحات المثيرة للجدل.. فجرت هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في الأردن أزمة من الوزن الثقيل في المناخ السياسي والشعبي والبرلماني الأردني عندما أعلنت انها ستواصل واجبها وعملها رغم وجود ”قوى الشد العكسي” التي تحاول إعاقة عملها. بتصريح يحمل الكثير من المبررات حول إعاقة عملها ضد الفساد. رغم تراشق إعلامي عن قضية فساد كبرى ستطال رئيس وزراء في القريب العاجل وكذلك وزير عمل على إعاقة عمل احدى الشركات وخسارتها لملايين الدنانير في وقت يشهد فيه الأردن موجة من إفلاس الشركات الكبرى المتعثرة نتيجة للأزمة الإقتصادية المعاشة.
وللعلم عدد الهيئات المستقلة في الأردن 75 هيئة وعدد موظفيها 23 ألف و يستنزفون 3 مليارات دينار من الميزانية سنويا ورؤساء هذه الهيئات يعين أسوة برتبة وراتب وزير.
وبناء على ما أسلفت أذكر لكم دراسة صدرت حول إرتفاع معدل الفقر في الأردن ليصل الى 56% لنكون في تنافس مع اليمن وسوريا حول المراكز المتقدمة من الفقر المطلق والمدقع.
ويبدو ان الحكومة عاجزة لغاية الأن عن الإجابة هل بات الشعب الأردني تحت خط الفقر أم فوقه؟ أم نحن نتدلى معلقين على خط الفقر؟ بالمقابل يتم التاكيد الحكومي ان معدل الفقر لا يرتبط بالجوع. علما أنه حسب توزيع القوى العاملة و حسب فئات الدخل هو كما يلي:
(5.7%) دخلهم أقل من 200 دينار
(20.5%) من 200 – 300 دينار
(59.8%) دخلهم من 300- 499 دينار. مما يعني أن نسبة 56% من السكان تحت خط الفقر.إذا لم تكن قد زادت الضعف مع قضية المتعثرين والتي فاقت المليون متعثر مع أفراد عائلاتهم.فقد وصلت قيمة مديونية الأفراد في الأردن لصالح البنوك المحلية والمؤسسات المالية غير المصرفية إلى 10.8 مليار دينار. وثلث الأردنيين يمرون بفترات فقر لمدة ثلاثة أشهر في السنة. و هناك آراء أن 85% من ثروة الأردن تتمركز في يد 1,5 من سكانه. فهل مازال التكتم عن الفساد بشد عكسي أمر منطقي.
تدل الآحصائيات أن عدد الفقراء في الأردن وصل الى 5 مليون فقير من مجمل عدد السكان ال10 مليون, ولا ننسى أن المجتمع الأردني مجتمع فتي أغلب فئاته من الشباب مع إرتفاع نسب البطالة وتجاوزها للخطوط الحمراء ب20%.. ومن هنا تعد السلة الغذائية لإحتياجات المواطن الأردني اليومية فقيرة جدا ، فغالبية الأسر الأردنية تتناول وجبة واحدة يوميا تكاد تخلو من الأساسيات الغذائية. فإذا حسبنا قيمة الدخل الشهري للعائلة 400 دينار مع خصم أجرة السكن وفواتير الخدمات العامة من ماء وكهرباء وغاز وإتصالات يبقى الإنفاق اليومي للمواطن حوالي 5 الى 7 دولارات وهو مبلغ لا يكفيه سوى وجبة واحدة متواضعة جدا.
ناهيك عن مؤشر خطير يدق ناقوس الخطر بتراجع حاد في نسبة الأسر الممتدة في الأردن لتصبح 1.5% , مقابل إرتفاع في نسبة الأسر المكونة من الزوج والزوجة فقط لتصل الى 14.7%. كذلك تراجعاً في معدل الخصوبة، مما يؤثر على النمو السكاني لاحقا وله أبعاده السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
أما التلويح بالحزم الإقتصادية فيشبه السراب للعطشان يحسبه ماء. ودعوني أتكلم بلغة الأرقام رغم أنني أعلم مدى ضجرنا منها لكنها الأكثر لمسا للواقع. جاءت موازنة الدولة لعام 2019 بإنفاق وصل إلى 13.04 مليار دولار، وعجز مالي بلغ نحو مليار دولار, وكانت موازنة توسعية بشكل كبير.. ويبدو أن موازنة 2020 لن تكون أوفر حظا من سابقتها بل خياراتها معدومة , ما يعني المزيد من الإنفاق والديون. لأن الحكومة لم تعمل على ترشيق إنفاقها الحكومي بل هي عاجزة عن ضبط الإنفاق. وصدق الرزاز حين قال أن الموازنة تنم عن أرقام صماء إذا قرئت خارج إطارها التنموي والسياسي، وهو الحال الذي نقف عنده. أصبح المواطن أصم أبكم أعمى , ومجرد دافع ضرائب لا غير. ومجلس النواب بدوره على مدار سنوات طويلة لم يرد أي موازنة حكومية، مهما كانت تحمل من أرقام قد ترهق جيب المواطن.
وبالتالي زادت الضرائب والرسوم المفروضة على الأردني الى 100 ضريبة وأكثر بمسميات مختلفة. وهذا شكل ثلثي الموازنة الاردنية. وعليه ،ذابت الطبقة الوسطى وأصبحت عمان حسب تصنيف مجلة الإيكونومست أغلى عاصمة في الشرق الأوسط. مع تراجع الاستهلاك الداخلي، انخفاض الأسعار العام وهبوط المستوردات وهبوط تحصيلات الحكومة من ضرائب المبيعات و خسارة الخزينة من عمليات تهريب الدخان افقدت الخزينة ما يقارب ال130 مليون دينار.
وبذلك إرتفع إجمالي الدين العام في الأردن 4.2 بالمائة ليصل إلى (41.63 مليار دولار) لأول مرة في تاريخ المملكة ، في ظل ظروف استثنائيّة غير مسبوقة منذ عام 1989.ليصبح إجمالي الدين يمثل 94.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وما زالت الحكومة تراهن على وضع أولوية الأمن المعيشي للمواطنين في موازنة 2020. و زيادة الرواتب للعاملين والمتقاعدين بشكل واضح كما حصل مع المعلمين، وتخفيض بعض الضرائب والرسوم أهمها ضريبة المبيعات.وهي كُلّف ستقترب لوحدها من نصف مليار دينار على أقل تقدير.
ناهيك عن مشكلة تعرفة الكهرباء وكيفية معالجتها بعيداً عن المساس بذوي الدخول المحدودة والذي يكلّف دعمهم ما يقارب ال230 مليون دينار، وربما فتح هذا الملف سيشكل ردود فعل عنيفة من الشعب الذي لم يعد يحتمل.
الأرقام صادمة، والواقع أشد صرامة وصعوبة ونحتاج الى خطة طوارئ شاملة حقيقية، بعيدا عن خطط الفزعة والمياومة والوهم فأين نجد الحل؟
كاتبة اردنية