أحاديث الانتخابات الفلسطينية

جمعة, 11/08/2019 - 16:01

د. عبد الستار قاسم

وأخيرا يجتمع الفصيلان الكبيران  فتح وحماس، أو السلطة الفلسطينية وحماس على مائدة التحضير لانتخابات سياسية فلسطينية، والطرفان يؤكدان رغبتهما في إجراء الانتخابات المتأخرة عن موعدها حوالي عشرة سنوات. كان من المفروض أن تجري انتخابات رئاسية عام 2009 وفق قانون الانتخابات الفلسطيني، وأخرى تشريعية عام 2010 وفق ذات القانون. عباس بقي لاصقا في مكانه لا يتزحزح ولغاية الآن، وأعضاء المجلس التشريعي صمتوا على حالة اللاعمل مدفوعة الراتب، ولم يطالبوا بإجراء انتخابات تشريعية. ويبدو أن ما كتبه مثقفون فلسطينيون وما يتردد في الأوساط الدولية حول غياب الديمقراطية في فلسطين وانتهاك القوانين الفلسطينية قد ساعد في البحث عن مخرج انتخابي.

أغلب الفصائل والجمهور يطلبون إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني إذ أن مجالس منظمة التحرير فاقدة للشرعية أيضا. وسبق أن طرحت السلطة الفلسطينية انتخابات تشريعية فقط، لكن هذا غير مقبول للأغلبية، وأن الانتخابات يجب أن تبدأ بالرئاسة أولا، ولا مانع من إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في آن واحد. ويبدو أن المتحاورين اتفقوا على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة. وهذا أمر جيد، وسيساهم بقوة في إقامة ديمقراطية في الضفة الغربية وقطاع غزة. طبعا لا نستطيع الادعاء بإقامة ديمقراطية حقيقية في ظل الاحتلال، لكن على الأقل سيحصل هناك توافق على الانصياع لقانون ينظم العلاقات والحياة المدنية.

إنما هناك مشكلة كبيرة تعترض إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتتميز بالشفافية وهي أن البيئة التي يمكن أن تجري فيها الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة ليست مناسبة لإجراء انتخابات ديمقراطية وفق المبادئ الديمقراطية المتعارف عليها دوليا. عانى الناس في الضفة الغربية وقطاع غزة على مدى سنوات من قمع الفصائل واضطهادها وملاحقات أجهزتها الأمنية. كممت الفصائل في الضفة والقطاع أفواه الناس، ووضعتهم تحت المراقبة والملاحقة، ومنعت عنهم المعلومات الصحيحة وحاربت الإعلام الحر واعتقلت الإعلاميين والأكاديميين وأصحاب الرأي المنتقدين. واستولى الفصيلان على الوظائف العامة وتحكما برقاب الناس وحارباهم بلقمة خبزهم، الخ. عانى الناس في الضفة والقطاع من إرهاب الفصائل الفلسطينية وروضوا أنفسهم على الخضوع والخنوع والاستسلام للأقوى. سطت الأجهزة الأمنية على الناس وكبتتهم ومنعتهم من التعبير عن أنفسهم بحرية، وساهمت في حماية الفساد والفاسدين والمارقين. ولهذا يعيش الناس في الضفة الغربية وقطاع غزة كوابيس الإهانة والإذلال على أيدي إخوانهم الفلسطينيين، وهم يئنون تحت وطأة حالة نفسية وتربوية كئيبة ليس من السهل الخروج منها. وفي مثل هذه الحالة، يصعب على المرء أن يتخذ قرارات متزنة حول من ينتخب والأسس التي يرتكز عليها في انتخابه.

البيئة الداخلية الفلسطينية بحاجة إلى تأهيل من أجل أن تكون حاضنة جيدة لانتخابات نزيهة وشفافة. وهذا يتطلب وقتا لا يقل بتقديري عن عام كامل. خلال هذا العام، على الفصائل أن ترفع كل أساليب القمع والاضطهاد والملاحقة للناس والإعلاميين والمحاضرات والندوات واللقاءات التلفازية والإذاعية. على الفصائل أن تكبح جماح أجهزتها الأمنية وتمنع التعرض للناس وآرائهم وتتوقف عن مراقبتهم إلا من الذين يمسون الأمن الوطني في مواجهة الاحتلال. وسيتطلب هذا وقف الإجراءات الأمنية التي تخدم أمن الاحتلال والتركيز فقط على الأمن المدني الفلسطيني وتعزيز قوى الأمن الوطني.

وحتى تكتمل الصورة، لا بد من التركيز على برامج لكبح جماح الأجهزة الأمنية بشأن التدخل في الانتخابات. لا يحق لأي مسؤول مدني أو عسكري أن  يطلب من موظفيه انتخاب أحد معين، ولا يحق له التدخل في حرياتهم الشخصية. ومن تجاربنا السابقة، كان المسؤولون المدنيون والعسكريون يتدخلون ويهددون من لا ينتخب قوائم معينة أو أشخاصا بعينهم.

والأمر يتطلب وضع قوانين وتعليمات حول الدعاية الانتخابية، والسقف المالي المسموح به للدعاية، والتوظيف الإعلامي. كما أنه مطلوب تقييد وسائل الإعلام  حتى لا تلعب دورا في الترويج لمرشح دون آخر، وتقييدها بإيراد معلومات دقيقة وموثقة حول المرشحين، والإصرار على تقديم الحقائق للناس. لا يحق لوسائل الإعلام العمل على تضليل الناس لأسباب فئوية ومصالح ذاتية.

ومن ثم على لجنة الانتخابات المركزية ألا تنحاز لأحد أو جهة أو فصيل، وأن توضح للناس ألاعيب الكيان الصهيوني والولايات المتحدة المتوقعة للتأثير على نتائج الانتخابات.

وأخيرا، الشعب بحاجة إلى ضمانات تتعلق باحترام نتائج الانتخابات. لقد سبق أن تجاوز بعضهم على نتائج الانتخابات ورفضها، وخرب من أجل أن تنقلب الأمور على الفائزين. وحصلت فوضى في الضفة والقطاع، ومن ثم اقتتال داخلي دموي.

أما إذا تعذر إجراء انتخابات في جو ديمقراطي حقيقي، فإنه من المفروض تشكيل مجلس قيادي فلسطيني ليحل محل عباس، وتشكيل مجلس استشاري من قانونيين لمتابعة قضايا التشريع والقضاء.

وفي كل الأحوال، الاحتمال كبير في أن لا تجري انتخابات. سلطة رام الله والصهاينة والأمريكيون لا يريدون انتخابات لأنهم يخشون فوز معارضي أوسلو، وحماس عطلت الانتخابات لفترة طويلة من الزمن، ومن السهل افتعال مشكلة أو أزمة لتكون ذريعة للتأجيل أو الإلغاء. ومن المحتمل أن تكون مسألة القدس مربط الفرس وحجة التعطيل.

اكاديمي وكاتب فلسطيني

الفيديو

تابعونا على الفيس