الدكتور سيدي محمد يبه، يكتب عن اصلاح التعليم

أحد, 10/20/2019 - 13:13

إصلاح التعليم الأساسي والثانوي شرط لإصلاح التعليم العالي : 
يمثل قطاع التعليم بمختلف مراحله ، مرحلة التعليم الأساسي مرورا بالإعدادي والثانوي وانتهاء بالتعليم العالي ، يمثل أكثر القطاعات تأثرا وتأثيرا في بنية الدولة والمجتمع ، فبحسب جودته تتحدد أهلية مخرجاته على لعب أدوارها كاملة في أي سياسات أو خطط أو برامج تستهدف الإصلاح الاقتصادي والتنمية المستدامة ، وبحسب مستوى تكامل وتلاحم مختلف مراحله أيضا يتحدد مستوى نضج المجتمع ووعي أفراده بحقوقهم وواجباتهم تجاه الدولة والمجتمع الذي ينتمون إليه . فهو إذن الأرضية الصلبة لبناء مجتمع مدني ديمقراطي يتمتع فيه الفرد بحقوق مواطنته  كاملة ، ولكنه في الآن نفسه الأرضية الحساسة التي قد تتمظهر على واجهتها مختلف الصراعات التي تخترق المجتمع . ومن هنا أهميته ليس فقط في مجال بناء مجتمع المعرفة وإنما أيضا فيما يتعلق بدوره المركزي في بناء الهوية الوطنية وترقية الانسجام الاجتماعي. ورغم أهمية وفاعلية النظام التعليمي في شكله الشمولي فإن إصلاح التعليم العالي في مختلف تخصصاته ومستوياته يبقى مشروطا إلى حد كبير بمستوى جودة التعليم الأساسي والثانوي. ولعل هذا ما جعل المؤسسات الدولية المانحة  تركز خلال عقود كثيرة على التعليم الابتدائي وحديثا على التعليم الثانوي في مشاريعها الداعمة للتنمية في إفريقيا جنوب الصحراء . جرى الاعتقاد منذ الستينات وإلى غاية العقود الأخيرة من القرن العشرين لدى مجتمع التنمية الدولي أن ترقية الحد من الفقر  ومواجهة الآفات المترتبة على الأمية والجهل لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن إصلاح نظام التعليم الأساسي والثانوي . بسبب ذلك الاعتقاد شجع المجتمع الدولي للتنمية لفترة الحكومات الإفريقية على الإهمال النسبي للتعليم العالي . ولعل من الأمثلة الحية على هذا التوجه قمة داكار سنة 2000م التي حملت شعار" التعليم من أجل الجميع ". فقد اقترحت هذه القمة التعليم الابتدائي وحده كمحرك للرفاه الاجتماعي وتركت التعليم العالي في المرتبة الثانية . صحيح أن تحسين التعليم العالي ضروري للتقدم المستدام للتعليم الابتدائي والثانوي ، لأن تكوين المفتشين والمدرسين في الإعداديات والثانويات ومدراء المدارس المؤهلين وكذلك تطور الكفاءات لبلورة برامج التعليم ، من أجل البحث التربوي والتحليل والتسيير الاقتصادي ، تتوقف مباشرة على نوعية وجودة التعليم العالي . إلا أن جودة التعليم الأساسي والثانوي على وجه التحديد تمثل قوة دافعة لتميز وجودة مخرجات التعليم العالي . 
ولإقامة مقاربة بيداغوجية وعلمية شاملة قادرة على تشخيص الصعوبات والنواقص التي يعاني منها النظام التربوي الموريتاني وخاصة في مستواه ما قبل الجامعي فلا بد للمهتمين بهذا القطاع من إعادة تقييم هذا النظام التربوي ، وهو ما يعادل محاولة إصلاحه ، انطلاقا من معايير التقويم L’Evaluation  والجودة La Qualité .   
إن المهمة الأولى للمدرسة هي نقل المعارف إلا أن تقويم هذه المعارف المنقولة ملازم لمهمتها ومحايث لفعل التعليم . وإذا كان تقويم نظامنا المدرسي غير منتظم فلأن سياسة التعليم ينبغي أن تتجاوز بعض الصعوبات المهمة ذات الطبيعة الابستمولوجية والثقافية والإدارية والوظيفية لتحقيق التغيير المنشود . فعلى المستوى المعرفي لا بد من ضمان التدرج المعرفي في عملية اكتساب المعارف والمهارات لدى التلاميذ من خلال ردم الفجوة الحاصلة بين مرحلة التعليم ما قبل المدرسي ومرحلة الالتحاق بالتعليم الابتدائي أي دمج التعليم ما قبل المدرسي  ضمن مراحل المنظومة التعليمية الوطنية .  
إن التعليم ما قبل المدرسي مهم لدعم نمو الطفل ، فهو أساسي بالنسبة له إذ أن ملامح شخصيته تتبلور قبل بلوغ السنة السادسة . وقد خَلُصَتْ الدراسات المتعلقة بهذا المجال إلى أن عناية تربوية مبكرة وذات جودة بالطفولة الصغرى تقوي التطور العاطفي والاجتماعي للطفل وتحفز الاكتساب المبكر للسلوكيات والمواقف المرغوب فيها أثناء فترة التمدرس . ونتيجة لذلك فإن غياب الالتحاق بالتعليم ما قبل المدرسي يشكل عائقا أولا قد يعاني منه الطفل طيلة فتراته الدراسية اللاحقة . من هنا ضرورة بلورة إستراتيجية وطنية للتعليم ما قبل المدرسي تأخذ بعين الاعتبار واقع هذا القطاع وأهم الخيارات المتاحة لمجاوزة التحديات والعوائق التي تواجهه . فمن المعلوم أن التعليم ما قبل المدرسي يعاني من عوائق عديدة لا تخفى على المهتمين بالشأن التربوي . أول هذه العوائق  غياب التنظيم المحكم لهذا القطاع . فهناك العديد من الوِصَايَاتْ  Les Tutellesوالمتدخلين ، والعديد من الأنماط المؤسسية والمضامين والممارسات ذات الصلة بالتعليم ما قبل المدرسي . ففيما يتعلق بالوصايات نذكر المساجد والمحاضر القرآنية التابعة في معظمها لوزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي . هذا فضلا عن شبه المحاضر العشوائية الموجودة هنا وهناك . أما حدائق وروضات الأطفال فتتجاذب السيادة عليها منظمات المجتمع المدني ووزارة التعليم الأساسي والتهذيب الوطني التي ينبغي أن تكون من حيث المبدأ هي المعنية بالترخيص لها وتأطيرها . عندما نُقيِّم مشهد التعليم ما قبل المدرسي في ضوء تعدد الفاعلين في بلادنا ندرك بسهولة أننا لسنا في موعد مع الجودة . فمن الملاحظ أن العديد من الوحدات ما قبل المدرسية لا ترقى إلى مستوى معايير الجودة . كما أن آليات المراقبة والمتابعة محدودة إن لم تكن غير موجودة أصلا . ومن جهة أخرى فإن التربويين يشكلون مُكوِّنا لا يمكن من دونه تصور أو تعميم آلية تضمن جودة التعليم ما قبل المدرسي . إلا أن أغلب هؤلاء التربويين أو بالأحرى المؤطرين لا يمتلكون أيَّ تكوين مسبق في مجل تعليم وبيداغوجيا التعليم ما قبل المدرسي . بل إن بعضهم لا خبرة له أصلا في مجال التعليم المدرسي  اللهم إذا استثنينا دائرة المحاضر التي تلقن وفق مناهجها الخاصة دروسا يمكن أن تدرج ضمن ممارسات التعليم ما قبل المدرسي .إن كل هذه التحديات المحايثة للتعليم ما قبل المدرسي تدعونا إلى المسارعة في وضع خارطة جغرافية وطنية  لمعرفة كيف وكم الإقبال عليه بهدف ترقيته وتمكين الأطفال ، مبكرا ، من الأسس التي تسمح لهم بارتقاء سُلَّمِ مَسْلَكٍ مَدْرَسِي ذي جودة . 
أما على مستوى التعليم الابتدائي فتبدو الحاجة إلى التقويم والتقييم الشامل ملحة وضرورية أكثر من أي وقت مضى . إن التساؤلات الشعبية حول فعالية المدرسة الوطنية، تعثر سياسات تعميم التمدرس ، التكاثر الفوضوي للمدارس الابتدائية الخاصة ، محدودية الإصلاحات التربوية المتلاحقة تؤكد كلها على أهمية إعادة النظر في نظامنا المدرسي . لاشك أن المدرسة الوطنية حققت بعض الانجازات والمكاسب من المناسب تطويرها ، وخاصة فيما يتعلق بالتجربة المُعْتَمِلَة l’expérience qui se met en œuvre لمدارس الامتياز والمدارس النموذجية ، إلا أنها تعاني بالفعل من مشاكل وتحديات متصلة بعدم تناغم  النظام التربوي ككل ومحدودية فعاليته ومردوديته من منظور معايير الجودة . لم يعد تحدي تحسين التعليم المدرسي يقتصر على مراعاة البعد الكمي فقط وإنما أيضا البعد الكيفي . أصبح من البديهي أن الحق في التعليم لا ينبغي أن يقتصر على حق القبول في المدرسة . لا بد من تطبيق مفهوم الجودة الشاملة في معناها الواقعي . لقد تدهورت جودة التعليم المدرسي في بلادنا إلى درجة أن سنوات من التَمَدْرُسِ لا تضمن بالضرورة اكتساب المعارف الأساسية ، ولهذا فإن قيام المدرسة بأدوارها التربوية والمعرفية كاملة يتطلب تطورا مستديما مُؤسَسًا على جودة المصادر البشرية والمادية . لا بد من مَرْكَزَةِ المدرسة حول التلميذ وإعادة التلميذ إلى صلب المهمة التربوية . وبما أن المدرسة هي قبل كل شيء رهان اجتماعي فلا بد من اتخاذ الإجراءات الخاصة لمساعدة التلاميذ الفقراء أو المعزولين جغرافيا عن أماكن التمدرس على التعلم بشكل أفضل . هذه الإجراءات لا ينبغي أن تقتصر على  توفير الأدوات البيداغوجية والتوعية الثقافية أو الدعم المادي للمحيط الأسري ودعم التنمية الاقتصادية المحلية وإنما تستوجب أيضا  اعتماد سياسة للتمييز الايجابي Une Politique de discrimination Positive . والمقصود بالتمييز الايجابي هنا ليس تمكين شريحة اجتماعية معينة على حساب شريحة أخرى فهذا لا يعدو كونه إعادة إنتاج للتمييز بل المقصود به مجموعة من التدابير المخصصة لاستدراك بعض مظاهر اللامساواة من خلال منح امتيازات أو خدمات معينة لساكنة جهة معينة مقارنة بساكنة جهات أو أماكن أخرى . هذا توضيح لمعنى سياسة التمييز الايجابي كما نستخدمها هاهنا . لأننا عندما نأخذ سياسة التمييز الايجابي في معناها الضبابي العام فإنها تتعارض على نحو ما مع مبادئ المدرسة الجمهورية القائمة على مبدأ المساواة . تتأسس المدرسة الجمهورية على فكرة تجانس ظروف الدراسة حتى يتلقى الجميع تعليما ذا جودة . أي أن منطق المدرسة الجمهورية يقوم على إعطاء كل التلاميذ بنيات وأنماط التعليم ذاتها . ولكن من وجهة نظر سوسيولوجيا التربية عندما تطبق المدرسة المعايير ذاتها على كافة التلاميذ فإنها قد تدعم اللامساواة الموجودة أصلا وتعيد إنتاج التراتبية الاجتماعية والاقتصادية .في حين أن النظام المدرسي ينبغي أن يضمن العدالة الاجتماعية ويصحح اللامساواة الناتجة عن تأثير مراكز القوة الاجتماعية والعوامل الاقتصادية . وبالتالي فخلافا لمنطق المدرسة الجمهورية تقوم سياسة التمييز الايجابي  على إعطاء المزيد لمن يواجهون مشاكل أكثر أو يوجدون في وضعية دونية  Une situation d’infériorité . مع مبدأ التمييز الإيجابي لا تكون المساواة هي الأولوية القصوى  بل الإنصاف وفكرة العدالة . من منطلق هذه الدلالة ينبغي على الدولة الموريتانية أن تشرع في إرساء إستراتيجية وطنية للتعليم يكون من أولوياتها إنشاء مناطق التعليم ذات الأولوية والمناطق الحضرية الحساسة الموجودة داخل العاصمة وخارجها . على أن يكون تعريف هذه المناطق قائم على معايير مدرسية واجتماعية واقتصادية دقيقة . هذه المناطق ينبغي أن تستفيد من سياسة التمييز الإيجابي . تقوم هذه السياسة على تحديد مشاريع تعليمية لكل منطقة ذات أولوية وعلى تقديم الوسائل المادية والبشرية اللازمة لتنفيذ المشروع التعليمي ، إلا أنه من المهم أيضا أن تُشَجِعَ هذه السياسة تطور الشراكات بالتعاون مع الفاعلين المحليين المعنيين بتعليم الأطفال كالأقارب والرابطات والمدرسين والمنتخبين على مستوى البلديات والمجالس الجهوية . وللارتقاء بالتعليم الابتدائي لا بد كذلك من إعداد المعلمين معرفيا وتربويا خلال فترة التكوين وبعد مباشرتهم لمسؤولياتهم المهنية . لأن مهنة التعليم ليست كغيرها من المهن تتطلب الاحتراف ومعايير وشروط لازمة لممارستها . كما لابد من إعادة النظر في الوضع المادي للمعلم وإعطاءه من الحوافز ما يجعل أفضل الكفاءات البشرية المؤهلة ترغب في ممارسة هذه المهنة النبيلة . صحيح أن التعليم المدرسي الخاص بما يشتمل عليه من فوضوية المقررات الدراسية ولغات التدريس والاختيار العشوائي لمصادره البشرية وعدم قدرة هذه الأخيرة على الاستغلال المعرفي الأمثل للمقاربات التربوية على اختلاف أنواعها لا يترك مجالا لتناغم وتميز التعليم المدرسي ككل ، إلا أن الرقابة والمتابعة والتقويم التكويني والإجمالي الذي يجدر بمديريات ومصالح  الوزارة  الوصية على التعليم الأساسي العام والخصوصي أن تقوم به على نحو مستمر ، وكذلك العمل على تفاعل مدخلات هذا التعليم الأساسي  ( المناهج ، المستلزمات المادية ، الأفراد ، الإدارة ) سُتُحَسِن لا محالة من مخرجات التعليم الأساسي في بلادنا وسَتُحْيِي الأمل في تأسيس مدرسة موريتانية تكون نموذجا للإنصاف والجودة والوطنية .    
ويمثل التعليم الثانوي مرحلة هامة من مسار تطور المنظومة التعليمية في بلادنا . إنه يمثل الفترة الدراسية التي تتكفل فيها الثانويات بتنشئة وتكوين المراهقين تربويا ، وهي فترة يتسارع فيها نموهم الجسدي والعاطفي والذهني . في هذا المستوى من التعليم ، وخاصة الإعدادي منه ، يكتسب التلاميذ معارف وكفايات جديدة وتتجذر لديهم القيم والمواقف التي تلقوها في المرحلة الابتدائية . يكتسي التعليم الثانوي أهمية أخرى من حيث تَمَوْضُعِه المركزي على مستوى خارطة المنظومة التعليمية . إنه يمثل حدا فاصلا بين مرحلتين حيث إنه يمثل قمة الهرم في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي وتمهيد لبداية مرحلة أخرى جديدة هي مرحلة التعليم الجامعي أو التعليم العالي عموما . وهذه المنزلة الوسطى داخل بنية المنظومة التعليمية أهلت التعليم الثانوي العام والفني المهني للعب أدوار تربوية ومعرفية وعملية تتوقف على نوعيتها جودة المراحل التعليمية اللاحقة ، إذ أنه يعد مخرجاته لمواصلة تعليمهم في الكليات والمدارس والمعاهد العليا ، كما يهيئهم للاندماج في سوق العمل وفقا لاستعداداتهم وكفاياتهم المهنية . ومن ثَمَّ فإن نجاح التعليم العالي وإخفاقه لا يمكن النظر إليهما بمعزل عن امتداداتهما  على مستوى التعليم الثانوي . ذلك أن مخرجات التعليم العالي تحكمها مدخلات التعليم الثانوي وكلما كانت المدخلات ذات جودة معرفية عالية كانت مخرجات التعليم العالي مهيأة لأن تكون بالمواصفات ذاتها.إن مرحلة التعليم الثانوي لا تقتصر على كونها مرحلة بناء الأسس الفكرية لممارسة التفكير الناقد والإبداعي وامتلاك القدرات المعرفية والعملية بقد رما هي مرحلة التعلم النشط الذي يحدد القدرات والمواهب والمهارات المستقبلية للتلاميذ . وبالتالي فإن تدهور مستوى الجودة التعليمية والتعلمية في المراحل الأساسية والثانوية يجعل من التعليم العالي بؤرة مناسبة تترسب فيها أهم مشاكل وأزمات التعليم ما قبل الجامعي . وعلى هذا الأساس فإن تطوير المناهج الجامعية يُوجِبُ مراعاة ما هو قائم في التعليم الإعدادي والثانوي لضمان التكامل والتسلسل المنطقي للمعرفة. كما ينبغي تحسين معايير النجاح والتوجيه في شهادة البكالوريا باعتبارها البوابة الرئيسة لالتحاق بمرحلة التعليم العالي. 
وبناء على ذلك يحتاج إصلاح التعليم الثانوي إلى اعتماد منهجية تحليلية ووصفية مدعومة بمقاربة للتغيير موجهة حول النتائج : Une Approche Du Changement Axée Sur Les Résultats
تتكامل في هذه المقاربة الإستراتيجية والأهداف . ما يعني من وجهة النظر التربوية تكامل المكتسبات المعرفية وتطور الكفايات . إن تَحَوُّل المجتمع والاقتصاد وعالم العمل يمارس اليوم ضغوطا هائلة على مؤسسات التعليم الثانوي تدفعها إلى تصور مقاربات جديدة للتعليم . أصبح تكامل المعارف والكفايات العملية ضرورة في الحياة المعاصرة . وفي ضوء هذه المعطيات يلزم مباشرة إصلاح هيكلي للتعليم الثانوي استنادا إلى ترقية متزامنة لمتطلبات التطوير ذات الصلة بالمصادر البشرية ووظائف الإدارة التنظيمية والدعم المادي الضروري .  أما على المستوى التربوي والمعرفي البحت فإن تعليمنا الثانوي يفتقر إلى تطبيق النظريات التربوية في عمليتي التعلم والتعليم . كما أن من المناسب للمدرس أن يكون مُلِمًا بمختلف الإستراتيجيات البيداغوجية بدءً بإستراتيجية التعلم أو المقاربة بالمشاكل  Problem-based learning   وانتهاء بإستراتيجية الدعم والإسناد Le TutoraT . كما أن طرق التدريس المعتمدة في التعليم الإعدادي والثانوي لا تعتمد مقاربة  مُوحدَة للتدريس ، فبعض المدرسين يرجح من وجهة نظره الشخصية استخدام المقاربة بالمضامين والآخر المقاربة بالأهداف وواحد آخر يفضل المقاربة بالكفاءات . والواقع أن لكل مقاربة مزاياها وعيوبها وأهدافها وعناصرها وشروط ترجح استخدامها دون غيرها . بل إن الاستفادة من مزايا وإيجابيات هذه المقاربات مجتمعة قد يكون أحيانا هو الطريقة المناسبة والأفضل لاستخدامها. إن هذه المعوقات التي يعاني منها التعليم الثانوي بسلكيه الأول والثاني لها تداعيات سلبية مباشرة على جودة مخرجاته خاصة إذا تعلق الأمر بالتعليم الثانوي الخاص الذي لا يعرف فيه التلميذ بالضبط ماذا سيدرس وكيف سيدرس وبأية لغة سيدرس . إن لعبة الحظ والقوة المادية هي ما يحدد هنا مصير التلميذ وليس بالضرورة القاعدة الصلبة من المعارف والكفايات . إن المشاكل التي يعاني منها التعليم الثانوي أساسية ومتنوعة بدء بضرورة تطوير سياسات ونظم التقويم والامتحانات ومرورا بتحيين المناهج الدراسية وانتهاء بجودة وفاعلية الإدارة التعليمية من حيث الرقابة والمتابعة والتقويم . هذا فضلا عن الحاجة إلى تطوير الأبنية التعليمية  والتكوين المتميز للمدرسين في الإعدادي والثانوي . ونظرا لأهمية التعليم الثانوي الفني والمهني  فإن الارتقاء بمستوى تكوين ومهنية خريجيه سيعزز علاقة الأخذ والعطاء بينه وبين سوق العمل أي على مستوى التدريب والعمل . كما أن تقليص الفجوة المعرفية الحاصلة بين التعليم الثانوي العام ( الشعب العلمية ) والتعليم الفني والمهني سيعزز فرص التكامل بينهما وسيفتح أما خريجي التعليم الفني والمهني المزيد من مسارات التوجيه على مستوى التعليم العالي . لا تقتصر التحديات التي يواجهها التعليم الثانوي على هذا الحد بل يمكن التذكير كذلك بمشكلة الحركية المهنية للمدرسين  la mobilité professionnelle enseignante.  فهذه الحركية قد تكون ظاهرة سلبية عندما يتفرغ المدرس لمهام أخرى لا علاقة لها بواجبه المهني إلا أنها قد تكون طبيعية تحتاج إلى حلول عملية لضمان استمرارية المدرس في مكان عمله . فإذا كانت بعض العوامل الفردية الذاتية مثل القناعة بالمهنة والالتزام المؤسساتي تمثل عوامل داعمة لبقاء المدرس في مهنته ومكان عمله ، فإن متغيرات موضوعية أخرى ، تحصل على المستوى الفردي ، مثل الأقدمية والتكوين الأصلي والمادة المعرفية المُدَرَسَة والخصائص السوسيو- ديمغرافية للمدرسين تؤثر مباشرة في حركية المُدرِسِينَ . كما أن التشكيلة الاجتماعية والإثنية والأكاديمية للمؤسسات التعليمية وخصائصها التنظيمية ترتبط كلها بظاهرة حركية المدرسين . عندما تكون الحركية المهنية للمدرسين من أجل إعادة التوجيه المهني فهذا أمر وجيه أما عندما تكون من أجل ممارسة المهنة في مؤسسة أخرى أو ربما من أجل ممارسة مهام أخرى لا علاقة لها بالواجب المهني فهذا لا مبرر له . إن الحرص على بقاء المصادر البشرية المؤهلة في مؤسساتها التعليمية يذكرنا بضرورة القطيعة مع الأشكال القديمة للمهنية في مجال التعليم وبالتالي الوعي بضرورة الانتقال إلى نموذج جديد للمهنية هو نموذج المعلم المهني Le Maitre professionnel  . لا بد من الإشارة في الأخير إلا أن إصلاح التعليم ما قبل الجامعي عموما والتعليم الإعدادي والثانوي خصوصا لا يمكن أن يتحقق كليا من دون التعاون بين الوزارات الوصية على هذا القطاع  والمدرسة العليا للتعليم Ecole Normale Supérieure وخاصة على مستوى : 
1- تأهيل وإعادة تكوين المدرسين والمفتشين 
2- التعاون في مجالات التقويم 
3- التعاون في مجالات الإرشاد والتوجيه 
4- التعاون في مجال تطوير المناهج وإعداد المقررات الدراسية لمختلف شعب التعليم الثانوي . 
إن لجان التأليف بمفتشية التعليم الثانوي لا يمكنها لوحدها إعداد هذه المقررات الدراسية ، فما تقدمه هذه اللجان من كتيبات تجريبية في الغالب لا ينبغي أن يُعْتَمَدَ فقط من المعهد التربوي الوطني بل يحتاج كل جهد منهجي ومعرفي وتربوي لهذه اللجان ، وامتداداتها على مستوى وزارة التعليم الثانوي والتكوين المهني ، أن يقول فيه أساتذة المدرسة العليا للتعليم رأيهم باعتبارها المؤسسة المهنية والأكاديمية المتخصصة في تكوين المصادر البشرية المُوَجَهَة لفائدة الوزارة الوصية على التعليم الإعدادي والثانوي . 
اعتقد أن تنمية المكاسب التي تحققت في مجال التعليم ما قبل العالي ومعالجة المشاكل البنيوية التي يعاني منها الآن سيسهم لا محالة في المحافظة على الهوية الثقافية لمجتمعنا باعتباره مجتمع معرفة ، كما سيعزز الجهود الرامية إلى إصلاح التعليم العالي ، ما يدعو إلى فتح صفحة جديدة من التكامل بين التعليمين الأساسي والثانوي والتعليم العالي. قد تقف أمام آليات هذا التكامل Les Mécanismes de complémentarité  عوائق وتحفظات من هنا وهناك إلا أن فوائده كثيرة لعل ابسطها وأكثرها عمومية وبداهة كَوْنَ هذا التكامل قد أصبح أحد مقاييس ضمان جودة وفاعلية النظام التعليمي في شكله الشمولي .  

د. سيدي محمد ولد يب 
أستاذ دائم بالمدرسة العليا للتعليم ENS
عضو لجنة خبراء الاتحاد الإفريقي المكلفة بإصلاح عمليات ونظام الاكتتاب

الفيديو

تابعونا على الفيس