عقبات الديمقراطية في تونس.. هل ينجح الرئيس “سعيّد” في تحقيق وعوده

سبت, 10/19/2019 - 02:03

نجاح عبدالله سليمان

هو السيد “قيس سعيّد” الذي أضحى الشخصية أكثر قبولاً واحتراماً وتقديراً وإعجاباً في تونس. لا تدانيه شخصية أخرى مهما علا كعبها سياسياً أو اجتماعياً. هنا حضر الهتاف الذي صدح في باحات وزوايا شارع الحبيب بورقيبة عشية إقفال صناديق الاقتراع، كان كثيفاً في رمزيته، فهو رجلا نظيف الكفّ، لا تحوم حوله الشبهات، ولا سبق أن تورط في حزب أو اعتنق إيديولوجية واضحة لهو أمر يستحق الرهان.

لقد فاز “سعيد” في كل دائرة انتخابية في البلاد. ونتائج الانتخابات عكست هذه المضامين بجلاء، ولا سيما بين جيل الشباب. فعدد الذين صوتوا لسعيد يفوق بكثير عدد الذين صوتوا سابقاً للباجي قايد السبسي، والمنصف المرزوقي، بحسب مؤسسة “سيغما كونساي”. ونسبة المشاركة التي قفزت بأكثر من تسع نقاط عن مثيلتها في الجولة الأولى بعد تجاوزها عتبة الـ 57.8 % كانت مفاجأتها مضاعفة، حيث وصل عدد المصوتين لسعيد للأعمار بين 18 و25 سنة 90% وفقاً لتقديرات معهد استقصاء سيغما، مقارنة بـ 49.2 ٪ من الناخبين الذين تجاوزوا الستين عاماً.

هو “سعيد” الملقب بـ”روبوكوب” على منصّات التواصل الاجتماعي التونسية نظراً لطريقته في الكلام، كسب الرهان دون كاريزما سياسية، من دون برنامج واضح، من دون حملات انتخابية، ومن دون حزب سياسي، في لحظة انتعاش وتشوق لقيم ثورة الياسمين عند الذين صوتوا له. ما يتفق عليه أنصاره وداعموه ببساطة أنه رجل يشبه التونسيين أكثر من أي شخصية سياسية عرفوها يوماً، غير قابل للفساد والإفساد، وذو عقلية متفتحة ومحافظة، شفافة وجامحة في آن. تعد بالقليل لكنه نادر كالتعهدات التالية: “تحقيق اللامركزية “، “إنهاء عهد الوصاية “، “بناء العلاقات بين الحاكم والمحكوم على أساس الثقة والمسؤولية”، “عدم المسّ بقيم المجتمع الدينية”،” العمل على القضايا القومية، وأولها القضية الفلسطينية”.

لقد أكد سعيّد “أحترم كل من اختار بكل حرية، انتهى عهد الوصاية وسندخل مرحلة جديدة في التاريخ”. وتابع: “قدمتم درسًا للعالم وأبهرتم العالم، أشكركم من أعماق الأعماق، نحن في حاجة الى تجديد الثقة بين الحاكم والمحكومين. سنعمل في الخارج من أجل القضايا العادلة وأولها القضية الفلسطينية”. وظهر سعيّد في نوايا التصويت في استطلاعات الرأي في الربيع الفائت على أنه شخصية خارج نظام الحكم والسياسيين وقريبة من التونسيين الذين ملّوا نظام الحكم وممثليه. ولرئيس البلاد صلاحيات محدودة بالمقارنة مع تلك التي تمنح لرئيس الحكومة والبرلمان. وهو يتولى ملفات السياسة الخارجية والأمن القومي والدفاع خصوصًا.

وحيث أن تونس تستحق الأفضل وترجو أن لا يخذلها العالم ولا يدعمها في تجاوز محنها الاقتصادية والاجتماعية. وهي ككل دولة عربية تحتاج التغلب على التاريخ السلطوي الذي يبدو صعباً، بسبب تجذر المصالح وتفاعل العائلات السياسية والاقتصادية التي تجمعها رابطة منافع وثيقة تشكل جوهر الدولة العميقة.

هي حقيقة أن قيس سعيّد حضر كمفاجأة للانتخابات الرئاسية التونسية، بعد تصدره.. فهو صاحب النهج الاجتماعي المحافظ، الذي يدعم تطبيق عقوبة الإعدام ويرفض المساواة في الميراث بين الرجال والنساء ويركز على اللامركزية في الحكم في بلد العاصمة فيه قوة مهيمنة على نحو تقليدي. وهو أستاذ جامعي في القانون الدستوري، ويلقى احتراماً واسعاً لدى التونسيين، حضر كمرشح مستقل لا يملك دعماً حزبياً واختار في حملته الانتخابية طريقة التواصل المباشر مع الناخبين رافضاً عقد تجمعات شعبية على غرار البقية. سطع نجمه بعد ثورة 2011 فقد كان دائم الحضور في الإعلام والنقاشات السياسية يقدم شروحاً مفصلة للقانون والدستور.

وسط كل ما سبق يجب الإجابة هنا: هل الرئيس قيس سعيد قادر على تحقيق ما تعهد به في بلد يبلغ عدد سكانه 11 مليوناً، غارق في المشاكل الاقتصادية والأمنية، حيث تبلغ نسبة البطالة 15%، وترتفع مستويات التضخم وسط ومطالب المانحين الأجانب بتطبيق إجراءات خفض للإنفاق لا تحظى بالشعبية؟.

لا ريب في أنّ منصب الرئاسة يتمتع بنفوذ سياسي واسع إلا أنّ سلطاته تبقى أقل من دور رئيس الوزراء في الدستور الجدد الذي حرص على توزيع مراكز القوى داخل الدولة. فهل سيجد قيس سعيد ظهيراً وداعماً له بين القوى السياسية، وهو الغريب الذي يدخل قصر قرطاج مجرداً من أي حزب سياسي يتبع له؟. وإذ يتوجب عليه دستورياً أن يكلف الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية تشكيل الحكومة، فهل هو قادر على الحسم أو لعب دور الحكم في نزاع تطلّ أماراته بين القوى البرلمانية التي لا يوجد بينها من يملك أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً؟.

إنّ العقبات المرشحة للظهور هي الأوضاع الأمنية وما يمتّ لها بصلة، مثل: إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية ولا سيما وزارة الداخلية التي تضخم حجمها على حساب وزارة الدفاع، قضايا الاغتيالات السياسية التي لا تزال عالقة مثل قضيتي شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ومكافحة الهجرة غير الشريعة وعمليات التهريب عبر الحدود، والقضاء على التنظيمات الإرهابية.

المرجح وسط كل هذه التكهنات هو حرص حركة النهضة على التعاون مع الرئيس قيس سعيد والعمل على دعمه حكومياً وبرلمانياً، فالرجل لا يشكل تهديداً لها بتاتاً إذ انه لا يملك حزبا سياسياً، ومواقفه السياسية تتماهى مع مبادئ النهضة لجهة احترام الثقافة الإسلامية وقيمها التشريعية، ومن حيث تفكيك منظومة الفساد وحيتان المال، والنأي بالبلاد عن الصراعات الإقليمية، فضلاً عن إعادة الزخم رسمياً للقضية الفلسطينية التي تحتل مكانة مرموقة في وجدان الشعب التونسي.

يبقى في النهاية أن ملخص الحال سبق أن عرضته صحيفة “لوكوتيديان” التونسية اليومية الناطقة بالفرنسية تقول إن الشعب التونسي قال كلمته، واعتبرت أن الناخبين صوتوا للمرشحَين اللذين نفّذا حملةً انتخابية ضد النخب السياسية. وكتبت الصحيفة “لقد فضلوا القفز في المجهول بدلاً من مد اليد مرة أخرى لمن خانوا تطلعاتهم”. لنتابع الطريق إلى قرطاج بعد فوز قيس سعيد.

كاتبة عراقية

الفيديو

تابعونا على الفيس