د. عزيزة عبد العزيز منير
فاز رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بجائزة نوبل للسلام لهذا العام لدوره في إنهاء واحدا من أكثر الصراعات تعقيدا فى منطقة القرن الأفريقى مع الجارة اريتريا ، مع إشادة لجنة نوبل النرويجية بجهود السياسى البالغ من العمر 43 عاما لتحقيق الحرية و الديمقراطية فى بلاده وإرساء الإستقرار و السلم فى منطقة القرن الإفريقي.
خاضت اريتريا حربا للإستقلال عن أثيوبيا استمرت 30 عاما (1961-1991), انتهت بعد طرد القوات الأثيوبية من الأراضى الإريترية عام 1991. الإ أن استمرار الإحتكاكات الحدودية بين البلدين تحول الى حرب شاملة منذ عام 1998 و التى بلغت ذروتها فى عام 2000 عندما توغل الجيش الإثيوبي في اريتريا مستهدفا اسقاط النظام و الجيش الإريتريين مما أعاد للذاكرة شبح الحرب بين حلفين لم تكد تنطفىء نيران الصراع بينهما قبل اقل من عقد.
وبالرغم من نجاح المبادرة الأفريقية التى قادتها الجزائر فى عام 2000 بصفتها رئيسة منظمة الوحدة الأفريقية أنذاك (الإتحاد الإفريقى حاليا) فى التوصل لتوقيع اتفاق سلام شامل انبثق عنه مفوضية دولية لترسيم الحدود بين الطرفين, استمرت مماطلة أثيوبيا فى تنفيذ القرار و شهدت المناطق الحدودية التى تمتد الى 1000 كم بين البلدين احتكاكات حدودية بين الحين و الآخر و التى كانت تنذر بوقوع حرب من جديد.
صحيح أن أثيوبيا لم تقبل قرار المفوضية لترسيم الحدود الإ بتولى أبى أحمد الأورومى سدة رئاسة الوزراء فى أديس أبابا. الإ أن الجهود التى قادتها و تابعتها منظمة الوحدة الأفريقية كانت هى نقطة الإنطلاق فى هذا المشوار الطويل الذى تكلل بالسلام, مما يثير التساؤلات عن مدى أحقية أبى أحمد بالفوز بنوبل. يتزايد هذا الجدل خصوصا فى ظل التحديات التى لاتزال تواجه أثيوبيا داخليا و لم ينجح أبى أحمد فى تخطيها. أبرز هذه التحديات الإنقسامات الإجتماعية الناشئة عن نظام الفيدرالية العرقية ethnic federalism و هو نظام قسًم اثيوبيا الى مناطق عرقية أو اثنية حيث تتمتع كل منطقة بقواتها العسكرية و ميلشياتها الخاصة و اكبر هذه الميليشيات هى تلك الموجودة فى أورووميا و امهرة و تيجرى و يفوق عددها معا عدد قوات الدفاع الأثيوبى.
يشير ترانس ليونز فى كتابه The Puzzle of Ethiopian Politics أو “لغز السياسات الأثيوبية” أن النظام السياسى فى أثيوبيا قد تشكل من خلال الدور المركزى الذى لعبه حزب “الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية ” الذى صعد للحكم فى عام 1991 و استبد به منذ ذلك الحين, من ناحية, ونظام دستوري أكد على الطابع الإثني لأقاليم الدولة و أحزابها السياسية, من ناحية أخرى. وقد ساهم هذا النظام الإثني الفيدرالي في نشوب التوترات العرقية داخل أقاليم الدولة و فيما بينها. فمثلا قام قائد قوات أمن ولاية أمهرة بانقلاب عسكرى فى يونية هذا العام- بعد محاولة انقلاب مماثلة فى العام الماضى- قٌتل على إثرها حاكم امهرة ومستشاريه. في أوروميا ،يتصاعد الشقاق بين الجناح المسلح لجبهة أورومو للتحرير ، وهي جماعة متمردة تسعى “لتقرير المصير” لشعب أورومو منذ سبعينيات القرن الماضي ، و الجناح السياسي للجبهة مما يُصعب مهمة اديس أبابا فى التفاوض مع هذه الجبهة بشأن المسائل السياسية. أما فى الجنوب يهدد سكان منطقة سيداما بالإعلان من جانب واحد عن دولة مستقلة و يطالبون الحكومة الفيدرالية بتنظيم استفتاء حول تقرير المصير. و يحذر المراقبون أن محاولة سيداما لإقامة دولة مستقلة قد تٌحفز المزيد من أقاليم الجنوب للسعى نحو الإستقلال. و بتوغل الإنقسام الطائفى و تعدد الميليشيات العسكرية داخل أثيوبيا فإن سيناريو الحرب الأهلية لا يمكن استبعاده خصوصا مع رغبة كل مجموعة إثنية فى تأمين نصيبها من المكاسب الإقتصادية و مشاركة النفوذ السياسى مع الحكومة المركزية فى أديس أبابا
علاوة على ذلك حافظت أثيوبيا على سجل لا تُحسد عليه فى عدد النازحين و المُهجرين داخليا نتيجة النزاعات الطائفية و العنف المُسلح حيث أشار التقرير الدولى عن النزوح الداخلى Global Report on Internal Displacement, GRID الى وجود 2.9 مليون نازح جديد مرتبط بالنزاع في إثيوبيا فى عام 2019، وهو أعلى رقم في العالم وأربعة أضعاف ما كان عليه عدد النازحين داخليا فى أثيوبيا في عام 2017.
أما على الصعيد الإقليمى, تتعقد المفاوضات حول سد النهضة التى شرعت أثيوبيا فى بنائه على النيل الأزرق منذ عام2011 و خصوصا بعد رفض أثيوبيا مقترحا مصريا الشهر الماضى لتشغيل السد و الغموض الذى يتعلق بكثير من الأمور التقنية مثل مدة ملء خزانات السد و نصيب مصر من مياه النيل أثناء ملء الخزانات. تُشكل مياه النيل بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت و مع استمرار تعنت أثيوبيا و سعيها وراء مصالحها على حساب مصر- بالإضافة الى تلك الإخفاقات السابق ذكرها- فإن أثيوبيا تلقى الكثير من الشكوك حول دورها فى استعادة السلم و الأمن فى أفريقيا و تضفى مزيدا من الجدل عن مدى أحقية أبى أحمد بنوبل السلام.