د. محمود البازي
نقترب رويداً رويداً من الذكرى السنوية لرحيل الزميل “جمال خاشقجي”. تأتي هذه الذكرى في ضوء تعّقد المشهد الدولي والإقليمي والسعودي بشكل خاص. والكثير يتسائل اليوم هل غيّرت السعودية من سياساتها المتهورة والوحشية ضد المعارضة السعودية بعد جريمة قتل خاشقجي؟
قبل الحديث عن امكانية تغير السياسات السعودية، علينا العودة أولا إلى قضية مقتل خاشقجي. فالقضية لا تزال غامضة إلى اليوم ولم يتم كشف كل تفاصليها من قبل الحكومة السعودية.
فالجثة لا يزال مصيرها غامضاً، والمحاكمة الصورية التي تقوم بها السعودية تفتقر إلى المصداقية وتفتقر لأدنى المبادئ القانونية. فمن وجهة نظر قانونية بحتة كيف يُعقل أن تصدر محكمة ما حكما بإعدام خمسة أشخاص من المتهمين “المزعومين”، دون الكشف عن مصير جثة الرجل ومن هم الأشخاص الذين تعاونوا في إخفاء أو اذابة الجثة؟ وما أدرانا فقد يكون هؤلاء الأشخاص هم ضحايا آخرين من ضحايا السياسات السعودية المتهورة؟ فبحسب الأنباء فالمسؤول الثاني (بعد محمد بن سلمان بحسب إعترافه) عن مقتل خاشقجي، وهو سعود القحطاني حر طليق.
إن افتقار القضاء السعودي للشفافية والمصداقية يجب أن يدفع المجتمع الدولي إلى تشكيل محكمة خاصة على غرار ما جرى في قضية رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. فالقضاء السعودي اليوم يسعى لمحو كافة الأدلة التي تشير بكل صراحة إلى تورط كبار المسؤولين في الدولة في قضية مقتل جمال خاشقجي. وإن كان أحد يعتقد بأن هذه المسألة هي شأن داخلي سعودي، فجوابنا هو: إن قضية مقتل جمال خاشقجي ليست شأنا داخليا بل هي قضية دولية لإن الرجل تمت تصفيته على الأراضي التركية في قنصلية بلاده من جهة وكان يقيم في الولايات المتحدة من جهة أخرى.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من جهته يخطط لإغلاق قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي قبل الانتخابات الأمريكية العام المقبل، بحسب صحيفة الإندبندنت. فهو من جهة يقوم بجولات دولية ومن جهة أخرى سعی جاهداً لإقناع ولاة الدم بشأن قبول الديّة.
وبالعودة مرة أخرى إلى السؤال المحوري الذي طرحناه في بداية المقالة وهو هل تغيرت السياسات السعودية بعد مقتل خاشقجي؟ الإجابة وبشكل قاطع: كلا. بل على العكس تجاهل المجتمع الدولي لهذه الجريمة وتغاضيهم عمّن ارتكبها كانت محفزا لممارسة سياسات أبشع وقمع أوحش للمعارضة السعودية في الداخل. فقد تعرّضت الناشطات السعوديات للتعذيب والإهانة والتحرش الجنسي داخل السجون السعودية. ومن ثم عرضت السلطات السعودية على الناشطة المعتقلة لجين الهذلول “الإفراج عنها” مقابل أن تسجل شريط فيديو تقول فيه إنها لم تتعرض للتعذيب ولا للإساءة الجنسية خلال فترة اعتقالها.
ومن جهة أخرى، شهدت المملكة تنفيذ أحكام بإعدام ما لا يقل عن 134 شخصا في النصف الأول من هذا العام، من بينهم 37 ناشطا سياسيا قُتلوا بشكل جماعي في 23 أبريل/نيسان وفقا لتقرير صادر عن البارونة هيلينا كينيدي حول مراقبة الإعدام والإعدام غير القانوني في المملكة العربية السعودية.
وتقول هيلينا كينيدي إن عمليات إعدام الناشطين السعوديين جاءت بعد “فترات احتجاز طويلة في الحبس الانفرادي، وتعرضهم للتعذيب، وخضوعهم لمحاكمات جائرة”.
على الصعيد الدولي لا زالت السعودية تحاصر قطر وتشن حربا دموية في اليمن، وتستورد السلاح من الخارج.
الحل: الحل هو كما ذكرنا آنفاً تشكيل محكمة خاصة وإن كان لدينا قناعة كاملة بأن من أمر بقتل جمال خاشقجي معروف للعموم وقد تمّ اتهامه سابقا من قبل وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) وبعض النواب في الكونغرس الأمريكي من كلا الحزبين. ويجب أن ننوه إلى أن الفرار من العقوبة سيفتح الشهية لدى ديكتاتوريات أخرى لقمع حرية الرأي والصحافة وهو ما جرى بالفعل بتمديد اعتقال الزميل “محمود حسين” مراسل الجزيرة، من قبل السلطات المصرية واستمرار اعتقال الناشطات السعوديات دون مبرر قانوني أو محاكمة عادلة.
اعتراف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بهذه الجريمة خطوة على الطريق الصحيح لكننا ننتظر أكثر.
وأخيرا ندعو لروحه أن ترقد بسلام ومحبة وأن تتحقق العدالة للزميل “جمال خاشقجي”.
أستاذ جامعي، دكتوراة في القانون
كاتب ومحلل سياسي