ربى يوسف شاهين
تحالفات واشنطن مع شركائها في منطقة الخليج، لم ترتق الى المستوى المطلوب لجهة القرارات التي اصدرتها الولايات المتحدة الامريكية، فيما يتعلق بتأمين الحماية المُطلقة من أي تهديدات. لكن القرارات الأمريكية تُرجمت باستعراض قوة عبر الاساطيل في الخليج العربي، أو منظومات صاروخية لم تُفعل.
فالمشهد الذي رُسم على الارض الخليجية، تماشياً مع القوى الأخرى، والتي تُمثل أمريكا وسلاحها البحري أقواها، بدأت تتراجع اسهمها منذ تعاظم قوة أنصار الله في اليمن، وبروز معادلات ناقلات النفط في مياه الخليج، والتي هددت واشنطن وتواجدها العسكري في تلك المنطقة، فقد تُرجمت هذه المُعطيات بأسلوب التصعيد السياسي، والعنف العسكري في اليمن، وطبعا المتهم الرئيس في ذلك طهران.
هي نوع من الصراعات السياسية التي انتهجتها الولايات المتحدة في حربها مع إيران ومحور المقاومة ككل.
وبعد استهداف أرامكو في بقيق وجريص، وما تلاه من تصريحات سياسية من البيت الابيض وعلى لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، بين الاتهام المشكوك بأمره بأن طهران من نفذت الاستهداف، وبين اعلان التريث في الحُكم لحين انتهاء الاوربيون من التحقيق. الأمر الذي عارضته السعودية وأكدت ان الصواريخ التي اطلقت باتجاه منشأة أرامكو النفطية، انطلقت من إيران او العراق عبر مواقع للحشد الشعبي.
وبين ارتفاع وانخفاض في حدة التصريحات السياسية والردود الدبلوماسية، تبقى إيران في موقف القوي الذي لم يتم إثبات زيف تصريحاتها خلال جميع المراحل التي تخللت واعقبت الخلافات السياسية الامريكية الإيرانية.
والمسؤولين الامريكيين يُدركون ذلك حتى وإن لم يعلنوها بشكل صريح.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية قرأت الواقع السياسي الدولي والاقليمي بشكل جيد، واستطاعت عبر سياستها الخارجية مع امريكا في الحفاظ على كفة الميزان معتدلة بالنسبة لبند الحرب العسكرية، خصوصا ان ترامب بدأ حربه الاقتصادية مع طهران منذ انسحابه من الاتفاق النووي، والذي يُعتبر سبباً كافياً لإعلان الحرب العسكرية على إيران، تحت ذريعة امتلاك طهران للسلاح النووي أو القنبلة النووية، فشن الحروب يقوم على ذرائع واهية كما حدث في الحرب على العراق 2003، وفي هذا الإطار أشار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أن إيران ليست لديها أي رغبة في الحرب، لكننا كما هو الحال دائماً سندافع عن شعبنا وبلدنا.
ما يحدث في الخليج العربي من تساقط لأوراق القوة الأمريكية، هو نتيجة الدور الاقليمي لإيران وتعاظم محور المقاومة ككل، ابتداءا من سوريا مرورا بحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية والحشد الشعبي في العراق، وصولا لأنصار الله في اليمن. هي مفاصل اساسية لا يُمكن فصلها عن بعضها، فكلها تُعتبر في خندق واحد، والداعم الرئيس لها إيران.
تشتت سياسي ارادته واشنطن في منطقة الشرق الاوسط، لتتمكن من تحقيق السيطرة على ما تبقى من دول المحور الممانعة، عبر وكلائها في الخليج العربي، وها هي السعودية تدفع ثمن اعتداءها على شعب اليمن، فقد رأى الكاتب الأميركي في موقع معهد بروكينغز “بروس ريدل” أن “السعوديين فشلوا بالكامل على الرغم من إنفاقهم مبالغ هائلة منذ عام 1991 على الدفاعات الجوية، ووصف الحرب على اليمن بأنها كارثة منذ البداية”، وقال “إن هذه الحرب كانت مكلفة جداً للشعب اليمني وجعلت السعودية في الوقت نفسه عالقة في مستنقع”.
ولان اليمنيين اثبتوا مقدرتهم خلال الخمس سنوات من الحرب عليهم، بأنهم اصبحوا اقوى واقدر على المجابهة، رغم تواجد صواريخ الباتريوت الامريكية في المنطقة، والتي لم تستطع ردع طائرات الحوثيين المُسيرة. خلص بروس ريدل الى أن “مصلحة السعودية تقتضي الخروج من هذا المستنقع عاجلًا وليس آجلًا”.
تراجع المواقف الأمريكية تُجاه طهران، وحتى التفاوض الذي تبديه امريكا مع الحوثيين لأكبر رسالة للسعوديين ان من يربح في الميدان تنحرف له كل القوى، فقد أكد ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط في وقت سابق، بأن ” تركيزنا منصب على إنهاء الحرب في اليمن ونحن نجري محادثات مع الحوثيين في محاولة لإيجاد حل للنزاع”، وهذا ما أكدته صحيفة وول ستريت جورنال في عددها الصادر يوم 27/8/2019، “أن إدارة ترامب تستعد لبدء محادثات مباشرة مع أنصار الله لإنهاء الحرب في اليمن، وأكدت الصحيفة نقلاً عن مصادر مطلعة قولها إن الولايات المتحدة ستحث السعودية على المشاركة في محادثات سرية مع قادة انصار الله في سلطنة عُمان، في محاولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وأوضحت أن المحادثات المزمع عقدها في عُمان تعكس عدم وجود خيارات عسكرية قابلة للتطبيق أمام “التحالف” في اليمن.
في النتيجة، الواضح أن الحروب الاقتصادية تُشكل القوة العظمى في جر اكبر قوة في العالم إلى طاولة التفاوض، وإن بدى المشهد مقلوباً لجهة ان القوة العظمى هي التي تُجبر الاقل قوة للقبول بالتفاوض، فعندما تم تهديد خطوط الطاقة الرئيسية في العالم، ركعت امريكا والسعودية، وبقيت ايران تنتظر خضوعهما، وكذا أنصار الله، فقد تُرجمت قوتهم عبر الإعلان عن قف الهجمات تُجاه المنشآت النفطية السعودية، في انتظار رد الفعل السعودي. وهذا ما أكده عضو المجلس السياسي لانصار الله محمد البخيتي للميادين أن “موازين القوى العسكريةلصالح اليمن، وإذا أوقفت السعودية عدوانها على اليمن سنوقف العمليات على الداخل السعودي”.
كاتبة سورية