الدكتور حسين عمر توقه
هناك ثلاثة أنواع من العلاقات بين الدول المتصارعة العلاقة الأولى هي علاقة الغالب بالغالب أي أن يلجأ الطرفان المتنازعان إلى صوت العقل وإلى الحوار والتفاوض المباشر وتغليب مصلحة الطرفين على أي خلاف والإستعداد للتخلي عن بعض المصالح حفاظا على أمن وإستقرار الدولتين والحفاظ على سيادة كل منهما دونما أي إنتقاص . وينطبق على هذه الحالة القول الشائع الصلح هو سيد الأحكام .
علاقة الغالب بالمغلوب وهي تمثل وقوع المجابهة العسكرية وإنتصار أحد الأطراف المتنازعة وفرض شروطه على الطرف المهزوم المغلوب على أمره وسلبه حريته ومقومات سيادته .
أما العلاقة الثالثة فهي علاقة المغلوب بالمغلوب وتتمثل في تغليب صوت المدافع على صوت العقل والإستمرار في حرب إستنزاف لا ترحم تؤدي إلى تحطيم البنية التحتية والبنية الإقتصادية وتعريض أرواح الأبرياء إلى القتل والتشريد بحيث يخسر الطرفان على حد سواء عسكريا وأمنيا وإقتصاديا وإنسانيا .
هناك المئات من الأقمار الصناعية الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية والفرنسية والروسية والصينية التي تغطي منطقة الشرق الأوسط وتستطيع أن تلتقط صورة لرقم أي سيارة في أي مدينة عربية بالإضافة إلى طائرات الإيواكس .
وهناك قاعدة دييغو غارسيا الأمريكية في جنوب المحيط الهادي وهي من أكبر قواعد التجسس في العالم ويمكنها متابعة مسار أي صاروخ من لحظة إنطلاقه حتى وصوله إلى هدفه النهائي . كما أن هذه القاعدة يمكنها متابعة مسار أي طائرة مسيرة رغم تزويد هذه الطائرات بمجسات حسساسة تكفل لها الطيران فوق إرتفاعات منخفضة بحيث تتناغم وتتأقلم مع طبوغرافيا الأرض التي تطير فوقها وتحافظ على نفس الإرتفاع فوق الجبال وفي الوديان والسهول المنبسطة وعلى علو منخفض تعجز محطات الرادار عن كشفها .
معظم هذه الدول تعرف من أين أنطلقت الصواريخ و الطائرات المسيرة التي أطلقت بإتجاه منشآت النفط في السعودية في بقبق وخريص التابعة لشركة أرامكو والتي تسببت بأضرار بالغة تمثلت في تقليص إنتاج السعودية اليومي بخمسة ملايين برميل أي ما يعادل نصف إنتاج السعودية الذي يتراوح ما بين 10 ملايين برميل إلى 12 مليون برميل وهو الإنتاج المعلن عنه .
السؤال الأول الذي يطرح نفسه إذا كانت هذه العملية ناجمة عن 18 طائرة مسيرة وسبعة صواريخ سكود أربعة منها فقط أصابت أهدافها قد تسببت بهذا الكم الهائل من الدمار وأدت إلى خسارة خمسة ملايين برميل فما بالك إذا وقعت حرب شاملة وتم إطلاق آلاف الصواريخ المجنونة ومئات من غارات الطائرات وتم إستهداف البر والبحر والجو والأهداف الإستراتيجية والبنية التحتية فما هي الأضرار التي ستتكبدها الأطراف المتحاربة والدمار الذي ستشهده منطقة الخليج العربي .
أما السؤال الثاني الذي يسأله كل مواطن سعودي وعربي أين هي أنظمة الدفاع الجوي السعودية بل أين هي بطاريات صواريخ باتريوت التي بلغت تكلفتها مئات المليارات من الدولارات . وما هو السر في الإستمرار في حرب الإستنزاف في اليمن التي لا تغني ولا تسمن فهي أشبه بمستنقع آسن.
ولماذا صرح الرئيس الروسي بوتن في هذا الوقت بالذات عن استعداد بلاده لبيع السعودية منظومات الدفاع الجوي إس إس 300 وإس إس 400 وهل ستسمح الولايات المتحدة للسعودية بشراء هذه المنظومات الدفاعية الروسية، علما بأن هناك سابقة في عهد الأمير بندر بن سلطان حين كان يشغل منصب سفير السعودية في واشنطن دي سي الذي تمكن من إجراء مفاوضات سرية مع الصين وتمكن من شراء صواريخ صينية (رياح الشرق) العابرة للقارات والتي يصل مداها ما بين 2500 كيلومتر إلى 3500 كيلومتر عام 1988.
غريبة حقا هذه الدنيا … في كل يوم تطالعنا نهفة جديدة مضحكة ومبكية . ولعل أغربها وأكثرها إيلاما وقسوة هذا النفاق والكفر السياسي التي تتمثل في مهازل تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال عام من الزمان
“سوف أقضي على إيران وأمحوها… سوف أسويها بالتراب”.
“أنا لا أعادي الشعب الإيراني ولا أود الإضرار بهم …. سوف أقضي على حكام إيران وأبيدهم”.
“نحن لسنا في حالة حرب مع قادة الجمهورية الإسلامية… نحن نسعى لتغيير النظام في إيران فقط).
“نحن لسنا بصدد تغيير النظام في إيران… نحن نسعى لأن يقوم النظام بإيجاد إصلاحات شاملة فيه”.
“إذا كان النظام الإراني يتمنى أن يجلس معنا على طاولة الحوار… عليه أن يقوم أولا بإصلاح نفسه… ونحن لدينا 12 شرطا للمفاوضات”.
“النظام الإيراني ليس نظاما سيئا نحن مستعدون للحوار معه هذا رقم هاتفي المباشر متى ما شاؤوا عليهم أن يتصلوا بي “.
“نحن مستعدون للتفاوض بدون أي شروط مسبقة .. إن إيران وأمريكا لديهم مصالح مشتركة … والحرب ليست في صالح أي من البلدين … نحن لا نسعى للحرب ونطلب من إيران ألا تسعى لذلك ” .
ترامب بعد سقوط طائرة التجسس المتطورة المسيرة: “أنا أشكر الحرس الثوري … لأنهم لم يقوموا بإسقاط الطائرة الثانية التي كانت تقل 38 شخصا”.
قبل أسبوع: “إن الولايات المتحدة لا تريد حربا مع إيران وان الوسيلة الدبلوماسية لا تُستنفذ أبدا عندما يتعلق الأمر بإيران”.
“أعتقد أن جزءا كبيرا من المسؤولية يقع على السعودية في الدفاع عن نفسها وإذا كانت هناك حماية منا للسعودية فإنه يقع على عاتقها أيضا أن تدفع قدرا كبيرا من المال”.
إننا كمواطنين عرب ومسلمين نسأل أنفسنا ونسأل قادتنا رغم أن سؤالنا قد يدلل على بعض من سذاجتنا فاغفروا لنا بساطة طرحنا ونحن نسأل أهم وأخطر سؤال في تاريخ أمتنا، لماذا لا تقوم االدول المسلمة والدول العربية بمحاولة الإصلاح بين إيران وبين السعودية ولماذا لا يتم توجيه دعوة إلى الدول المتنازعة في عقد لقاء بين الدولتين وتحقيق إتصال مباشر بينهما.
نحن نعلم أن الولايات المتحدة وإسرائيل تريد إيقاع شرخ بين السعودية وبين إيران أو بعبارة أوضح بين المعسكر السني والمعسكر الشيعي وإذا كانت الولايات المتحدة لا تسمح بالتوجه نحو تقارب بين الدولتين فلقد آن الأوان أن نتمسك بسيادتنا وحريتنا في إختيار ما هو أفضل للحفاظ على أمننا القومي والتمسك بإستقلالنا ورسم سياستنا والحفاظ على شعوبنا من هاوية الحرب .
الكل يعلم أن أي مجابهة بين المعسكرين سوف تأكل الأخضر واليابس وسوف تعرض كل دول الخليج إلى إنهيار إقتصادي وإنهيار سياسي لم يسبق لهما مثيل وسوف تعرض بعض الدول إلى محاولات لتغيير أنظمة الحكم.
ولا ننسى إن التهديدات الصادرة بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني تدرك أن المسافة التي تفصل بين البلدين تبلغ 1500 كيلومتر أي أنه لا وجود لحدود مشتركة وأن أي حرب مستقبلية إذا فشلت حروب الإنابة فسوف تكون حرب صواريخ عابرة للقارات تتم فوق الأراضي العربية وبالذات المملكة السعودية ودول الخليج أي أن هناك مثلثا من الرعب يخيم على إيران والسعودية وإسرائيل ولقد أخترنا هذا الوصف نتيجة إطلاعنا على ترسانة الصواريخ المتوفرة لدى كل من إسرائيل وإيران . رغم ثقتنا المطلقة بأن إسرائيل غير مستعدة لخوض أي حرب مع إيران .
الصواريخ الإسرائيلية: في شهر أيلول عام 1979 تم إيقاظ رئيس الولايات المتحدة جيمي كارتر بعد منتصف الليل وتم إبلاغه أن إسرائيل قد قامت بمساعدة جنوب إفريقيا بإجراء تجربتها النووية الأولى الناجحة في جنوب المحيط الأطلسي.
واليوم وبعد مرور تسعين عاماً أصبحت إسرائيل تضم في ترسانتها النووية 400 رأس نووي بالإضافة الى أحدث الطائرات والصواريخ والغواصات بحيث تستطيع إيصال هذه الرؤوس النووية الى حدود تتجاوزر الحدود العربية كما أن هناك نوعين من الصواريخ من حيث إطلاقها الصواريخ الباليستيكية أرض – أرض التي تطلق من محطات أرضية ثابتة وهناك الصواريخ المحمولة بواسطة عربات خاصة.
توجد أربعة أنواع من الصواريخ الباليستية في ترسانة الصواريخ الإسرائيلية وهي صواريخ ” لانس ” الأمريكية وصواريخ “أريحا – 1 وأريحا -2 وأريحا – 3 “.
وإن صاروخ “أريحا – 3 ” قادر على حمل رؤوس نووية. كما أن إسرائيل قد نجحت في إطلاق صواريخ ” شافيت ” القادرة على إطلاق الأقمار الصناعية في المسارات العلا من أجل استخدامها في عمليات التجسس في شتى بقاع العالم.
إن إسرائيل تضم في شبكاتها الدفاعية صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية ولعل أشهر هذه الصوارخ هو صاروخ ” حيتس أو السهم ” الذي تم تطويره خلال جهود مكثفة من البحث والتطوير والتعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة استغرقت أكثر من عشر سنين وهذا الصاروخ مصمم من أجل إعتراض الصواريخ الباليستة أرض – أرض وتفجيرها.
كما أن الولايات المتحدة قد قامت بتزويد إسرائيل بصواريخ “باتريوت”
منذ عام 1990 وذلك لمواجهة صواريخ سكود العراقية . بالإضافة الى تزويد إسرائيل بصواريخ من نوع ” نوتيلوس ” والتي تعمل على نظام الليزر من أجل مواجهة صواريخ الكاتيوشا التي كان يستخدمها حزب الله ضد إسرائيل.
وهناك نظام دفاعي أدخل الخدمة في النصف الثاني من عام 2010 إسمه “القبة الحديدية ” وهو مخصص لصد الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية من عيار 155ملم وتشمل المنظومة جهاز رادار ونظام تعقب وبطارية مكونة من 20 صاروخ اعتراضي تحت مسمى ” تامر” حيث تم نشر هذا النظام في معظم أرجاء إسرائيل .
الصواريخ الإيرانية:
تضم إيران في ترسانتها العسكرية مجموعة من الصواريخ:
النوع الأول : هو صواريخ ( ذات مدى ما فوق المتوسط ) وهي الصواريخ التي يبلغ مداها بين 3000 كلم و 10000 كلم وهذه الصواريخ هي”صاروخ بدر-110″ يصل مداه الى 3000 كلم وصاروخ ” شهاب 4 ” يصل مداه 2500-4500 كلم وصاروخ ” شهاب 5″ يصل مداه 6000 كلم وصاروخ “شهاب 6″ عابر للقارات يصل مداه 10000كلم وصاروخ ” سجيل ” من أحدث الصواريخ ولكن المعلومات المتعلقة به غير موثقة استخباريا.
النوع الثاني: صواريخ متوسطة المدى يتراوح مداها بين 1000 و3000 كلم وهي صاروخ “شهاب 3” وصاروخ “فجر 3”
النوع الثالث: صواريخ قصيرة المدى لا تزيد على 1000 كلم وهي صاروخ “شهاب 2 ” يصل مداه 750 كلم يعتمد في تصميمه على صاروخ سكود وصاروخ ” شهاب 1 ” يصل مداه 350 كلم وصاروخ “فاتح ” يصل مداه 200 كلم وصاروخ “زلزال 3 ” و”زلزال 2″ يبلغ مداهما 200 كلم “وزلزال 1″ و”فجر 5″ و”فجر 3″ و”فجر 2″ و صاروخ ” أوغاب “
وهناك مجموعة من أنظمة الدفاع الجوية الصاروخية المحمولة وهي “ميثاق 2″ و” ميثاق 1″ وهي تطوير للمنظمة الصينية ( كيو 1 فانجارد) وهناك المنظومة ” سام 7 غريل” و”تور إم 1″ وهي منظومة روسية الصنع لحماية المنشآت النووية من خطر المقاتلات المعادية. بالإضافة إلى الحصول على صواريخ إس إس 300 الروسية .
ولعل ما يقلق الإدارة العسكرية الإسرائيلية والأمريكية وأجهزتهما الإستخبارية هو محاولة التأكيد على نوعية الصواريخ التي اشترتها إيران من أوكرانيا في عهد الرئيس ” فيكتور يوششنكو ” عام 2005 وهي صواريخ من طراز إكس – 55 هل هذه الصواريخ مجهزة برؤوس نووية أم غير مجهزة وإن الإجابة على مثل هذا السؤال سوف تؤدي لا محالة الى عملية تقييم شامل للموقف الإستراتيجي للولايات المتحدة ولإسرائيل .
وفي النهاية لا بد وأن تتكون لدينا قناعات لعل أهمها أن الولايات المتحدة لن تقوم بشن حرب على إيران من أجل إسرائيل أو من أجل المملكة العربية السعودية . رغم أن الجيوش الأمريكية تحيط بإيران من جهات العراق وأفغانستان والخليج العربي وبحر العرب. كما أن الولايات المتحدة لديها قواعد جوية وبحرية وبرية قريبة جدا من إيران كما أن غواصاتها المنتشرة من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب وامتدادا لقاعدة دييغو غارسيا بالإضافة الى وجود قيادة الأسطول الخامس في مملكة البحرين ووجود عدد من القواعد الجوية في بعض دول الخليج ولعل أبرزها قاعدة “عيديد الجوية” في قطر.
كما أن هناك المئات من الخرائط الإستراتيجية والتي تم تسريبها قبل أربعة أعوام والتي تم من خلالها تحديد الأهداف الإستراتيجية والمواقع العسكرية وقواعد الصواريخ وأماكن المنشآت النووية الإيرانية والقواعد الجوية والدفاعات الجوية وقيادات الحرس الثوري والجيش الإيراني والموانىء الإيرانية ومصادر النفط والطاقة والتي يتم مسحها ومراقبتها يوميا من قبل الأقمار الصناعية الأمريكية بمعدل مرة واحدة كل أربع ساعات والتي تشكل الأهداف الرئيسة للولايات المتحدة.
وكما أسلفنا فأن إسرائيل لوحدها لن تقوم بشن حرب على إيران من أجل المملكة العربية السعودية.
وفي النهاية لماذا لا نتخذ القرارات التي تحافظ على سيادتنا وأمننا القومي بدل أن تُفرض علينا قرارات ظالمة لا تصبفي مصلحة أمتنا من قبل الولايات المتحدة . نحن نعلم أن إيقاع الشرخ بين المعسكر السني والمعسكر الشيعي هو ما تسعى إليه الولايات المتحدة وإسرائيل.
إن الحل المناسب للمأزق السعودي الإيراني وتفادي المأساة والمجابهة العسكرية يكمن في اللقاء المباشر بين أطراف النزاع السني والشيعي والجلوس على طاولة المفاوضات كي نصل إلى علاقة الغالب بالغالب عندها فقط تنتهي المأساة في سوريا وينتهي النزاع المميت في اليمن وتتوقف كل مقومات الصراع في الخليج العربي ونحافظ على ثرواتنا الطبيعية من النفط والغاز والأهم من كل ذلك الحفاظ على الإنسان المسلم والإنسان العربي من الهلاك.
كاتب اردني وباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي