نادية عصام حرحش
الرواية الدينية بموضوع قوم لوط، تتكلم عن تحذيرات النبي لوط لقومه الذين رفضوا التوقف عن إتيان الفاحشة فبغوا فضربهم الله بطوفان وبلعهم وقيأهم في قعر بحر صار ميتا.
منذ الربيع العربي ونعيش كشعوب عربية تحت عواصف تنقلب تدريجيا الى طوفان لا يمكن ان يبقي منا شيئا إذا ما استمرينا بالرقص تحت الامطار ظانين ان امطار الصيف تبرد فقط من حرق الصيف اللاذع.
في محاضرة لوزير الخارجية السعودي- الجبير- بمعهد امريكي قبل أيام، خاطب الحضور متفاخرا بعلاقة أمريكا بالسعودية منذ ثماني عقود. جاء على لسانه ان دولته تعاونت مع أمريكا لإسقاط عبد الناصر ومختلف ثورات الشرق بالسبعينات والثمانينيات. وتكلم عن تعاون السعودية مع أمريكا بتحويل مصر من المعسكر السوفييتي الى الغربي وكذلك في الصومال، وعملهم معا في أفغانستان…
طبعا، نحن لسنا بحاجة لاعتراف كهذا لنفهم دور السعودية في المنطقة. فكل شيء يتكشف منذ مجيء بن سلمان الابن الى الساحة السيادية. متلازمة ترامب تضرب بالسعوديين تحديدا، وبالخليج والعالم بلا هوادة. كما تضرب متلازمة داعش بعقول الشعوب العربية وتحوله الى فتات قبلي رجعي عنصري إرهابي.
ربيع تحول الى امطار بدأت تتحول غيومها إلى طير ابابيل وترمينا بحجارة من سجيل، في محاولة ربانية أخيرة ربما لتحذيرنا قبل ان يبلعنا الطوفان. شعوب تأكل بعضها البعض. قصم بين محاور متباعدة متنافرة متناحرة، كانت قبل لحظات فقط متماسكة متلاحمة. عملية فصل ظفر عن لحم…هذا هو شكلنا الحالي.
قبل عدة أيام قصف الاحتلال الإسرائيلي سماء دمشق وبيروت. -حتى عندما اكتب هذه الكلمات أقول في نفسي يا إلهي، كيف وصلنا الى يوم صارت فيه إسرائيل تقصف سماء العواصم العربية بلا خوف او خجل، على العلن؟ ـ ولكن كيف لا تفعل إسرائيل هذا، وحالنا هو ما يؤكد ان الأرض والسماء لا تتسع سطوة إسرائيل التي منحناها لها بوصولنا الى هذه المرحلة من القصم فالانهيار.
خرج السيد حسن نصر الله بخطاب مهم آخر، في وقت تزامن فيه إعلانات الدول العربية بعبارات واضحة تؤكد فيها حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها (كما جاء على لسان وزير الخارجية البحريني)، وسكوت قاتل للكل العربي، واصوات مفرقعات من الاعلام، يخرج فيها اعلامي مصري (عمرو اديب) ليتكلم تعقيبا على اعتداء إسرائيل بقصف بيروت ودمشق ان حزب الله يأخذ الشعب اللبناني رهينة له!
في فلسطين، الأصوات الكارهة الحاقدة على السيد حسن نصر الله، حدث ولا حرج. فحسن نصر الله الشيعي، الإيراني الفارسي الولاء لا يمكن الا ان يكون مجوسيا متنكرا من اجل القضاء على الإسلام السني العامر بالفكر الوهابي الذي تدعش وعشعش برؤوسنا مكان المخ. كيف وصلنا الى ان يكون الكره الطائفي أهم من كرهنا للاحتلال الإسرائيلي وافعاله الاجرامية؟
المصيبة، اننا صرنا جزء من ديباجة الكره المصنوعة خصيصا من اجل الطائفية السنية الشيعية، على الرغم من عدم وجود الشيعة أصلا في فلسطين، الا بأعداد ربما لا تتعدى الأصابع. كيف تحول نصر الله الى قاتل أطفال سورية، وهو نفسه الذي هز مضاجع الكيان الصهيوني وكبدهم هزيمة مؤكدة في ٢٠٠٦؟ إذا ما راجعنا تاريخنا منذ الاحتلال، فإن الهزيمة الوحيدة التي عاشها الاحتلال كانت على الحدود اللبنانية مع حزب الله في ٢٠٠٦. (مع التحفظ على القراءة التاريخية لحرب ال ٧٣). نحن شعب خسرنا الكويت من اجل ضربة صاروخ صدام نحو فضاء إسرائيل! كيف يصبح السيد حسن نصر الله عدونا؟ الا يوجد في فن السياسة الإنسانية مبدأ “عدو عدوي صديقي؟” كم بنينا ولاءات وصفقنا وهللنا من اجل شخصية لوحت باسم فلسطين للترويج الانتخابي؟ فكيف ومتى أصبح السيد حسن نصر الله عدونا، في وقت يقف فيه حزب الله كالشوكة في حلق الكيان الصهيوني الذي يمتد الى احشاء الجسد العربي من كل الأماكن المتاحة!
لا يزال البعض يردد شعارات “ادلب تختنق وحلب تحترق” على الرغم من تكشف الحقائق بقدر نصاعة اللون الأبيض الذي اختبأت وراءه الخوذ البيضاء. ما قام به الجيش العربي السوري بحماية مستميتة لإبقاء سورية صامدة لا يمكن ان يرى الا بعين التقدير والاحترام. نعم ارتكبت الدولة السورية الأخطاء على مدار سنوات المؤامرات والتفتيت والإرهاب بحق الدولة السورية، ولكن صمود سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد صمود دولة وشعب يحكمها أسد. ويكفي ان نفهم كفلسطينيين، ان قصف إسرائيل لسورية، ودعمها للمعارضة السورية واحتضانها، وفتح مشافيها لجيش النصرة وداعش ليس الا تأكيدا على ان الأسد ونصر الله يقفان في المكان الصحيح من معادلة الحق والباطل هنا. كيف لنا كفلسطينيين الا نقف كوحدة واحدة مع الجيش العربي السوري وحزب الله، في وقت نشهد ونرى ونعيش حرب إسرائيل ضدهم ودعمها لمن هم ضده؟
كيف لنا الا نفهم ما يسمى جرائم نظام في وقت تحاول المرتزقة من اتباع داعش واخوانها السيطرة على مدن وقرى سورية؟ نحن نرتعب من فكرة “اسلمة الحكم” في اوطاننا عندما تخرج فتوى تؤرق حرياتنا، فكيف يمكن ان نقبل بأن تحكم أي دولة بداعش واخوانها؟ كيف نقبل ان نصدق ما تنشره أمريكا والسعودية وحلفائهم من اخبار، في وقت نعرف ونعلم ونعي تماما كذبهم ونواياهم ضدنا؟ رأينا دور “الجزيرة” في القصف الأخير على دمشق وبيروت. لم يمر حتى الشريط الاخباري بالنبأ.
يهزؤون من تهديد السيد حسن نصر الله لإسرائيل؟ والله يكفي انه لوح بيده محذرا لنقول ان الرجل انتصر عليهم وأرهبهم. كم نحتاج في هذا الوطن المستباح الى قائد يصدق قوله، ويفهم لعبة السياسة، ويعرف كيف يتكلم لغة الحروب والدبلوماسية. كم نحتاج الي قائد يهدد ويهول ويحذر، ولا تمسك به حمية اللحظة من تصفيق وتمجيد لان يتصرف باعتباط وبلا تكتيك.
احتاج السيد حسن نصر الله ان يقول للإسرائيليين “قفوا على رجل ونص” ليقفوا بزوايا ملاجئهم منتظرين ضربة لا يعرفون حجمها ولا مصدرها ولا زمنها. ننتظر دوما حربا يشنها لنا الآخرون، وانتصارا يحققه باسم قضيتنا الاخرون. ونسينا، ان دور السيد حسن نصر الله، بغض النظر عن اماله بتحرير فلسطين، مرتبط بالحفاظ على حدود لبنان. وهذا يكفينا كفلسطينيين. لان تحرير فلسطين عملنا نحن. ونحن منشغلون بسلطة فاسدة، افسدتنا، وانستنا من نحن. فنسينا اننا شعب تحت احتلال، كان جل اهتمامه في الحياة هو التحرر، وصار أكبر تمنياته اليوم هو المرور من حاجز والحصول على راتب اخر الشهر لتأمين قرض. ونجلس خلف الشاشات ننشطر في فضاء سيخنقنا قريبا.
نخاف ان يكون مصيرنا كقوم لوط ويبتلعنا الطوفان ويحولنا الى ملح يميت بحر، فحاربنا المثلية على انها الفاحشة، ومارسنا كل أنواع الفواحش والبغي عندما صرنا مستعدين قتل اخينا اذا ما اختلفنا معه وتقديمه قربان ولاء لعدونا. فأي فاحشة اكبر نرتكبها….أيا قوم لوط!
كاتبة من القدس