نادية عصام حرحش
انقلبت مواقع التواصل رأسا على عقب هجوما على عضو الكونغرس الأمريكي من أصل فلسطيني رشيدة طليب. لم يكن وقتا بعيدا، انقلاب مواقع التواصل الاجتماعية فرحا ودعما لطليب عندما حلفت يمين تعيينها بالكونغرس بينما كانت ترتدي ثوبا فلسطينيا، وتتويجها كأيقونة محررة.
بين الامس وقرار ارتداء رشيدة الثوب الفلسطيني بالكونغرس، وبين اليوم وقرارها زيارة بلدتها بفلسطين وارسالها برسالة استرحام لوزير الداخلية الإسرائيلية لزيارة قريتها من اجل رؤية جدتها المسنة والتزامها بعدم الخوض بموضوع المقاطعة. أي ان زيارتها إنسانية فقط. وتكسير الايقونة على رأسها واعتبارها خسيسة.
كانت قد أعلنت رشيدة طليب مع زميلتها ايهان قبل أسابيع رغبتهما بالقدوم الى فلسطين\ إسرائيل للتأكيد على ممارسات إسرائيل العنصرية ضد الفلسطينيين. لم يكن غريبا ان تمنع إسرائيل النائبتين الامريكيتين من الدخول الى “أراضيها”، بوقت يحكم أمريكا الرئيس ترامب. فموقفه واضح تجاه إسرائيل، فهو مع ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية بدعم تام، حتى ولو مست هذه الحكومة هيبة أعظم دولة في العالم. بالمحصلة، فان النائبتين تشكلان ازعاجا للرئيس الأمريكي ولا يعترف بهما شخصيا ولكنهما مفروضتان عليه. فما قامت به إسرائيل من منع لا يقدم الى ترامب الا هدية.
بالعادة، قد يكون مجرد منع النائبتان من الدخول هو الفضيحة الأكبر. قد تكون هذه الخطوة بمثابة ضربة بالإعلام الأمريكي. للإنسان الأمريكي العادي الذي لا يعرف من العالم الا ما تنقله شبكات اعلامه الموجهة، واعتقاده انه سيد العالم. والنائبتان تشكلان هيبة الدولة الامريكية التي اهانتها إسرائيل.
ولكن، يبدو ان جينات رشيدة طليب الفلسطينية حنت الى قريتها، واصرت على الدخول تحت أي شرط. ربما بالفعل كذلك، توجب عليها القدوم من اجل لقاء أخير لجدتها المسنة. فمهما حاولنا وضع الناس في قوالب مقدسة او خارقة، بالنهاية هؤلاء الناس بشر، لهم عائلات، وأحبة، وواجبات وحقوق تنطلي على حياتهم اليومية كما بحياتنا نحن البشر المنتظرون للشخوص الخارقة.
وهنا يبدو ان الجين الفلسطيني غلب الجينات المكتسبة الامريكية، فوجدت رشيدة طليب نفسها تتوسل من اجل العبور.
رشيدة طليب لا تختلف عن أي فلسطيني يحتاج ان يمر عن حاجز، فيعمل ما بوسعه من اجل الحصول على تصريح.
استثناء هم الفلسطينيون الذي لا يريدون العبور عن حاجز، وقد يكونوا غير موجودين أصلا. ولكن هناك قاعدة لا يمكن ان نتغاضى عنها، وهي تلك المتمثلة بصك العبور الذي تسمح به إسرائيل. لا يوجد من هو وطني ومن هو اقل وطنية بهذا. يوجد حاجة للمرور او العبور يتطلبها الموقف، وسيدها واحد: جندي إسرائيلي. وفي حالة رشيدة طليب، سيد الموقف هو وزير الداخلية الإسرائيلية. ولا فرق بين الجندي والوزير هنا في الحط من هيبة الانسان الفلسطيني مهما علا شأنه وتغيرت جنسيته، فأعلى من يتخذ القرار بشأنك هو عسكري برتب مختلفة.
لن يكون غريبا، ان تكون الرسالة التي كتبتها طليب من اجل الدخول الى “إسرائيل” معدة مسبقا وبالكلمة من قبل وزارة “الدفاع” الإسرائيلية. هل لنا ان نتخيل فقط الآلاف من رسائل الاسترحام التي يكتبها الفلسطينيون من اجل العبور، ويتم منحها بالمقابل تحت اسم “الإنسانية”؟
وقعت طليب بلا شك في شرك نصب لها بخباثة صهيونية معتادة. وتم استخدامه ضدها بتلقائية وسط نهج صهيوني ممتهن ولا يحتاج الى حنكة.
ولكننا، دائما ننجح ان نقدم للاحتلال إنجازات لا يتوقعها، وهو الهجوم الشعبي على المرأة، وكأنها باعت فلسطين.
منذ لحظة تحميل رشيدة طليب مسؤولية تحرير فلسطين من الكونغرس، كان الاندفاع كما كل مرة نحو الهاوية. لم نعبأ لفكرة ان المرأة لا يمكن لها ان تشغل أكثر من منصبها الذي تمليه عليها قواعد العمل في أمريكا بهذا الشأن. تم انتخابها من اجل مجموعة من الناس الأمريكيين في مكان ما تعيش به، لم يكن منتخبوها فلسطينيون، ولم تكن حملتها الانتخابية متعلقة بتحرير فلسطين. وهذا هو الطبيعي. ولكننا تأملنا، كعادتنا، لأننا كالغريق المتعلق بقشة، وهذا عادي كذلك.
وبين توقعاتنا وامالنا من طليب، وبين حقيقة ما تستطيع طليب ان تكونه تكمن المصيبة.
وردة افعالنا في كل مرة هي المصيبة الأكبر، فبتدشينها ايقونة فلسطين على مقاعد الكونغرس من خلال ثوب ملأنا فيه نشوة انتصاراتنا في ظل انهزام محتم نعيشه، قد نكون السبب في تعطيل مهمتها الأساسية وتحويلها الى مدافع عن القضية الفلسطينية في منبر ليست القضية الفلسطينية هي هدفه الدائم. مجرد عنوان ضمن مئات او الالاف العناوين. كنا بحاجة لعضو كونغرس فلسطيني بلا شك، فهو بالتأكيد إضافة لنا كفلسطينيين، نكسر من خلالها فكرة التخلف والإرهاب الموسومة بنا. كان سيذكرهم دائما وجود امرأة فلسطينية بالكونغرس، ان الفلسطيني له ابعاد واشكال غير تلك التي ترسمها حكومتهم عنا. ولكن قبلت طليب ان ترتدي عباءة “الأيقونة” وريما صدقت ان وجودها بالكونغرس سيحرر فلسطين. لو كنت مكانها لأخذتني النشوة الى التصديق. فتحولت المرأة بقدرة قادر الى ايقونة التحرير بمجرد لبسها لثوب فلسطيني بالكونغرس!
الحرب العشواء المقامة ضدها اليوم من الفلسطينيين، تقول كذلك ان العطب في الجين الفلسطيني آخذ بالازدياد. فنحن بحاجة الى العشرات من رشيدة طليب بالكونغرس. وشطبنا عن الوحيدة هناك كمن يطلق النار على قدمه من جديد. كم سهل ان تنسى طليب بعد هذه الهجمة الشعواء عليها أي صلة لها بفلسطين؟ كم سهل ان يحتضنها الصهيوني الملازم لها كظلها في كل وجهة تنظر اليها؟ كم سهل ان تركز فقط على قضاياها الامريكية بلا عناء ولا اهتمام لقضية يهجم أصحابها كالوحوش المتعطشة لضحية ونهشها عند كل زاوية؟
نفس الناس الذين توجوها أيقونة هم الذين ينزلونها الى قائمة اراذل البشر اليوم. فهل يعني هذا انكم كمشاعركم بعيدون كل البعد عن الفهم بالسياسة وما تطلبه؟ ام أنتم مجرد منافقون مطبلون لكل مرحلة، لا تختلفون عن النظام السائد من التطبيل نحو هتافات فارغة نرفضها بالعلن ولا نتوانى عن استخدامها كلما احتجنا لها.
من منكم بلا حاجة لصك عبور يمنحه الإسرائيلي.. فليرجمها!!!
كاتبة من القدس