صابر عارف
مضى نصف عام منذ شباط فبراير الماضي ولم يتقاضى الموظف الفلسطيني راتبه الشهري كاملا بعد أن قررت السلطة الاكتفاء بصرف نصف الراتب إثر الأزمة المالية العاصفة التي مازالت قائمة ومدمرة للاقتصاد الوطني الفلسطيني في أعقاب القرار الاسرائيلي باقتطاع ما يصرف للشهداء والأسرى من أموال المقاصة الفلسطينية عندما قررت ذلك وبقانون صادر عن الكنيست يصعب التراجع عنه فيما لو ادركت الحكومة الاسرائيلية لاحقا، حجم المخاطر التي قد تهدد السلطة المستهدفة التي تعتمد عليها امنيا في الكثير من المهام.
خصم واقتطاع قيمة المبالغ التي تدفع للشهداء والأسرى فخر الوطن واصحاب الفضل الأول والاخير في تاسيس وتشكيل السلطة الفلسطينية وكل انجاز فلسطيني، يهدد بقاء ووجود السلطة الفلسطينية، وخاصة في ظل المهام والوظائف الامنيةالتي تقوم بها كمهمة التنسيق الأمني وما يعنيه ويقتضيه من حماية للإحتلال.
لا شك اننا نمر بمرحلة شبيهة ببداية تسعينات القرن الماضي عندما فرض الحصار المالي على الثورة الفلسطينية بحجة دعمها للعراق في مواجهة امريكا وحلف الغرب والعرب ضدها، بما في ذلك الحصار المالي العربي حتى ان منظمة التحرير الفلسطينية عجزت عن صرف رواتب مناضليها، ودفعت دفعا لمفاوضات مؤتمر مدريد عام ١٩٩١ م ومؤتمر واتفاقيات أوسلو المذلة.
انها أخطر أزمة مالية تواجهها السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها في العام ١٩٩٤ م أدت إلى ارتفاع إجمالي ديونها المالية لثلاثة مليارات دولار أمريكي، في ظل انكماش غير مسبوق للاقتصاد الفلسطيني على صعيد النمو المتوقع، فضلا عن تدهور اقتصادي نتيجة تراجع مستوى المشاريع الدولية وتوقف المشاريع الممولة من الولايات المتحدة الأمريكية.
انه لأمر طبيعي هذا العجز والانهيار المنتظر اذا ما استمر الحال واذا ما استمرت هذه السياسة الاقتصادية التي تقوم على دعم الدول المانحة التي لا تآتمر الا باوامر محتلينا الكيان الصهيوني، السياسة الاقتصادية التي لم تؤسس يوما لاقتصاد فلسطيني مستقل!! فكيف يمكن ان يكون ذلك في ظل سياسة كهذه؟؟!!
رأى مختصون ومراقبون للشأن الفلسطيني، أن السياسات الاقتصادية التي تتبناها السلطة في الضفة الغربية المحتلة، تتسبّب بشكل مباشر بتردّي الأوضاع المعيشية للمواطنين الفلسطينيين؛ لا سيما في ظل استحواذ الأجهزة الأمنية على “نصيب الأسد” من الموازنة العامة بما يزيد عن ٢٨‰ من الموازنة العامة، وهو ما يعادل ما يصرف على الصحة والتعليم معا. ومع استمرار الهدر في النفقات الحكومية دون مساءلة قانونية، ومع استمرار سياسة الفساد التي تنخر النظام السياسي ورجالاته سيتضاعف الوضع من سيء لاسوا .
ما كان لسلطة اوسلو ايا كان المنحدر الذي وصلت اليه الا أن ترفض السرقة الاسرائيلية لانها طالت أصحاب الفضل الأكبر في ايصال هؤلاء لكراسيهم، عدا عن أن ما تقوم به اسرائيل هو خرق فاضح وفادح لنصوص اتفاق اوسلو الذي مزقته منذ العام ١٩٩٩ م عندما رفضت الدخول بمفاوضات الحل النهائي في نفس العام واجتاحت قواتها العسكرية مناطق،، أ،، والمدن الفلسطينية مع مطلع العام ٢٠٠٠ م لتعيدها للسيادة والأمن الإسرائيلي الاحتلالي بدلا من السيادة الفلسطينية حسب الاتفاق المشؤوم!! .
مع ان رفض السلطة للموقف الاسرائيلي كان نتيجة وضرورة وطنية لا تستطيع الا ان تتخذه للأسباب التي ذكرنا، الا انني أرحب وأتمسك به وأدعو لمزيد من الالتفاف حوله كأحد اشكال الصمود والمقاومة التي لا بد منها والتي فرضها الواقع الملموس ، ومع صعوبة وقساوة الأمر نظرا للغلاء الفاحش وصعوبات الحياة واستحقاقاتها الا انني أستغرب أشد الاستغراب حالات التذمر والشكوى التي بت المسها هنا وهناك وممن يرفعون الشعارات الوطنية، فللحرية ثمن لا بد من دفعه سلفا، والا كيف ستتحرر الاوطان !! ولعل ازمة الثقة في مصداقية السلطة الفلسطينيةطيلة السنوات الماضية هو السبب الرئيس فيما نجنيه الآن من خذلان وتخاذل وضعف في الانتماء الوطني وتراجع كبير في الاستعداد للعطاء والفداء .
لجات السلطة في رام الله لمطالبة الدول العربية، بتفعيل شبكة أمان مالية للخروج من أزمتها الراهنة التي تعاني منها
وفي مؤتمر جمع وزراء الخارجية العرب تعهد الوزراء العرب بدفع مبلغ 100 مليون دولار، ولكن نسبة الالتزام لم تتجاوز ٧٠ % سواء في ٢٠١٠ م أو ٢٠١٥ م. ولا اعتقد بانها ستتحسن في ظل انظمة عربية كهذه، مع ان اسرائيل وبعد ادراكها لخطورة قرارها على استمرارية وجود السلطة تتمنى لو يكون الدعم عربيا هذه المرة لصعوبة تراجعها عن القانون المذكور
بلغت الازمة درجة عالية من الانهيار ففي حين أن هناك بعض المشاريع الاقتصادية والشركات التجارية الفلسطينية استطاعت أن تصمد في السنوات السابقة بما فيها سنوات الانتفاضة الثانية، لكنها تواجه اليوم خطر الإغلاق، ومنها شركة أدوية بيرزيت المقامة منذ سنوات السبعينات، وهذا حال الغالبية العظمى من مثيلاتها.
للأسف ليس من حل راهن وممكن سوى الأمر الاسرائيلي الامريكي للعرب بتفعيل شبكة الأمان العربية أو الصمود الذي لا بد منه، وهذا ممكن جدا في ظل ادارة وقيادة مختلفة!!
كاتب فلسطيني