نفطيا لا شيء سيخيفهم لقد خسرنا اخر “اسلحتنا”

خميس, 07/25/2019 - 17:19

أ.د. جمال سعد اللافي

كثيرا ما نسمع ان اقوي سلاح عند العرب هو النفط لقد اسئنا الفهم فأسئنا الاستخدام , لقد تشرب العديد منا عقلية الحرب و العروبة والوطنية الخ الخ الخ. كلام جميل لكن المحصلة صفرية الدهاء الغربي نجح في تحويل ما هو ايجابي عند العرب الي سلبي. الغرب اذكي من ان يلدغ مرتين من نفس الجحر , ما حدث في اكتوبر 1973 عندما قررت الدول العربية في حرب العاشر من رمضان قطع تصدير النفط عن الدول التي وقفت مع الكيان الصهيوني وهي كندا واليابان وامريكا وبريطانيا وهولندا والبرتغال جنوب افريقيا و أوديسيا واستمر قطع النفط عنها حتي مارس 1974 الامر الذي اذي الي ارتفاع اسعار النفط بنسية 400% من 3 دولار الي 12 دولار للبرميل , بعد هذا التاريخ لم يعد النفط سلاح بيد الدول العربية بل تحول الي سلاح ليزيد من تأخرها واذلالها. مباشرة بعد رفع هذه المقاطعة وبدون أي تأخير بدئت الدول الغربية في التفكير في حلول حتي تتجنب تكرار ما حدث في 1973 .

المخزون الاحتياطي الاستراتيجي من النفط الامريكي بدء في 1975 , الفكرة من وراء هذا المشروع هو توفير احتياطي من البترول كافي لتزويد كافة المنشئات الاقتصادية والعسكرية الامريكية من الطاقة لمدة 45 يوما علي الاقل حتي تتحرك حكومة الولايات المتحدة وتحل المشكلة باي شكل كان , بالطبع المورد الرئيسي من النفط في تلك الفترة كان من الدول العربية , تلك المدة كانت في نظر الامريكان كافية لاحتلال الدول المارقة التي قد تقطع عنها المصدر الاساسي للطاقة , تملك الولايات المتحدة الاحتياطي الاكبر من النفط الخام ومنتجاته حيت يصل الي 775 مليون برميل حسب احصائيات فبراير 2019 , تليها الصين بي 685 مليون برميل فاليابان 583 مليون برميل فتختلف عدد الايام الكافية لاستهلاك هذا الاحتياطي علي حسب معدل الاستهلاك اليومي في كل دولة  فمثلا في دولة الكيان الصهيوني تملك احتياطي يكفيها لمدة 170 يوم, اجمالي الاحتياطي الاستراتيجي العالمي يصل الي 4100 مليون (4.1 مليار) برميل وهو ما يكفي العالم لمدة 41 يوما فقط بالمعدل الاستهلاك الحالي البالغ قرابة 100 مليون برميل يوميا.

نعم النفط مصدر اساسي لكل شيء وليس للطاقة فقط فهو بدون مبالغة مصدر كل ما حولنا واستبداله في الوقت الحالي مكلف جدا و البدائل المتاحة لا يمكن ان تستبدله والتكلفة ستكون باهظة اذا ما استبدل . منضمة الاوبك كانت سباقة لتكون اداة بناء لدول المنضمة والاستفادة القصوى من هذه الطاقة الغير مستحدثة لكن انحرفت هذه المنظمة عن مسارها بكونها اصبحت تنهج رغبات غير بناءة وغير مدروسة للدول التي تمتلها . ان تحديد سقف لأسعار النفط فيما يعرف بسلة اوبك ( حاليا من 50 الي 70 دولار للبرميل ) كمؤشر للمنظمة علي زيادة المعروض النفطي (زيادة الصادرات النفطية او تقليصها) هو من الاخطاء التي ساهمت في عدم الاستفادة الامثل من هذه السلعة , ان السعر العادل بالنسبة لي كمواطن عربي هو 250 دولار للبرميل ولا امانع في ان يكون 500 دولار.

ان ما قامت به الدول الغربية هو حماية صناعاتها و اقتصاداتها و رفاهيتها أي بمعني انها لا ترغب  في ان تزداد اسعار الطاقة بشكل كبير مما قد يؤثر سلبا علي المستهلكين الغربيين وهو ما يمثل 70% من المستهلكين للسلع المنتجة غربيا , الدول النامية بما فيها الدول المنتجة للنفط لا تمتل الا 30% الباقية كمستهلكين لمنتجات الدول الغربية , حرص الدول الغربية علي عدم زيادة اسعار النفط هو لمصلحتها هي فقط وليس كما تروج له الدول الغربية او الدول المروجة لمبدئ ان سلة اوبك يجب ان تحدد سقف لأسعارها , لماذا لا تعمل الدول المصنعة للصناعات كالأدوية ولأسلحة او المواد الغذائية علي تحديد سقف لزيادة اسعار منتجاتها.

لماذا تحرم الدول المنتجة من عوائد نفطية كبيرة فقط كي لا يتضرر المستهلك الغربي بينما تنعم الدول الغربية بمرتبات عالية ودخل كبير ومديونيات ضخمة , ان عجز الميزانية الامريكية يصل الي 22,000,000,000,000 دولار (22 ترليون دولار), كلنا منبهرين بقوة الاقتصاد الغربي وامكانياته الضخمة وعقوله النيرة (انها الاموال التي تشتري كل شيء حتي البشر) , لكن في الحقيقة جميع هذه الدول مديونة للبنك الدولي ولا زالت تستدين منه , اما نحن فنحمد الله اننا لسنا مديونين (للبنك الدولي) لكننا فقراء ولا نستطيع ان نحصل علي رؤوس اموال لنتاجر بها او نحقق احلامنا , أي انك لن تجد من يقرضك مالا لبدء أي مشروع, اما الغرب فانهم يستدينون الاموال و يخسرونها ويستدينون مرة اخري الي ان ينجحون ويتحكمون بالاقتصاد العالمي , ففي تقرير وول ستريت جورنال لشهر يونيو ان مقدار خسائر شركات النفط الصخري الامريكي في السبع سنوات الفائتة يقدر بحوالي 280 مليار دولار امريكي فقد خرج عدد كبير من الشركات واعلنت افلاسها وباقي الشركات نجحت في ان تبقي في السوق ويستمر انتاجها, من سيحاسبهم علي تلك الاموال التي خسروها فهم من يعطي الاموال وهم من يستفيد بتحريك عجلة اقتصادهم لأنها ضخت في داخل السوق الامريكية ونظامهم القضائي يكفل لهم الحماية.

النفط كسلاح لم يعد مجديا و ما تنفك الايام والازمات تظهر ذلك بشكل جلي فما حدث في ازمة الناقلة الايرانية وما تلاها من توترات في مضيق هرمز يبين بما ليس فيه شك ان النفط العربي ليس له تأثير كبير علي الاسواق الدولية او تم تحييده بشكل فعال , فلم تتغير اسعار النفط بشكل كبير خلال هذه الازمة وان مقدار تغيير الاسعار تراوح ما بين 0.5% الي 2% وهي زيادة خجولة جدا , الاسواق النفطية تغيرت بشكل كبير في السنوات الاخيرة لم تعد اوبك هي صاحبة النسبة الاكبر في السوق الدولية بسبب تطور صناعة النفط في عدد كبير من الدول خارج منظمة الاوبك , حيت تقوم هذه الدول بضخ كل ما تنتجه الي الأسواق النفطية , فهي ليست كمنظمة الاوبك التي ( تعمل ) بنظام الكووتة ( حصة من الانتاج لكل دولة تحددها المنظمة علي حسب قدرتها الانتاجية ) , ان قدرة الدول الغربية علي تزويد مصافيها بالنفط الخام من احتياطاتها الاستراتيجية في أي وقت ولفترات طويلة كافية لتدخلها لحل مشاكل تصدير النفط في أي مكان في العالم او ايجاد بدائل له , جعلت الكثير من مضاربي النفط لا يكترثون للأحداث العرضية التي تواجهها مناطق انتاج النفط  مالم يكون التهديد كبير جدا .

فلو ان هذه الحادثة حصلت مند خمس سنوات لربما لاحظنا زيادة اكبر للأسعار النفطية لكن زيادة المعروض النفطي من عدة دول حول العالم وطفرة النفط الصخري خلق حالة من التشبع من خام النفط في الاسواق وهو ما حافظ علي تدنيها حاليا وفي المستقبل القريب . الفائدة الأخرى التي استفادتها الدول الغربية انها تقوم بالاستفادة من ادارة هذه الاحتياطيات الاستراتيجية حيت تقوم بشراء كميات كبيرة من النفط الخام حينما تهبط الاسعار و تبيعه مجددا حينما ترتفع مما يوفر اموال كافية لتشغيلها وتحافظ علي تدني الاسعار التي ربما قد نستفيد منها كدول منتجة.

لم يتبقى للدول العربية الا ان تحرص علي عدم تبديد اموالها علي الأسلحة والنزعات الداخلية وتدمير ما صرفت اموال طائلة علي بنائه سواء في ليبيا او العراق او سوريا , عليها ان تلتفت الي مجتمعاتها بخطط تنموية ومشاريع اقتصادية تحكمها الاسواق المحلية والاقليمية , ان ما خسرته العديد من الدول المنتجة للنفط في صراعاتها الداخلية وسياساتها الخارجية من اموال وارواح لا يمكن تعويضه.

 باحث في اقتصاديات النفط والغاز