ديانا فاخوري
هل بدأت “صفقة القرن” مع رائحة النفط بالنفي الاول للشريف حسين الى اسطنبول (1893م حتى عام 1908م) مستتبعا بالنفي الثاني (1925م حتى وفاته عام 1931م) .. وكم شٓرُف الثامن من تموز بارتقاء الزعيم انطون سعادة والقائد غسان كنفاني كتفا بكتف مع ملايين الشهداء على طريق المقاومة والتحرير!
نعم فازالشريف الحسين بن علي بمرارة، بل شرف، النفي مرتين .. أراد الشريف للعرب الاستقلال والحرية منذ نهاية القرن التاسع عشر، فكان مصيره النفي (النفي الأول) إلى إسطنبول منذ عام 1893م حتى عام 1908م .. ثم جاء النفي الثاني اثر اعتراضه على مفرزات سايكس / بيكو واستنكاره لتأسيس “اخوان من طاع الله” كجمعية سياسية ترتدي العباءة الدينية، وتدعو للهجرة في سبيل الله، والحشد باسم الدين، والجهاد ضد الاخر والاغيار .. كم قلت أنهم عملوا ويعملون علی ادغام العروبة بالاسلام بحجج التماثل والتقارب والتجانس في محاولة دؤوبة لاسكان العروبة وادراجها فلجمها منذ “اخوان من طاع الله” التي، ولطالما كررت ذلك، قامت في سياق سايكس / بيكو لاجهاض “حلم الثورة العربية الكبری”؛ ذلك المشروع القومي العربي في الحجاز الذي استقطب مجموعة من الثوار العرب المناضلين ضد الصهيونية والاستعمار نحو دولة قومية عربية .. وعندما رفض الشريف حسين التخلي عن حلم “الثورة العربية الكبری” وابى الانصياع لرغبة الإنجليز الاكتفاء بمملكة الحجاز، قام الإنجليز بالإيعاز لابن سعود ومساعدته بإحتلال الحجاز .. وفي عام 1925م تم النفي الثاني للشريف حسين الى قبرص حتى مرضه الأخير قبل ان يُنقل الى عمان، لتُعلن وفاته هناك، فالقدس ليوارى ثراها الطاهر!
نعم هكذا تم انتزاع واغتصاب السدانة على بعض الأماكن المقدسة عام ١٩٢٥بتوسل بعض “رباع الحمايل” المطواعة وإسنادهم بالنيران البريطانية وبغطاء من “اخوان من طاع الله” عقب ازاحة العثمانيين – اجهاضا للثورة العربية الكبری وفي سياق القضاء على “مملكة العرب” تنفيذا لاتفاقية سايكس/ بيكو لتفتيت وتجزئة وتقسيم وشرذمة وتشظية وتفكيك منطقتنا وشطب الأردن الكيان والإقليم من الخارطة وإلحاقه كفائض جغرافي (حوالي 90,000كم²) بفلسطين (حوالي 27,000 كم²) لتصبح مساحة فلسطين “الموعودة بلفوريا” حوالي 117,000 كم² (فتتواضع اسرائيل بقبولها فلسطين من البحر الى النهر – مجرد حوالي 23 % من “حقها البلفوري السايكسبيكوي” من خلال “صفقة ألقرن”!) .. كما عملوا على تفريغ المنطقة برمتها من مسيحييها وبالتالي من عروبتها تبريرا ليهودية الدولة .. وضمن السياق ذاته تمت الأطاحة بوحدة الضفتين (١٩٨٨/١٩٧٤) بلافتات وعناوين وشعارات بدت براقة حينئذ! اما اليوم، فما لبثوا يحاولون الفصل بين “الكعبة المشرفة” و”أرامكو المكرمة”، ويجهدون في انتزاع واغتصاب السدانة العربية الاردنية على المقدسات القدسية انسجاما مع “المصالحة التاريخية نحو اسرائيل الكبرى” ضمن لعبة (لا أقول استراتيجية) ترامب الجديدة للأمن القومي .. وترجمتها الى “صفقة القرن” في المنطقة و ما تتطلبه من محاولات دؤوبة لدفع الاردن علی ظهر او الی بطن صفيح ساخن!
وهنا اكرر، احوال عربية متردية تتمظهر جزئيا بهرولة تطبيعية مجانية تفتح الأبواب مشرعة على صفقة او صفاقة او صفعة القرن كاستثمار صهيواعروبيكي استراتيجي توسل سياسة الخطوة خطوة او القضم التدريجي من القدس الى الجولان فإسقاط صفة الاحتلال عن كل ماتغتصبه “اسرائيل” وإسقاط صفة “لاجئ” عن “الفلسطيني” ومحاصرة وكالة غوث اللاجئين إسقاطا لحق العودة، وفي الطريق إلصاق تهمة الإرهاب بقوى المقاومة والتحرير من غزة الى القدس، ومن سوريا الى ايران. وها هم يحاولون إنجاز هيكل دولي صوري لتمويل الصفقة من أموال العرب في “ورشة البحرين” مستخدمين “الفجيرة وخليج عمان” كورقة “طرنيب التشتيت” وغايتهم: السلام والازدهار من اجل اسرائيل”! يوازي ذلك ويرافقه أقدام، أحجام، صبر تكتيكي، صبر استراتيجي، تشتيت الانتباه، صرف الاهتمام افساحا لرد قد يأتي “قسديا” او “حُديديا” – وبكل الأحوال هو استمرار للتخبط وشراء الوقت وأموال النفط!
نعم شٓرُف الثامن من تموز بارتقاء الزعيم انطون سعادة والقائد غسان كنفاني كتفا بكتف مع ملايين الشهداء على طريق المقاومة والتحرير في مسيرة التصدي لمحاولات خنق المبادرات القومية الوطنية تثبيتا لاتفاقية سايكس – بيكو، وتأمينا لتدفق النفط لمصلحة اصحاب محور الشر الصهيواعروبيكي وولاته .. وها هم يعاودون اليوم ويعيدون انتاج هذا المشهد المركّب في سوراقيا ولبنان وفلسطين والأردن، وان اختلف الاسلوب وازداد توحشا و دمويّة – “المحرقة الدبلومالية” او “الهولوكوست الصهيواعروبيكي”! بالغاز “الدبلومالي” يعملون على حرق القضية واصحابها ناسين او متناسين فلسطينية المقولة الحكمة الاَتية من صلب التجربة كما وردت في الكتب المقدسة ان لا بثلاثين من الفضة ولا بالخبز وحده يحيا الانسان! .. لَيْسَ بِالْمال والسلطان والمجد الصهيواعروبيكي وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ! .. ويبقى العربي الفلسطيني ممتلئا من الروح المقاوم المقدس مهما فعلت أبالسة القرن وشياطينه فمكتوب أَنْ لَيْسَ بِالْمال والسلطان والمجد الصهيواعروبيكي وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَل بكل حبة تراب تخرج من ارضنا وكل قطرة ماء تنزل من سمائنا ولن يتعب هذا الطين ولن يرحل، ولن يبدل تبديلا حتى وان طرحتموه من اعلى الأجنحة او الشرفات او القمم الى أسفل فمكتوب أيضاً ان رجال الله في الميدان يتلقفونه ويحملونه على الأكف .. لا تجربوا صاحب الارض العربي الفلسطيني المقاوم، فالارض أرضنا والقدس قدسنا والبحر بحرنا والشمس شمسنا والسماء لنا .. هنا القدس، هنا الجولان، هنا الإسكندرون – السلام يمر بتحرير فلسطين .. كل فلسطين من النهر الى البحر، ومن الناقورة الى أم الرشراش .. السلام يمر بتحرير الجولان وكل شبر محتل من الاراضي العربية .. فلسطين، الجولان، والاسكندرون .. الموضوع واحد والمحرك واحد .. “الوعد بلفوري” والاصبع صهيوني!
نعم شٓرُف الثامن من تموز، ويٓشْرُف كل يوم بانتفاضات المقاومين ورجال الله في الميدان مذكرين بقيادة القوات الاسرائيلية في صور، وحفلة المارينز ببيروت، و”دلال المغربي”، وكيف أسقطت سوريا “الضربة القاضية” التي ارادها محور الشر الصهيواعروبيكي ومعهم نصف دول العالم قبل نصف قرن في الخامس من حزيران .. وكررتها دول المحور ذاته متوسلين “الربيع العربي” منذ ثماني سنوات، وشيكات بلا أرصدة لوعود “مبلفرة”، في القدس والجولان هذه الأيام .. وها هو صاروخ غزاوي ينطلق من غزة هاشم إلى شمال تل أبيب، فتغطي شظاياه كامل مساحة كيان الاحتلال، ويعبر القارات ليصيب بنيامن نتنياهو في واشنطن بمقتل من غروره فيهرول الى جحره محاصرا بخيارات احلاها مر التعاطي مع الواقع المستجد .. وها هي مسيرات العودة الأسبوعية تلاقي صواريخ المقاومة فيرتعد الغزاة مذعورين لا تفارقهم الصور أعلاه ويطاردهم أسد هنا وعمر هناك، وعماد هنا وسمير هناك!
نعم انها صواريخ غزة وبالوناتها الحارقة ومسيرات العودة تدخلهم الى الملاجئ مذعورين غير أمنين – يهربون بمئات الاَلاف من اماكن إقامتهم في الجنوب الفلسطيني إلى الشمال ينتابهم الرعب .. ومن نافل القول أن هذا الرّقم يتضاعف إذا ما وصلت الصّواريخ إلى تل أبيب وما بعدها وما بعد بعدها .. فماذا وقد انذرت المقاومة ان الفرق، والألوية الاسرائيلية التي تفكر في الدخول الى جنوب لبنان، ستدمّر وتحطّم أمام شاشات التلفزة العالمية”!؟ .. هل تذكرون الإطاحة بأسطورة “الميركافا – فخر الصناعة الاسرائيلية” و سقوطها بمرمى ال “كورنيت” في الجنوب اللبناني عام 2006 .. الى “انظروا اليها تحترق” استهدافا للمدمرة الاسرائيلية “ساعر” بصواريخ المقاومة .. الى إسقاط ال “F16” من الجيل الرابع فائق التطور “أمام شاشات التلفزة العالمية”! وها هو ال”نتنياهو” يعود إلى مربع التهدئة القديم الجديد امام معادلات الردع التي فرضتها المقاومة بكل وضوح وعزم وقوة. اما الدخول الى الجليل وما بعد بعد الجليل فقاب قوسين او أدنى – ذلك يوم الخلود!
نعم يرتكز وجود اسرائيل الى وعلى سرقة ومصادرة الأرضِ الفلسطينية وطرد الشعب الفلسطيني وهذه هي النكبة .. إذن وجود اسرائيل هو المرادف الطبيعي للنكبة الفلسطينية .. وعليه فان ازالة النكبة ومحو اثارها يعني بالضرورة ازالة اسرائيل ومحوها من الوجود – لا تعايش، نقطة على السطر .. كإمب ديفيد، أوسلو، وادي عربة، تطبيع بضمير صائح او سائح او غائب او مستتر، صفقة القرن – كلها محاولات يائسة بائسة لصيانة النكبة الفلسطينية ومعها وبها صيانة اسرائيل/المستعمرة الاستيطانية .. نعم التطبيع، لغةً، ينتهي بال”بيع” .. والتطبيع، سياسةً، اخره “بيع”!
لا “كامب ديفيد” باقية، ولا “أوسلو”، ولا “وادي عربة” .. لا صفقة القرن باقية .. ولا تطبيع التنابل .. لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل!
“يا دامي العينين , والكفين .. إن الليل زائلْ .. نيرون مات، ولم تمت روما .. بعينيها تقاتلْ”!
وفلسطين بعزتها، بقدسها، بغزتها وصدور ابنائها تقاتل .. وحبوبُ سنبلةٍ تموت .. ستملأُ الوادي سنابلْ..!
تمشي و امشي والليالي بيننا//
ستُريكَ من يهوي ومن سيظفرُ//
الدائم هو الله، والدائمة هي فلسطين!
كاتبة عربية اردنية