جدل لم ينته حول حقيقة سحب الإمارات جزءا من قواتها وآلياتها العسكرية من اليمن، بعد تدخلها مع شريكتها السعودية -التي قادت تحالفا عسكريا- في البلد الفقير، لاستعادة شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وإنهاء انقلاب جماعة الحوثيين مطلع 2015.
أواخر يونيو/ حزيران الماضي، كان عمر محسن، وهو ناشط سياسي في مدينة عدن (جنوب)، يراقب من شرفة منزله رتلا عسكريا يضم آليات مدرعة ودبابات ترفع العلم الإماراتي، وهي تغادر ميناء العاصمة المؤقتة.
تزامن ذلك مع تحليق مكثف لمقاتلات التحالف في سماء المدينة، وكان الأمر مريبا لمحسن، وحرص على تتبع تلك الآليات التي اتجهت نحو البريقة غربي عدن، حيث المنطقة الأشد تحصينا، وفيها المقر الرئيس للقوات الإماراتية.
وتحدثت بعدها تقارير إعلامية عن مغادرة قوات إماراتية اليمن.
يقول محسن إن “معظم السكان استقبلوا تلك الأنباء بترحيب بالغ، إذ إن الإماراتيين شكلوا حجر عثرة أمام عودة الحياة إلى المدينة، وطغت حالة من التفاؤل في أن يكون ذلك بداية لتراجع نفوذ أبو ظبي”.
ويضيف: “يعلم الجميع ما فعلته الإمارات، من دعم وإنشاء مليشيات مسلحة مثل قوات الحزام الأمني، والنخبة الشبوانية، وغيرهما من القوات والمليشيات الموالية لها، والوقوف خلف عمليات الاغتيالات من خلال مرتزقة أجانب”.
لكن السؤال الذي لم يلق إجابة واضحة، هل انسحب الإماراتيون من اليمن؟
خريطة التواجد
لا توجد معلومات حول حجم القوات الإماراتية في اليمن، لكن المؤكد أن الإماراتيين لا يشاركون في القتال على الأرض ضد الحوثيين، ويقتصر دورهم على الإشراف والدعم اللوجستي للقوات الموالية للحكومة اليمنية، والقوات السودانية التابعة للتحالف العربي.
وربما يعود ذلك إلى الضربة القاصمة التي تعرض لها الإماراتيون في الأشهر الأولى من الحرب، إذ قتل 45 جنديا إماراتيا وخمسة بحرينيين بصاروخ أرض أرض، أطلقه الحوثيون على معسكر في مأرب، شرقي اليمن.
عقب الحادث، عمد الإماراتيون إلى الانسحاب نحو أماكن أكثر تحصينا وبعدا عن مناطق المواجهات، وبدأوا استراتيجية إنشاء قوات موالية لهم، مثل قوات الحزام الأمني التي تنتشر في عدن ومحافظات لحج وأبين والضالع، والنخبة الشبوانية في شبوة، والنخبة الحضرمية في حضرموت.
كما أنشأت الإمارات قوات موالية لها على أنقاض قوات الحرس الجمهوري، الموالية للرئيس الراحل علي عبد الله صالح، الذي قتل على يد الحوثيين بعد أن انفك تحالفه معهم أواخر 2017، ونصّبت نجل شقيقه، طارق صالح قائدا لها، وتمركزت تلك القوات في الساحل الغربي للبلاد.
ويتمركز الإماراتيون في ميناء المخا (غرب) الذي حولوه إلى قاعدة عسكرية، ومعسكر البريقة غربي عدن، ومقر شركة الغاز في ميناء بلحاف (جنوب شرق)، وفي مدينة المكلا بمحافظة حضرموت (شرق)، وبنسبة أقل في معسكر تداوين شرق مدينة مأرب (شرق).
وخلال العامين الأخيرين، حاول الإماراتيون التواجد في محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان، وجزيرة سقطرى ذات الموقع الاستراتيجي على طريق الملاحة الدولية، إلا إنها لاقت صدا شعبيا كبيرا، لتتدخل القوات السعودية وتحل محلها.
معدات فقط
حتى اليوم لم تعلق القوات الإماراتية على التقارير التي تحدثت عن انسحابها من اليمن، ونسبت صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى مسؤولين أمريكيين وخبراء، قولهم إن انسحاب الإمارات سيضيف تعقيدا جديدا لحرب السعودية ضد الحوثيين.
وأورد أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، المستشار السابق لولي عهد أبو ظبي عبد الخالق عبد الله، جملة من الأسباب التي قال إنها تقف خلف قرار بلاده خفض تواجدها العسكري في اليمن.
وأوضح في تغريدة له على “تويتر”، أن ذلك يعود لاستمرار الهدنة في مدينة الحديدة (غرب) التي توصل إليها اتفاق السويد نهاية العام الماضي، فضلا عن التحسن الملحوظ في كفاءة وجاهزية القوات الحكومية.
وأضاف أن من بين الأسباب أيضا، تراجع حدة المواجهات والعمليات العسكرية منذ بدء العام الجاري، “ما دفع الإمارات لخفض قواتها بعد أن أدت مهامها على أكمل وجه، كما أنه يمكنها العودة في أي وقت”.
لكنّ مصدرا عسكريا في الحكومة اليمنية، قال إن الإمارات سحبت جزءا من معداتها، في مناطق لا تمثل لها حضورا محوريا، مثل سحب منظومة الدفاع الجوية “باتريوت” من منطقة صرواح غرب مأرب.
وأشار إلى أن عددا من الدبابات والمدرعات التي كانت تتمركز في ميناء عدن، جرى سحبها، فيما لا يزال الميناء بالكامل تحت سيطرة الإماراتيين، من خلال قوات الحزام الأمني الموالية لهم.
وأضاف: “من المؤكد أن استراتيجية الإمارات في الوقت الحالي، اعتمادها بشكل كبير على القوات الموالية لها التي تتحكم عبرها بالأوضاع في اليمن، ولذا لم تعد بحاجة إلى نشر قوات بعدد كبير لها في اليمن، والحرب ضد الحوثيين لم تعد أولوية لها”.
وأكد المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه، كونه غير مخول بالحديث للإعلام، أن الإمارات تسعى إلى السيطرة على كل المحافظات التي كانت تابعة لدولة الجنوب، قبل توحيد البلاد عام 1990، ما قد يرجح أنها تتجه إلى دعم انفصال البلاد.
الحكومة تنفي
تحدثت تقارير إعلامية، عن أن الإمارات كانت قد أبلغت الحكومة اليمنية نيتها سحب جزء من قواتها، غير أن مسؤولا رفيعا في الحكومة، قال إنه “لم يحدث أي اتصال بين الحكومة وأبو ظبي بخصوص عملية الانسحاب”.
ويرى الباحث السياسي محمد الأحمدي، أن العملية لا تعدو أن تكون إعادة تموضع للإماراتيين، فالعملية تأتي لامتصاص موجة السخط الشعبي المتصاعدة ضد الإمارات وسلوكها العبثي التدميري في اليمن.
ويضيف الأحمدي: “في كل الأحوال، اليمنيون ضاقوا ذرعا بسياسة الإمارات الهادفة إلى تقويض الشرعية وتشكيل كيانات مسلحة موازية للدولة اليمنية، ومحاولة السيطرة والاستحواذ على مقدرات البلد من مطارات وجزر وحقول نفطية”.
ويقول الباحث السياسي، إنه “في حال تحقق انسحاب الإمارات، فإن ذلك لن يؤثر على العمليات العسكرية ضد الحوثيين”.
ويضيف: “على العكس من ذلك، فالانسحاب إذا ما تحقق سيكون فاتحة خير لليمنيين، للاعتماد على أنفسهم في استعادة دولتهم، بعد أن فشل التحالف في إدارة المعركة وساهم في إطالة أمد الحسم، وصار عبئا ثقيلا على عدالة النضال اليمني ضد المليشيا الحوثية الانقلابية”.
ومنذ مارس/آذار 2015، يدعم تحالف عسكري عربي، القوات الحكومية اليمنية في مواجهة الحوثيين، في حرب خلفت “أزمة إنسانية حادّة هي الأسوأ في العالم”، وفقا لوصف سابق للأمم المتحدة.