تمثل الخيمة جزءا أصيلا من الثقافة الموريتانية، حيث كانت رفيقا للموريتانيين في حلهم وترحالهم بصحرائهم الشاسعة، وكانت زاد عرائسهم في كل المناسبات، بل كانت الأسر تقاس مكانتها الاجتماعية بكبر خيمتها فتسمع في غالب بن "الخيمة لكبيرة" حيث كان من المعروف أن خيمة كانت هي الأكبر في الفركان و التجمعات السكنية، كان هذا تاريخيا ولكن مع الوقت جلب الموريتانيون الخيمة معهم إلى الحضر خاصة بعد الهجرات الكبرى تزامنا مع جفاف السبعينات، و بقيت جزء مهم من المناسبات الاجتماعية وعلامة الاحتفال المميزة بجميع الأحوال و الأزمنة ورمز الشموخ والأنفة بالنسبة للموريتانيين.
رمزية انتقلت مباشرة إلى المشهد السياسي حيث بقيت المشارك الأبرز في الحملات الانتخابية، فلا حملات في موريتانيا بدون الخيام التي تجتاح جنبات الطرق الساحات العامة في موريتانيا مع أول أيام الحملات.
بطبيعة الحال تختلف الخيام من مكان إلى آخر فان ظهرت خيام أكثر أناقة و تطورا في تفرغ زينة مركز نواكشوط النابض تتفي أطراف المدين بخيام متواضعة ولكنها هي الأخرى لها رمزيتها قيمتها و دلالتها من مرشح لأخر و من حملة لأخرى، فالخيام بطبيعتها تعكس كل شيء عن صاحبها غناء و فقره و تنظيمه و عكس ذلك، فهي كالصحراء تماما التي أنتجت فيها كتاب مفتوح لا يخفي الكثير.
عند مسجد المغرب تمتهن سيدة تبلغ الأربعين من عمرها صناعة وإيجار الخيام منذ سنوات، على مدى السنوات الماضية بات لها زبائن دائمون، بالنسبة لها الحملات الانتخابية هي الموسم الأكثر رواجا على الإطلاق، ترتفع أسعار إيجار الخيام بشكل ملحوظ فبعض الخيام يصل إلى ستين إلف أوقية قديمة، فيما يقل اجر الخيام الأصغر حجما عن ذلك بقليل، ولكن في معظم الأحيان يعتمد الأمر على طبيعة الزبون إن كان من الأغنياء أو العكس إن كان ممن صانعة الخيام بالسماسرة السياسيين أو هو جديد في المجال.
على مقربة من منطقة المربط في مقاطعة الميناء عشرات الخيام تحتل الشوارع، بالرغم ان الخيام في معظمها داعمة لمرشح واحد إلا أن الغالبية يفضلون التعبير عن انتمائهم ببناء خيمة تحمل صوره له.
عندما سألنا إحدى السيدات اللئي يعمرن الخيمة قالت نحن داعمون لولد الغزواني ولكن المشرفون على حملته لم يقدمون أي شيء لنا بعد، من هنا كان ضروريا أن نعرف كيف حصلت هؤلاء السيدات على اجر الخيام، خاصة أن حالهن يؤكد أن هن عاجزات حتما عن صرف سعر إيجار خيمة،
تقول فتاة تقارب العشرين من عمرها هناك من يستأجر لنا الخيمة ثم يأتي بالصور و اللافتات وبكل شيء إضافة إلى خمسة آلاف أوقية قديمة كمصروف يومي للخيمة ولكن في غالب الأحيان لا نحصل على شيء بشكل منتظم ومع ذلك نحصل على بعض التعويضات، ذلك نحن نمتهن هذا العمل منذ مدة.
كل هذه الخيام لا علاقة لها بالقناعة أو ما شابه إنها فقط من اجل الحصول على بعض المصالح و الاستفادة المادية من الحملة هناك بعض الناس الذين يدفعون بشكل جيد للخيام التي تتبع لهم، هكذا تختم الفتاة حديثها و هي تهم بجولة نظافة للخيمة التي تكاد الرياح تقوضها.
يبدو أن الأمر متشابه للجميع خيام ممولة من طرف شخص ما من اجل أن يكون له اثر في دعم مرشح ما، ونساء مقابل الحصول على تعويض مادي مهما كان مستعدات للعمل في هذه المهمة دون أن يكون لذلك علاقة بقناعتهم أو توجههم من التصويت، بل إن بعضهن ليس على اللائحة الانتخابية بسبب عدم حصوله على أوراق ثبوتية.
في الطرف الآخر من المدينة حيث المباني الشاهقة و الشوارع الصقيلة تنتشر خيام أنيقة بتجهيزات جيدة، عادة تتخلل معظمها سهرات من مشاهير الفنانين الموريتانيين، و مع ذلك يبقى الثابت الوحيد هو حارس أو حراس الخيمة الذين يكونون أشخاص من سكان الضواحي يعملون بالأجرة مهتم بالبقاء في الخيمة طوال فترة الحملة الانتخابية.
و حتى هؤلاء لا يمثل الاهتمام بالجوانب السياسية الأخرى أي ضرورة بالنسبة لهم، فالأساسي أن فلان ما قد افتتح خيمة لدعم مرشح ما لزيادة رصيده لمرحلة ما بعد الانتخابات.
تاريخ الخيمة يشفع لها بأن تكون جزء من أي مستقبل يرسم لموريتانيا هذا ما تثبه مختلف الفعاليات السياسية، و إن كان المستفيد الأكبر هو مجموعة الفقراء و العمال الذين يعتبرون المواسم الانتخابية فرصة اقتصادية يتم اقتناصها بكل احترافية ودقة و إن كان الأمر على حساب القناعة طالما أن هذه الفرصة تجيب سؤال الحاجة اليومية لان الفقير بطبعيه ما يهمه من السياسة هو القدر الذي يسد به حاجة يومه فالأمعاء الخاوية لا تستطيع أن تنتظر نتائج البرامج السياسية.
الشيخ الحسن البمباري / زيدان الحضرمي