ناريندرا مودي يفتح صفحة جديدة في تاريخ الهند السياسي

سبت, 05/25/2019 - 11:09

د. وائل عواد

هناك من اسماه بالسفاح والبعض بالقاتل وآخرون بالحارس ولك الحق أن  تسميه ما شئت .لكن حقيقة الأمر الزعيم ناريندرا مودي  يفتح صفحة جديدة في تاريخ الهند السياسي فقد اختاره الشارع  الهندي وحزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي ومنحه أغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية العامة بمفرده 303 مقاعد من أصل 542 مقعد برلماني أجريت الانتخابات لها .وحقق مع مع حلفائه 350 مقعد بينما لم يتجاوز  نصيب حزب المؤتمر الوطني  وحلفائه ال 100 مقعد .

 يعود الفضل بذلك اولا” لشخصية رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي استطاع  خلال السنوات الخمس الماضية و من خلال حملة انتخابية مكثفة أن يقنع الناخب الهندي انه الشخصية الأفضل للاعتماد عليه في إدارة شؤون البلاد  وإعادة مجد الشعب الهندوسي الذي تعرض للغزو الأجنبي والاضطهاد على مدى العقود الماضية . ففي عهده بنيت الملايين من دورات المياه في البلاد وحاول ترتيب سوق العمالة غير المنظم ووحد اصوات الهندوس .هو الزعيم الذي انتقم للاعتداءات الإرهابية في ولاية جامو وكشمير وقام الجيش الهندي ،بايعاز منه ، بضرب معاقل الجماعات المسلحة في باكستان وهذا ما أوحى للمواطن الهندي بأنه الزعيم الذي لم يهب السلاح النووي الجارة اللدود باكستان . واستطاع ناريندرا مودي بشخصيته المثيرة للجدل إلى تحقيق شعبية محلية وعالمية  وبدأت دول العالم تمنح الجوائز لتزيد من أسهمه بالفوز. وحققت الهند نموا” اقتصاديا” خلال فترة حكمه على الرغم  من عدم تنفيذ وعوده الانتخابية بشكل يرضي الشارع الهندي .وبعدها نسي الناخب الهندي القضايا الاخرى التي كانت شغله الشاغل من الوضع الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة  وإلغاء التعامل ببعض الأوراق النقدية ومحاربة الفساد والرشاوى التي حاولت أحزاب المعارضة إثارتها  خلال الحملات الانتخابية ولكن دون جدوى.

والسبب الثاني لا يقل أهمية هو انقسام المعارضة الهندية وتنافسها ضد بعضها البعض بدلا” من التعاون والتنسيق وتوحيد المرشحين ضد مرشحي حزب بهارتيا جاناتا وكذلك غياب زعيم للمعارضة يضاهي كاريزما مودي ورباطة جاشه وتعابير وجهه الصارمة بانه الزعيم الاقوى  .وهذا ما دفع بالناخب الهندي للتصويت للحزب الحاكم .

وربما يمكننا القول هنا أن موجة الميول نحو اليمين المتشدد في العديد من دول العالم ساهمت في التصويت لصالح اليمين في الهند ايضا” .

” مودي او الفوضى “

لم يكن زلزال مودي صامتا”  لولا الدعم الذي قدمته المنظمات الهندوسية الأم له ومرشحي الحزب من بيت إلى بيت ومن حارة إلى حارة  ولم يتردد بعض قادة الحزب من التصريح بأن يختار الناخب بين ناريندرا مودي أو الفوضى، بين حزب بهارتيا جاناتا أو ضد الهندوسية .ولذا عندما بدأت نتائج الانتخابات تظهر  وقعت أمواج تسونامي مما أطفى بلون علم الحزب  الزعفران على معظم خارطة  شبه القارة .

لقد اختار الشارع الهندي ناريندرا مودي وحزبه لدورة انتخابية جديدة على أمل أن يحقق طموحاتهم وآمالهم في بناء الهند الجديدة القوية اقتصاديا” وعسكريا” ولها مكانتها على المسارح الدولية في عالم مضطرب .هذه هي الديمقراطية وهذا ما تقرره صناديق الاقتراع وان كانت لها نتائج عكسية هذه المرة في ظل غياب معارضة فاعلة في البرلمان لمراقبة الحكومة الجديدة ومنعها من اتخاذ إجراءات قد تضر بالمصلحة القومية والتعددية العرقية والدينية والاثنية في شبه القارة .

لم تقتصر موجات التسونامي هذه على اجتياح الحزب القومي الهندوسي معظم الولايات الهندية وزيادة نسبة الأصوات المشاركة  ،بغض النظر عن الانتماء الديني او الطبقي، بل بدأت تهز عرش حزب المؤتمر وحلفائه الاقليميين .هناك  الآن من يطالب باستقالة رئيس الحزب راهول غاندي واخته بريانكا السكرتير العام للحزب وتحمله مسؤولية فشل الحزب في كسب تأييد الناخب الهندي .واعتبر البعض أن زمن حكم السلالة قد ولّى إلى غير رجعة خاصة وان معظم أبناء الساسة الكبار بمن فيهم زعيم الحزب راهول مني هو الآخر بخسارة مقعده من مدينة اميتي التي كانت تعتبر معقل الحزب لعقود من الزمن . الغريب بالأمر أنه محاولات  حزب  المؤتمر عبر قادته كحزب هندوسي معتدل ضد حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي المتشدد ، باءت بالفشل ولم تنفع الصور أمام الكاميرة داخل المعابد من إقناع الناخب الهندي بالتصويت للحزب .

ولذا قد تشهد الايام المقبلة تغيرات جذرية في صفوف الحزب وحلفائه الاقليميين وانه يترتب على الحزب أن يعيد ترتيب صفوفه ويعود إلى الجذور والتواصل مع الشعب الهندي للاطلاع على معاناتهم وتحقيق مطالبه.

ماذا تعني النتائج بالنسبة للأقليات ؟

لم تكن فترة حكم حزب بهارتيا جاناتا خلال السنوات الخمس الماضية سهلة بالنسبة للأقليات الدينية بعد ارتفاع نسبة الاعتداء على الممتلكات والارواح من قبل الجماعات اليمينية المتشددة ، خاصة ضد المسلمين الهنود الذين يبلغ عددهم 200 مليون نسمة تقريبا” (13% من السكان )و يشكلون ثاني أكبر جالية مسلمة في العالم بعد إندونيسيا . وفي الواقع سجل الحزب لم يكن جيدا” في التعامل مع الاقلية المسلمة خاصة في الولايات الخاضعة لحكمه  في كل من  ولاية غوجرات الغربية وأتّرا براديش وسط البلاد على سبيل المثال لا الحصر ،وهذا ما عبر عنه العديد من القادة المسلمين في اكثر من مناسبة .

حاولت أحزاب المعارضة  إظهار تعاطفها مع المسلمين واستغلت هذا العداء من قبل أنصار الحزب القومي المتشدد للتصويت لصالحهم  .الحقيقة المرة، بقي أبناء الهند من المسلمين على مدى العقود الماضية ضحية الخداع ولم تتحسن أوضاعهم المعيشية ولم تزد نسبة تمثيلهم في البرلمان .ولذلك فإن التصويت لصالح الحزب في بعض المراكز الانتخابية ذات الأغلبية المسلمة ربما إشارة إلى الابتعاد عن الوعود الكاذبة والإيمان بعلمانية الدولة والالتماس إلى القانون لحمايتهم وحماية مصالحهم باعتبار ان الدستور الهندي يعتبر الجميع سواسية .

المخاوف ربما تكون أقوى لو تم التعديل في بعض فقرات الدستور وإلغاء بنود تمنح ولاية جامو وكشمير وضعا” خاصا” في الجمهورية الهندية ,وكان رئيس الوزراء ناريندرا مودي قد وعد بإنهاء حالة العنف المسلح في الإقليم ومحاربة الإرهاب عبر الحدود في إشارة إلى باكستان .

 ومن الجدير بالذكر ان الهند تعتبر إقليم جامو وكشمير جزء لايتجزأ من الهند بما فيه الجانب الباكستاني من كشمير.

 تعد الأوضاع الاقتصادية والأمنية من  المهمات الاولى لرئيس الوزراء وطاقمه الوزاري الجديد الذي  سوف يتم الاعلان عنه  ويؤدي اليمين الدستورية بعد اسبوع .

سارع قادة العالم بإرسال برقيات التهنئة  لرئيس الوزراء لهذا الفوز الساحق  والشارع الهندي بغالبيته تغمره حالة من نشوة النصر والفخر والاعتزاز بإعادة مكانته على الخارطة العالمية وقد تتبلور لحقيقة خلال الخمس سنوات المقبلة إذا استطاع رئيس الوزراء ترتيب البيت الداخلي دون خلق نعرات طائفية وحافظ على الأمن والاستقرار للتشجيع على الاستثمار الخارجي المباشر لبناء الهند الجديدة كقوة إقليمية لها مكانتها العالمية وقادرة على فرض مواقفها باستقلالية في عالم متعدد الأقطاب .

وإلى حينه لننتظر ونراقب ونهنئ الشعب الهندي بخوض أكبر عملية ديمقراطية في العالم دون  تزوير أو وقوع أعمال عنف وشغب تذكر .وليسّجل ناريندرا مودي في تاريخ الهند السياسي على أنه الزعيم المنتظر الذي وضع للهند مكانتها أو قادها نحو الفوضى والانهيار والصراعات الدينية والعرقية .

اكاتب  وصحفي سوري

الفيديو

تابعونا على الفيس