هل يدرك الحكام العرب الواقع الجديد؟ انتهى زمن كان تحوير الدستور يمكن أن يؤجل ساعة الرحيل

خميس, 04/25/2019 - 01:41

اسيا العتروس
شهدت الساحة العربية خلال اقل من شهر سقوط رئيسين أزيحا من السلطة تحت ضغط الشارع فيما وصف بأنه الجولة الثانية للربيع العربي الذي اندلع في 2011 و أبعد بالعزل او السجن او النفي أو القتل أربع من أعتى قيادات النظم الدكتاتورية في المنطقة العربية حيث لم تفلح كل المحاولات السابقة لتحوير الدساتير لتكون على مقاس أصحابها في كتم الغضب الشعبي وحفاظ هؤلاء على مناصبهم و حماية مصالحهم و مصالح ذويهم ، فقد اضطر الريس عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من أفريل و بعد اكثر من مناورة للاتفاف على الانتخابات الرئاسية لتقديم استقالته قبل موعد نهاية ولايته , و لحفظ بقية من ماء الوجه اتجه بوتفليقة صاحب المقولة الشهيرة في “جيلي طاب جنابو” الذي يتولى رئاسة الجزائر منذ عقدين بعد ان تم تعديل الدستور في اكثر من مناسبة تقديم رسالة اعتذار للشعب الجزاءري على كل الخروقات التي قد يكون ارتكبها خلال سنوات حكمه .. و قد جاء انسحاب الرئيس الجزائري بعد أن ادركت حاشيته كما المؤسسة العسكرية رفض الجزائرين القبول بالعهدة الخامسة ومضيهم قدما الى استعادة حق تقرير المصير و اختيار قيادة جديدة تقطع مع مظاهر التسلط و الفساد ، وبعد أسابيع طويلة من مناورات الحزب الحاكم و الحاشية المحيطة بالرئيس الجزائري انتهى الامر بانسحابه بضغط من المؤسسة العسكرية تجنبا للأسوأ ..
و بعد نحو اسبوعين يجد الرئيس السوداني عمر البشير نفسه مهدد بمصير مماثل بعد أن تحولت الحركات الاحتجاجية نتيجة ارتفاع الاسعار و تراجع المقدرة الشرائية الى مطالب باقصاء البشير و وازاحته من المشهد .و قد وجد الشارع السوداني في المشهد الجزائري ما حفزه على عدم التراجع عن مطالبه في تغيير النظام …و قد وجد البشير نفسه بعد نحو ستة أشهر من الاحتجاجات قيد الاقامة الجبرية قبل أن يتحول الى سجين في سجن كوبر الذي انشأه الاحتلال البريطاني ..و بذلك و بدل ان يحتفل البشير بمرور ثلاثين عاما على توليه السلطة في اوت القادم يجد نفسه مهدد بالمحاكمة و ربما بالمثول امام الجنائية الدولية التي تتهمه بارتكاب جرائم حرب في دارفور ..
و قد ظل البشير ومنذ انطلاق الحراك الشعبي يصر على عدم التنحي و ظل يردد في مختلف تصريحاته بأن ” لدينا تفويض شعبي وأتينا إلى الحكم عبر انتخابات أشرفت عليها مفوضية معترف بها من كل القوى السياسية”.و ظل البشير يرد على معارضيه بأن من يطلب السلطة عليه الاستعداد للانتخابات القادمة في 2020 و رفض بذلك البشير أن يرى أنها بداية نهاية سلطته و ان الشارع بدأ عمليا ازاحة البساط من تحت قدميه و ربما استعدادا لمرحلة جديدة في السودان حيث يعيش أحد افقر شعوب العالم في هذا البلد الغني بثرواته و طاقاته و امكانياته الطبيعية من النفط و الذهب ..
في الجزائر كما في السودان لم تنفع التعديلات التي فرضت على دساتير البلدين في منح رأسي السلطة الحصانة المطلوبة لضمان استمرار حكمهما تماما كما كان الحال من قبل مع زين العابدين بن علي في تونس والذي وضع تعديلات دستورية على مقاسه ومقاس عائلته من بعده فوجد نفسه و خلال ساعات من انتفاضة الشارع التونسي في المنفى , و الامر ذاته بالنسبة للرئيس المصري حسني مبارك الذي وجد نفسه في السجن بعد ثلاثين عاما قضاها في السلطة و لم يشفع له انتصاره العسكري في حرب ال73 و الذي كان يمكن أن يجعله يغادر السلطة من اوسع الابواب قبل أن يقع بدوره في فخ اغراءات السلطة و يسعى الى الهيمنة على المشهد و البقاء في السلطة و ربما ضمان توريث ابناءه من بعده للحكم بالاعتماد على الدستور بعد تعديله و تكييفه حسب الاهواء.. و كأن التاريخ يرفض الا أن يعيد نفسه فقد بدأ الشارع المصري يعيش اجواء تعديل الدستور مجددا بما يمكن ان يسمح للرئيس عبد الفتاح السيسي البقاء في منصبه لولاية تتجاوز ولايته الراهنة ..
الواقع ان اخضاع الدساتير للتعديل و التغيير في مناسبات وطنية مختلفة ليس بالأمر الجديد ، و اذا كانت التعديلات سمحت لأغلب الحكام و الروساء العرب من الحفاظ على السلطة لأكثر مما كان يفترض فان تلك التعديلات لم تمنح الكثيرين الحصانة و لم توفرلهم الامان و دوام السلطان الذي حلموا به ، و من لم يجد نفسه يقاد الى السجن و يخضع للمحاكمة اجبر على الهروب خارج الوطن ليمضي بقية حياته بعيدا عن الوطن معرضا لاعتقال في كل حين..
المثير مرتبط بالمشهد في موريتانيا التي تستعد لانتخابات رئاسية هذا الصيف و يبدو ان الرئيس محمد ولد عبد العزيز فهم الدرس او هذا على الاقل ما يبدو حيث قطع مع الشكوك بشان ترشحه لولاية ثالثة بعد تعديل للدستورالذي لا يسمح بالترشح لاكثر من ولايتين .و قد اختار الرئيس الموريتاني طريقة الرئيس الروسي بوتين و رئيس وزراءه حيث رشح لسباق الرئاسية وزير الدفاع و رئيس الاركان محمد ولد الغزواني تجنبا لكل المتاهات ..
-السيسي و العودة للاستفتاء
لقد أعاد الاستفتاء المصري تعديل الدستور بما يسمح للرئيس عبد الفتاح السيسي تمديد ولايته الى غاية 2024 و ربما الترشح لولاية ثالثة إضافية الجدل حول عقلية الحاكم العربي والانسياق الى إغراءات السلطة المطلقة بكل ما يمكن ان تعنيه من تراجع وعودة الى الممارسات التي سادت قبل الفصل الاول من موسم الربيع العربي الذي شهد انهيار اربعة من الروساء والحكام العرب خلال ثماني سنوات بدءا من زين العائدين بن علي في تونس و حسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا و عبد الله صالح في اليمن .وقد بدا المصريون في الخارج أول أمس التصويت على تعديلات دستورية تشمل تمديد ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي الحالية لست سنوات والسماح له بالترشح بعد ذلك لولاية جديدة يضمن بقاءه في السلطة الى غاية 2030 ، و في انتظار تطورات الأحداث في مصر و ما ستؤول اليه نتائج الاستفتاء نهاية الشهر الحالي يبقى التساؤل المطروح هل يحتاج الرئيس السيسي لهذه التعديلات ؟وهل ان التصويت لصالح تعديل الدستور المصري و تمديد ولايته و توسيع صلاحياته يمكن أن يكون ضامنا للسيسي للبقاء في السلطة مدى الحياة؟
الحقيقة أن مسالة تغيير الدساتير تغييرا كاملا او تعديلها ليست بالأمر الجديد حتى في اعتى الديموقراطيات و لكن الاكيد أن الاهداف من وراء تلك التعديلات وغاياتها و مبرراتها تختلف و قد ترتبط باصلاحات دستورية فرضتها الاحداث حيث يتقدم النظام القائم وفقا لاعتبارات و احداث فرضت التعديل و قد شهد الدستور الامريكي على مدى قرنين من الزمن عدة تعديلات و لكنها لا تمس جوهر الدستور الذي وضعه الاباء المؤسسين كما شهد الدستور الفرنسي عدة تعديلات بعد الثورة الفرنسية لتحديد القوانين المؤسسة للدولة و طريقة الحكم , و شهدت عديد الدساتير في العالم تغييرات كلية او جزئية اسقطت دساتير و فرضت اخرى في أعقاب أحداث أو تطورات او ثورات شعبية او انقلابات عسكرية …
لا خلاف أن الاستفتاء على التعديلات المطروحة على الدستور المصري قبل نهاية الشهر ، قد أثار الامر جدلا بين مؤيد ومعارض للتعديلات التي تعيد الى الأذهان شبح الماضي و محاولات التمسك بالسلطة و تطويع الدستور لتكريس زعامة الفرد التي لا يبدو انها زالت من عقليات الحكام العرب ، و لعله من المهم الإشارة الى ان هذه التعديلات وقع تبنيها بأغلبية ساحقة من جانب مجلس نواب الشعب في مصر حيث صوت لها 532 نائبا مقابل 22 نائبا فقط ..و لم يتخلف كل طرف من الاطراف على استعراض ما لديه من مبررات ترفض او تؤيد هذا الاستفتاءو هي مبررات سياسية او قانونية او حقوقية و ثقافية ..
وحسب ما تم نشره فان التعديل على الدستور المصري الذي صوت عليه البرلمان، على تعديل 12 مادة من مواد الدستور، وإضافة ثمانية مواد جديدة، لكن الأبرز فيها والأكثر أثارة للجدل، هو التعديل المتعلق بفترات الرئاسة، والذي سيعني في حالة إقراره، إضافة عامين إلى فترة حكم الرئيس السيسي الحالية لتنتهي عام 2024، بدلا من عام 2022، في حين سيجعل من حق الرئيس أيضا الترشح لفترة ثالثة، بعد ان كان قد استنفد حقه في الترشح لمدتين رئاسيتين وفق الدستور الحالي، وهو ما يعني بالتبعية إمكانيه بقائه في السلطة الى غاية 2030…
-الشارع بات الرجل القوي
عمليات تغيير الدساتير في العالم العربي ليست مرتبطة بالسنوات القليلة الماضية او بموسم الربيع العربي , فتونس التي تفاخر بأنها اول بلد عربي يعلن دستورا في 1865 يمنح الشعب حق المشاركة في الحكم و حتى خلع الباي فقد استحدثت دستورا بعد الاستقلال اقر الغاء النظام الملكي و اعلان الجمهورية الا انه و بعد سنوات على اعلان دولة الاستقلال شهدت السبعينات ادخال تعديلات مهدت
ليكون الزعيم الحبيب بورقيبة رئيسا مدى الحياة قبل ان يطيح به بن علي في 1987 و يكرر بدوره السيناريو ذاته ويسعى لاعادة صياغة دستور يمكنه من البقاء في السلطة لينهي حياته لاجئا في السعودية ..
وفي المغرب وبعد استحدَث الملك الحسن الثاني في 1962 دستوراً للبلاد ليُضفي على المملكة صِبغة الدستورية قبل ان يشهد الدستور عدة تعديلات إثر المحاولتين الإنقلابيتين في 1970 و1972 ثم في عام 1980 ثم جرى الاستفتاء على تعديلفرضه الملم محمد السادس ليفرض اصلاحات جديدة و يؤسس لمزيد الانفتاح في المشهد السياسي …و تبقى سوريا مثال صارخ على محاولات تطويع الدستور بعد الموت المفاجئ للرئيس حافظ الاسد سنة 2000 و ما ادى اليه من تعديل للدستور في زمن قياسي يقضي بنقل السلطة الى ابنه بشار الاسد الذي كان يدرس الطب في لندن ليتم تنصيبه بعد التعديلات العاجلة لتغيير السن القانوني الذي يفترض بلوغ الرئيس سن الاربعين ..وكان يفترض أنيتولى شقيقه باسل الاسد الذي توفي في حادث سيارة السلطة خلفا لوالده ..و قد استوجب انعقاد اجتماع مجلس نواب الشعب السوري نحو ساعة لاعلان التعديلات و تنصيب بشارالاسد في السلطة ..واليوم و بعد ثماني سنوات على الازمة السورية لا تزال ولادة الدستور السوري مؤجلة فيما يستمر المخاض العسير في مشهد يسوده الغموض رغم تراجع تهديدات الدواعش في سوريا …
وفي انتظار نتائج الاستفتاء على تعديل الدستورالمصري يبقى من الواضح أن كل الحسابات المعلنة والخفية باتجاه تعديل و تطويع الدساتير لتكون على مقاس أصحاب السلطة لا يمكن بأي حال من الاحوال ان تكون ضامنا لاصحابها أو حصنا دائما في مواجهة المسائلة و المحاسبة او الاقصاء في حال اتخذت لها منهجا غير المنهج الذي يتطلع اليه الشعب أوسعت لتكون منفذا لتوارث السلطة .و لعل في مختلف الاحداث التي هزت عديد الدول و العواصم العربية على مدى السنوات الماضية ما يمكن أن يكون بمثابة الجرس أوالانذار من الخطر عندما يتجاوز أصحاب السلطة الحد و تستهين بغضب الشعوب وقدرتها على الصبر و الاحتمال قبل أن تنفجر و تتحول الى لعنة على حكامها .. و من خلال مختلف التحركات الشعبية التي فشل امهر الخبراء في استباق نتائجها فان الواضح ان الدروس الماثلة امامنا و بعد موجة التسونامي الاول من تونس الى ليبيا و مصر و اليمن وصولا الى الفصل الثاني منه فان التاريخ يؤكد مجددا أن الشارع يبقة الرجل الاقوى في كل تغيير في المشهد …طبعا الامر لا يتعلق بنتائج كل حراك فتلك مسألة مختلفة و هي مرتبطة بما سيؤول اليه الحراك الشعبي عندما يحين موعد الاختبار الاهم بعد انهيار الانظمة الحاكمة و بداية التخطيط لبناء منظومة جديدة في الحكم تأخذ بعين الاعتبار كل اخطاء الماضي و تجعل من مصالح الشعوب و الاوطان عنوانا لا يقبل المساومات او الابتزاز و هذه معركة اخرى ليست قريبة من نهايتها في مختلف التجارب السالفة ..
كاتبة تونسية

الفيديو

تابعونا على الفيس