الشيخ الحسن البمباري
في زيارة قام بها أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني إلى فرنسا، تحدث الرجل الفرنسية في محاولة دبلماسية لتحريك تموقف فرنسا من الحصار،
بالرغم من اعجاب الرئيس الفرنسي بالموقف و اعتباره نقطة مهمة الا انه شدد بحضور الامير أن الفرانكفونية ليست النطق بالفرنسية فقط بل هي كذلك قيم و مبادئ يجب التمسك بها.
القيم و المبادئ بالذات هي مربط الفرس في الفعل السياسي الموريتاني، و الذي بالرغم من تخطيه حاجز الستين سنة من انتخاب ولد حرمة منتدبا عن موريتانيا في مجلس المستعمرات الفرنسية، فإن نفس المنطق الذي افتت به الطرق الصوفية للتصويت له مقابل مرشح شيوخ القبائل و الفرنسيين هو الذي مازال يستحكم في الفضاء السياسي الموريتاني .
مئات الناس يجمعون بشكل يومي لمبادرات و محافل سياسية حتى لم تتح لهم الفرصة ليسألوا لماذا نحن هنا و لمن نحشر هذه المرة؟؟ .
سياسة المكاثرة هي ذاتها التي تنتهج يوميا فالمرشح و المناصرون بالرغم من مما يصرفون من اموال يدركون انها تمرر للجيوب و ليس لدعم وعي سياسي معين يراد له ان يأسس و يبقى في السنوات اللاحقة، و يكون نواة لتجمع تحكمه القناعة و المبادئ.
قد يكون امير قطر تحدث الفرنسية مكاثرا ولكن رئيس فرنسا لا يبحث عن المكاثرة الموسمية للفرانكوفونية بالرغم من دفع لمليارات اليوروهات لتوسيع انتشار اللسان الفرنسي، و لكن دون ان يعني ذلك ان تكون العملية خالية من القيم و المبادئ .
تبدو اللحظية و الانتهازية و المنفعية من السمات البارزة التي تسيطر على المنطق السياسي الموريتاني، بل وتتمد إلى مختلف مستويات البنية السياسية في موريتانيا فاصبح ما يوصف "بالزيدنة" الانتفاعية المحضة من البوتلاتش او الايغو الجينالوجي مظهرا مصاحبا لاي تجمع بل اصبح ممارستها تجارة رابحة تعقد صفقاتها في المكاتب و يلمع اصحابها في المهرجانات؛ هذا مع ان المهرجانات نفسها هي مبادرات ذات طبيعة مصلحية بحتة و لحظية مطلقة.
يقول عبد الرحمن بن خلدون (ان الاوطان كثيرة القبائل يستحيل ان تستحكم فيها الدولة)، ولكن ما باله بوطن لا تستحكم فيه القبلية فحسب بل ان الروابط الاولية واللاشعوية هي التي تستبد بجميع الفاعلين، فالاحزاب بأسماء مؤسسيها و المؤسسات باسماء القبائل، و كل ما هو سياسي يتم تبريره بشكل مجتمعي بحت، و هو ما يجعل من البرامج السياسية متغيرا غائبا كليا في الساحة السياسية الموريتانية ، فحتى أحزاب المعارضة كانت جزء من زوبعة الدعم و ندعم دون ان يتم الاعلان اي برنامج من أي مرشح.
وهو يدفع حقيقة للسؤال ما الحاجة لبرامج طالما العلاقات الاجتماعية و المالية تفي بالغرض لتبرير الفعل السياسي و تمجيد صاحبه و إلباسه ثوب الشرعية المطلقة .
عندما تعرضت تركيا لانقلاب كبير ضد الرئيس اوردغان كان معظم الذين نزلوا للوقوف ضد الانقلاب، ليس من حزب العدالة و التنمية و لا حتى من انصار اردغان السياسيين، لكنهم كانوا فقط يدركون ان العملية للسياسية هي عملية جمعية مفتوحة تستحكم فيها روح البرامج و العمل الجاد، حينها لم يكن الاتراك يدافعون عن ارغان وانما عن الديمقراطية التي تعيش البلاد بوصفها ملكا عاما و ضميرا وطنيا لا يتنازل عنه على الاطلاق .
هذا الأنموذج في حال مقارنته بالحالة الموريتانية نذكر جميعا حجم المظاهرات التي تخرج داعمة لجميع الانقلابات تقريبا التي مرت بها البلاد،والامر لا يتعلق بقلة وفاء او ضمير و انما يتعلق الامر بغياب فعل سياسي مبني و مؤسس يسحق الوقوف و النزول إلى أرض الوطن للدفاع عنه.
إن أي إرادة سياسية لا تضع العمل الجاد لفتح الفضاء العام أمام جميع الفاعلين و لجميع المبادرات السياسية الجادة و المؤسسة لفعل سياسي مستديم نصب عينيها و أولوية في برامجها، لهي أولى أن تترك وحيدة و منبوذة حتى تشيخ و تترهل لوحدها و عندها تبدأ دورة تاريخ جديد ليس بمنطق بن خلدون فحسب بل أيضا بقوة فرض مبدأ الالحاد السياسي العام كفعل سياسي شبيه و محايث للعصيان المدني سياسيا.