سرقونا وأفقرونا وسلطوا زعرانهم علينا

خميس, 03/21/2019 - 15:25

بروفيسور عبد الستار قاسم

أخطر ما صنعته سلطة أوسلو ضد الشعب الفلسطيني هو الاعتماد على الغير بخاصة الأعداء في توفير الرواتب، أي توفير جزء كبير من رغيف خبز الشعب بأموال مساعدات قدمتها أمريكا ودول أوروبية وعربية، وأموال مسؤول الكيان الصهيوني عن جمعها. كان في ذلك ما ولد عقلية التسول والاعتماد على غير الذات في كسب لقمة العيش. أخذ الناس في فلسطين المحتلة/67 ينتظرون هبات الغير المالية وإحسانهم وصدقاتهم لتغطية نفقاتهم وتعليم أبنائهم. وبهذا ارتضى الناس لأنفسهم أن يكونوا أصحاب اليد السفلى، وهي يد مسلوبة الإرادة وعليها أن تنصاع لأوامر من يهب ويتصدق. فكان الكسل والشعور بالعجز هما عنوان مرحلة أوسلو، وفقد أغلب الناس الثقة بأنفسهم وقدراتهم، واستمرأوا الهوان وذل مد اليد. الشعوب الأبية لا تقبل مثل هذه الأوضاع، وكان من المفروض أن يتحرك الشعب الفلسطيني منذ البدء ضد القادة الذين مرغوا كرامتهم بالتراب. لكن المؤسف أن ما حصل في عهد السلطة لم يكن إلا امتدادا لسيرة منظمة التحرير التي طالما تبنت سياسة شراء الذمم بأموال تسولتها في الغالب.

في هذه المعمعة الإعلامية التي تواكب تشكيل حكومة فلسطينية غير شرعية جديدة، قال لي أحد الإعلاميين في معرض تفاؤله بهذه الحكومة إن الدكتور محمد اشتية يعرف مداخله إلى المؤسسات الأجنبية وهو صاحب خبرة في هذا المجال، وسيتمكن من جمع المال لسد العجز المالي الذي يضرب ميزانية السلطة. أي أنه “شاطر في التسول أو الشحدة”، وكان هذا الطرح في قمة الإصرار على بقاء أيدي الشعب الفلسطيني دونية وذليلة. لقد اعتاد الناس على ذلك، وسرعان ما يقولون إن فلسطين لا تملك القدرة على تمويل نفسها، ولا مفر من اللجوء إلى الإحسان والتسول. فكان أن قلت لهذا الإعلامي إن معيار النجاح والفشل هو سياسات الاعتماد على الذات. المساعدات الخارجية هي ثمن الوطن، وعندما اطمأن الأعداء إلى استهتار القيادات الفلسطينية بالوطن الفلسطيني، جاء دور الشعب فقطعوا عنه الأموال. فإذا كان اشتية يبغي النجاح فإن عليه وضع استراتيجية للاعتماد على الذات لكي تتحرر الإرادة السياسية للشعب الفلسطيني. وعليه أن ينتبه إلى أن تحرير الإرادة السياسية الفلسطينية يتناقض مع اتفاقية أوسلو وما تبعها من اتفاقيات. أي عليه أن يخلع عن نفسه رداء أوسلو تدريجيا لكي يتمكن من السير بخطط ناجحة. وإلا فسينتهي بحكومة فاشلة لا تختلف عن الحكومات السالفة.

من المفهوم أنه من الصعب على الشعب الفلسطيني تحقيق الاكتفاء الذاتي، والاعتماد على الذات كليا، لكن علينا أن نعرف كيف نتدبر أمورنا دون المساس بحريتنا السياسية. لا يكفي أن نبقى نطلق شعارا كاذبا اسمه القرار الوطني الفلسطيني المستقل، بل علينا أن نترجم ذلك واقعا. ومن السبل التي أراها أمامنا هي الاعتماد بقدر الإمكان على الاستثمارات التي أقامتها منظمة التحرير قديما والتي لم نعد نسمع عنها. المفروض فتح ملفات منظمة التحرير لنعرف مصير هذه الاستثمارات ومصير الأموال التي ترتبت عليها. وعلينا أن نستثمر أيضا في الأرض المحتلة/67 بخاصة في مجال الزراعة ومجالات السياحة والتي من المفروض أن تكون مدينة نابلس أحد عناوينها الرئيسية. وفي هذا المجال، علينا أن نفتح المجال للمستثمرين الفلسطينيين القادمين من الخارج، وأن نجنبهم ابتزازات الأجهزة الأمنية والرئاسة الفلسطينية. من المعروف أن العديد من المستثمرين هربوا من الضفة وغزة لأن مؤسسات فلسطينية كانت تشترط الدخول معهم كشركاء بدون المساهمة في رأس المال. ثم علينا أن نبحث عن مساعدات لدى أثرياء فلسطينيين وهم منتشرون فعلا في أنحاء العالم. لكن علينا أن نقابلهم باحترام وليس بتكبر ونفس ثوري زائف، وأيضا قد نجد دولا عربية وإسلامية لديها الاستعداد للدعم بدون شروط.

أسوأ ما يمكن عمله هو العودة إلى الممارسات المستمرة على مدى سني السلطة الفلسطينية وهي إثقال الناس بالضرائب الباهظة والرسوم المتصاعدة على معاملاتهم الرسمية. من خلال ممارسات السلطة المالية، يضطر الناس دفع أتاوات وخاوات قضت على قدراتهم في استثمار ممتلكاتهم، وتوفير أموال من أجل النهوض بأوضاعهم الاقتصادية والمالية. وهنا لا بد من الإشارة إلى تطوير ظاهرة الزعران التي غزت الشوارع الفلسطينية وأشاعت الرعب والإرهاب والخوف في صفوف الناس. لقد اعتمد العديد من المتنفذين على الزعران لابتزاز الناس وتكليفهم بدفع الخاوات، أو إسكاتهم سياسيا ومن ثم انزوائهم وعزلهم. الزعران ما زالوا موجودين، وهم يمارسون إرهابهم ضد الناس بالكثير من الصمت، وبطريقة مختلفة عما شهدناه سابقا. ولهذا مطلوب من الدكتور اشتية أن يقضي على ظاهرة الزعران علما أن أغلبهم يحملون سلاحا تحت سمع وبصر الاحتلال، والاحتلال لا يلاحقهم لأنه يعلم أن سلاحهم موجه إلى صدور الفلسطينيين وليس إلى صدور جنوده. ومطلوب أيضا إخراج يد السلطة من جيوب الناس. السلطة أفقرت الناس وسلبتهم أموالهم وما زالت تقوم بذلك.

لي حساب عند الدكتور اشتية، لكن تصحيح البوصلة الفلسطينية والخروج من أوسلو وتبعاته سيدفعني ويدفع كثيرين غيري للتعاون من أجل الوطن.

اكاديمي وكاتب فلسطيني

الفيديو

تابعونا على الفيس