بدأوا بالعراق وسوريا وعينهم على الأردن وفلسطين

ثلاثاء, 03/19/2019 - 17:48

د. شهاب المكاحله

إن التطورات التي تعرضت لها المنطقة منذ العام 1980 وإدخال شعوبها في صراعات طائفية تارة ودينية تارة أخرى ما كان الهدف منها سوى اللعب على تفتيت الوحدة الوطنية للدول العربية وخصوصاً دول الجوار الإسرائيلي ومنها الأردن وسوريا والعراق ولبنان وهي التي تشكل العمق الحقيقي للقضية الفلسطينية. ونشر الإشاعات عن آلية الحكم في بعض الدول ومنها الأردن والمغرب والجزائر  وسوريا  والسودان عبر تسريبات مدروسة لمعرفة ردة الفعل لدى الشارع.

ونظرا لترابط بلاد الشام اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً أكثر من غيرها فإن ما جرى العمل عليه هو البدء بالعراق ليكون الضحية من ثم الإتيان بسوريا لإسرائيل كهدية ومن بعدها يتم تمييع القضية. فمع احترامي للجيوش العربية كلها، فإن إسرائيل ما كانت يوماً تحسب حساباً إلا لدول تحيطها كالسوار لأنها لا تخشى الطائرات  فسلاحها الجوي كفيل بذلك بل تخشى القوات البرية لأنه سينهي تلك الأسطورة. وللحيلولة دون ذلك، تمكنت استخبارات عالمية من عمل دراسة مستفيضة ومُفصلة منذ مدة تفيد بأن الخطر الأكبر على إسرائيل يأتي من العراق ثم من سوريا.

كانت تلك الدراسة توصي بالبدء أولاً بالجيش العراقي الذي كان يصل تعداد قواته البرية إلى اكثر من 400,000 مقاتل والجيش السوري الذي يبلغ عدد قوات المشاة فيه الى 200,000 جندي. فكان التحايل بإدخال العراق في أتون معركة خاسرة نظراً لأعداء الداخل المتربصين به السوء ناهيك بأعداء الخارج الذين وجدوا في بترول العراق وموارده كنزاً ثميناً لعقود. فاستفاد من دمار العراق بعض دول المنطقة التي أثرَت على حسابه ولا تزال تُحارب عودة العراق قوياً معافى إلى سابق عهده. ومن بين تلك الدول التي حرضت على العراق إسرائيل التي لها ثأر قديم معه نظراً لتهجير العديد من اليهود من العراق إلى دول الشتات حسب ما تقوله مصادر إسرائيلية إضافة إلى استهداف المدن الإسرائيلية بصواريخ عراقية قبل عدة أعوام.

وبعد ان استتب لهم الأمر في العراق وسيطروا عليه وعلى موارده، جاء الدول على ثاني تلك الجيوش المحيطة بإسرائيل قوة: الجيش السوري. فكان إنهاكه في حرب مع الإرهاب والتنظيمات المسلحة التي بلغ عددها قرابة 90 مجموعة بأعداد تزيد على 120,000   مقاتل من كافة الدول مدعومين إقليمياً ودولياً وإسرائيلياً.

والسؤال المطروح هنا: كيف أثر ذلك على الأردن وعلى فلسطين؟ وكيف يمكن أن يجد البلدان حلاً لمشاكلهما التي تسبب بها القريب قبل الغريب؟

هنا لا بد من تشخيص الحالتين بدقة نظراً لارتباطهما العضوي معاً. فأين تقف القضية الفلسطينية الآن في ظل صفقة القرن أو ما كان يُصطلح عليه في الماضي باسم “خطة الحسم”؟

في الفلسفة السياسية، تتقدم الدول بوحدتها الوطنية وتتراجع كلما  تراجعت تلك المعايير. لذلك نرى أن تراجع أهمية الأردن وفلسطين في المرحلة الحالية يعود إلى تراجع الوحدة الوطنية التي لعبت عليها ماكينات إعلام غربية وإقليمية حاولت وتحاول تفكيك النسيج الاجتماعي بكافة السبل للوصول إلى صيغة: التجويع ثم التركيع ثم التوقيع. نعم، هي مؤامرة من صديق وقريب؛ كان علينا أن نعرف تلك المؤامرة منذ العام 1991 لأن الكثير من الشواهد عليها لا زالت باقية.

فلسطين بعد الانتخابات الإسرائيلية في الشهر القادم على موعد مع نكبة ثالثة تتمثل في ما يلي: ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل أو القسم الأكبر منها، واستمرار سيادة إسرائيل من النهر إلى البحر، وفرض حكم ذاتي في مناطق نائية وبعيدة عن بعضها للسلطة الفلسطينية وفصل غزة تمهيداً للإعلان عن صفقة القرن المتوقع في نهاية الصيف عقب صراع بين إيران وحزب الله من جهة والولايات المتحدة واسرائيل وحلفائها الاقليميين والدوليين من جهة أخرى.

فعندما تعلن واشنطن فصل “السلطة” عن “حماس” وتعمل على ذلك وهي تعرف بأن لا دولة فلسطينية دون موافقة الولايات المتحدة، فإن كلاً من الأردن وفلسطين على المحك. ومن المرجح أن يستمر الوضع على ما هو عليه الآن حتى مع إعلان واشنطن عن صفقة القرن.

ولو استعنا بالخوارزميات واللوغارتمات لوجدنا أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية حتى الآن حوالي 900,000 مع عزم الحكومة الإسرائيلية على زيادة الوحدات الاستيطانية لتستوعب اكثر من مليون مستوطن في السنوات القادمة، معظمهم في القدس.

وإذا استمر التهجير الإسرائيلي للعرب وإحلال اليهود في السنوات العشر القادمة فسيصل عدد اليهود إلى أكثر من 25 مليون نسمة، يسفر عن تهجير قسري للفلسطينيين إلى دول الجوار ومنها الأردن.

وإذا ما تتبعنا خطة أفيغدور ليبرمان حول تبادل الأرض والسكان، وكذلك خطة جيورا آيلاند حول ضم 720 كيلو متراً مربعاً من سيناء لغزة، ناهيك بخطة مردخاي كيدار حول ما أطلق عليه بـ”الإمارات السبع″، وخطة الأردن الوطن البديل”، أو ما سمى بالخيار الأردني من حيث الكونفدرالية أو الفيدرالية،  لوجدنا أن الحل ليس في العواصم العالمية لإرجاع المكانة السياسية للسلطة والأردن بل يكمن في الوحدة الوطنية والتلاحم الشعبي رفضاً لتلك الإملاءات الخارجية.

فصفقة القرن جاءت وفق ما أراده حزب “ميرتس”: دولة فلسطينية مقابل تبادل أراضٍ ليس وفق حدود 1967 وقد بدأ هذا بقانون القومية اليهودية تمهيداً لإقامة إسرائيل الكبرى.

لذلك فمن المتوقع أن يبقى الوضع على ما هو عليه لأعوام قادمة ما يعني استمرار تداعيات الوضع الاقتصادي والسياسي سوءاً على الأردن وفلسطين ما لم يتمكن الشعب من كسر الهيمنة الدولية على سياسته.

يبدو أن الحل يكمن فقط في التلاحم الوطني الأردني الفلسطيني ضد تلك المخططات التي تُسوق لها القوى الدولية مع تعزيز العلاقات الأردنية سياسياً مع الدول التي لها تاثير إقليمي وحفظ التوازنات وهي استراتيجية يجيد الأردن لعبها منذ عقود.

كاتب اردني مقيم في واشنطن

الفيديو

تابعونا على الفيس