رسالة الى الملك محمد السادس: لا بديل عن الاستعانة بالكفاءات وإلغاء القائمة السوداء لإحياء المشهد السياسي الميت

ثلاثاء, 03/19/2019 - 17:47

مايسة سلامة الناجي

حين تمت إزاحة بنكيران عن رئاسة الحكومة منتصف 2017 واستقدام سعد الدين العثماني الذي قبِل التحالف بشروط أخنوش ومكّن حزب الأحرار من الوزارات السيادية لإنهاء ستة أشهر من البلوكاج، وصف عدد من المثقفين “الصفقة” بالانقلاب على شرعية صناديق الاقتراع لإنشاء حكومة في خدمة المصالح الاقتصادية للمخزن.. وبعدها بعام عبر المواطنون المغاربة عن امتعاضهم من هذه الحكومة الهجينة بالانسياق الكلي التام وراء حملة “المقاطعة” التي لا أحد إلى يومنا هذا يعرف مصدرها.. وبعد مرور عامين يبدو أن الامتعاض تجاوز المثقفين والمواطنين ليبلغ الملك محمد السادس نفسه، الذي  لم يخف شعوره بالخذلان من تهاون هذه الحكومة في إنجاز أبسط واجباتها:

1ـ فشلت بعد أجلين من التأخير في الإتيان بمشروع للتكوين المهني صالح للتطبيق لإدماج الشباب العاطل في سوق الشغل وهو الأمر المستعجل أمام موجات الهجرة غير الشرعية والتي تنذر بمستوى اليأس الذي وصل إليه شباب المغرب؛

2ـ فشلت في التنسيق بينها وإنجاز رؤية واضحة براغماتية للنموذج التنموي الذي ستتكلف بإنزاله قطاعاتهم الحكومية، وهو أمر من المفروض أن يتم تقديمه كبرنامج حزبي في الحملات الانتخابية ثم الاتفاق عليه عند التحالف وقت تشكيل الحكومة!

3 ـ حكومة فشلت في التواصل مع مختلف شرائح وفئات الشعب المغربي أولها الفشل في التواصل مع أبناء الريف الذين لم يحملوا سوى ملف مطلبي اجتماعي حين انتقل عدد من وزراء الحكومة إلى الحسيمة ماي 2017 وفضلوا الاجتماع بأعوان السلطة بدل الاجتماع بشباب الاحتجاجات ما أدى إلى تأزم الوضع واعتقالات وأحكام بلغت 20 عاما سجنا نافذا لقائد الحراك ناصر الزفزافي ورفاقه، فشلت في حل احتجاجات جرادة وزاڭورة واحتاجاجات الأساتذة المتعاقدين واحتجاجات التجار والأطباء، وفشلت مع النقابات.. وتركت المواطنين بين يدي المقاربة الأمنية تُفض احتجاجاتهم بالاعتقال أو الإهمال!

إضافة إلى خمول الفاعلين السياسيين وأحزاب المعارضة إن وجدت، فالمشهد السياسي الحزبي منهار بالكلية: حيث العدالة والتنمية فقد أغلب شعبيته بانفضاح ازدواجية وجوه قاداته الذين يمارسون حرياتهم الفردية في الخفاء من جنس خارج إطار الزواج وحرية اللباس وغيرها بينما يمارسون خطاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهرا لكسب الأصوات الانتخابية، وانهيار حزب الأصالة والمعاصرة مع انتهاء عهد إلياس العماري الذي كان يحمل مشروع كسر شوكة الإسلاميين وبالتالي انتهاء دور الحزب الذي أُسس لأجله وانتهاء هدفه، وعدم قدرة الاستقلاليين على تحسين صورة وسمعة الحزب بعد عهد آل فاسي الفهري وشباط، وفشل تام لليسار بجميع أحزابه في نيل أي رضا شعبي بسبب عدم قدرتهم على تحديث مرجعياتهم لتلائم واقع السوق الحر في مقابل ازدواجية معاييرهم وممارستهم الرأسمالية والإقطاعية في حيواتهم الشخصية، ثم حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يصفه المغاربة بحزب مستثمري القصر وفي هذا الوصف ينتهي معهم الموضوع!

وأمام هذا الكساد السياسي، والذي يواكبه كساد إعلامي فظيع فتح الباب أمام تسويق البؤس ملهاة للرأي العام، هناك إجماع للرأي العام المغربي يمكن جس نبضه في الشارع وعبر مواقع التواصل الاجتماعي على مقاطعة الانتخابات القادمة.

وكما يقول المثل: من الحمق أن ننتظر نتائج مختلفة ونحن نُحَكِّم نفس العقلية.

لننقذ أنفسنا من هذا الكساد ونرى في واقعنا نتائج جديدة، فالعقلية الجديدة تحكم أن نقوم بعكس ما قمنا به سابقا: أن يفتح المغرب صفحة جديدة مع كل أبنائه ـ الذين تم إبعادهم ونفيهم بسبب رفضهم للوضع القائم، والذين جعل منهم معارضين في اللائحة السوداء، وأعداء، أبناؤه الذين يملكون كفاءات وملكات فكرية ولغوية يمكن أن ترج المشهد الإعلامي والسياسي الميت وتحيي فيه الروح، أبناءهأمثال بوبكر الجامعي، وعلي المرابط، رضا بنشمسي، المعطي منجب، نادية ياسين، أحمد السنوسي، والأمير هشام العلوي، كان من الممكن أن يلعبوا دورا إيجابيا في الدفع نحو الانتقال الديمقراطي للبلد لو تم احتضانهم بمساحة حرية تعبير حقيقية بدل دفعهم إلى التطرف في الرأي في بلدان المهجر ـ فهل رأيتم يوما معارضا أمريكيا أو ألمانيا منفيا يعبر عن آرائه خارج بلده؟. ألم يحن الوقت لإحداث نوع من الإنفراج يفسح المجال لحركة إعلامية سياسية جديدة تنهي مع عهد الشعوية وعهد بيع الأيديولوجيات اليمينية واليسارية. ألم يحن الوقت لترك الأحزاب تجدد دماءها بإعطاء الفرصة لشبيبتها اختيار قيادييها دون تدخل من الدولة العميقة،  ألم يحن الوقت أن ترفع الداخلية يدها عن الانتخابات حتى تكون صناديق الاقتراع هي الحاكمة، ألم يحن وقت تعديل دستوري يمنح الحزب الفائز حق تشكيل الحكومة دون تحالفات. ألم يحن وقت تشكيل برلمان تمثيلي حقيقي يسائل ويحاسب ويشرع دون هواتف وأوامر وتوصيات؟ ألم يحن وقت مغرب الديمقراطية؟

أكتب للمرة الثالثة عن إمكانية مولاي هشام كفاعل سياسي يحرك دماء المشهد الآسن، أكتبها وأنا مطمئنة لأن الأجهزة التي تراقب عن كثب تعلم أني لم ألتقيه يوما ولم أكلمه أبدا وأنها فكرة وليدة رغبة الخروج من العدمية نحو فن الممكن واللاممكن. ولكم واسع النظر.

الفيديو

تابعونا على الفيس