مذبحة نيوزلندا وحروب الحق والباطل

سبت, 03/16/2019 - 16:32

نادية عصام حرحش

لا أعرف كيف أبدأ الكتابة في موضوع فجيعة اليوم. محزن، مبكي، مفجع حالنا الإنساني الذي صار يتبجح بالقتل على الهواء مباشرة.

في تداول متسارع لما كتب على سلاح الإرهابي الأسترالي الجنسية الذي قتل الأبرياء اليومي مسجد بنيوزلندا، استشهد الإرهابي المعتوه بشخصيات إجرامية عرفها التاريخ الصليبي منذ خمسة قرون. لا اعرف ان كان مفيدا ما قدمه ذلك الإرهابي ومن يقف معه وخلفه من معلومات جعلت من عتهه واضطرابه موقفا فلسفيا. بكل الأحوال أكد لنا ان الفكر المتطرف متشابه. فلقد كانت ردة فعلي الأولية عند سماع خبر الفاجعة، استحضار مذبحة المسجد الابراهيمي الى ذهني، وتتابعت صور لمذابح أخرى مرت في السنوات القليلة الماضية، التي لا تحتاج الى دروس تاريخ وبحث لمعرفة كم المأساوية التي وصلت اليها الإنسانية. وبين من يحاول رصد التطرف الأعمى الى الصليبيين، وبين من يحاول رسم التطرف الاخر لزمن ابن تيمية. فلا فرق بين هؤلاء جميعا. مشاهد اعدام وقتل وحرق داعش للأبرياء على مدار السنوات القريبة الأخيرة. تأتي من نفس المكان الذي اتى منه هذا الإرهابي الأبيض البشرة. مكان يحفر في التاريخ من اجل اخراج الكراهية وتثبيت عقيدة الحقد واتباعها طريقا.

عندما بدأت داعش باستخدام اعداماتها على طريقة أفلام هوليود، بدا الامر بعيدا عن الواقع. وما فعله الإرهابي الأسترالي اليوم بلا شك أقرب لألعاب الواقع الافتراضي التي نتداولها في كل بيوتنا اليوم. متابعتنا للجريمة بينما كان يتم بثها مباشرة، كان أقرب الى ان يكون لعبة فيديو افتراضي. ردة افعالنا حتى استيعابنا للحقيقة الواقعية لا تلك الافتراضية كانت كالصفعة او ربما أكثر. أدت الى ما يشبه الارتجاج الدماغي.

الى اين وصلنا؟

قد يكون من السهل اتهام الغرب وترامب والعنصرية والصهيونية بكافة اشكالها وأماكن وجودها. وقد تكون هذه فرصة للتأكيد ريما على كم الحقد الذي يحمله الغرب للشرق المسلم. وقد نعود بالتاريخ ونمر كمرور الإرهابي بالتأكيد او النفي على مرارة وجودنا نحن معشر المسلمين في الغرب.

وللحق، فهناك حقد تبلور وتشكل منذ نشأة الإسلام وتحول وجهة الحضارة من الشرق الى الغرب والعكس. فصراع الحضارات لم يتوقف. ولكن هناك فرصة فيما جرى للتوقف امام أنفسنا ومراجعة حياتنا كبشر.

فهذا المجرم الإرهابي ليس حالة فردية منعزلة. فنحن نعيش في عصر ترامب الذي ينادي بنخبوية البيض ويلتحم بأفكار النازية بمسميات أخرى. نحن نعيش في زمن الصهيونية الراديكالية التي صار التباهي فيها بالتخلص من العرب الفلسطينيين تذكرة عبور للانتخابات وفي كل قتل وحرب جديدة هناك تفشي للكراهية واعلاء للتطرف الداعي الى اقصاء الاخر من الوجود. نحن نعيش في زمن الهوس الديني في كل بقاع أراضي المسلمين، والقبلية تزداد سطوة وتحكما، والقتل على خلفيات العشائرية والحزبية صار امرا مشروعا لكل طرف عداء. الاب والاخ يقتل ابنته تحت مسميات الشرف، والاخ يقتل أخيه من اجل قطعة ارض، والجار يقتل جاره من اجل موقف سيارة، وكل من يختلف مع الاخر يرى فرصة للقتل مبررة.

على المنابر ينادي الشيخ بقتل الاخر الذي لا ينتمي الى حزبه. يشرعن العنف والقتل والاجرام بالفتاوي الشرعية. في غزة يقمع المتظاهرون وتقوم القائمة في رام الله دفاعا عن حقوق الانسان. في وقت لا تتهاون الأجهزة نفسها في رام الله عن فمع المتظاهرين وفي نفس الشكل والاليات.

العنف الاخر هو المبرر للحزب الاخر والعكس.

كما القتل الاخر مبرر من الجهة العدوة وبالعكس.

غزة والضفة تقمع مواطنيها وكل على حسب مزاجه.

وإسرائيل تقصف وتجتاح كما تريد، فكل ضرر وعطب بالفلسطينيين هو محسن للأداء يزيد من فرص الفوز بالانتخابات.

والمسلمين يذبحون في بلاد الغرب.

نعترض ونشجب ونصيح ونبكي.

ونقول وامعتصماه….

ونكمل حياتنا في اليوم التالي…باللحظة التالية، ونتسابق في زحام التبضع من الإسرائيليين في متاجرهم. وكأن من يقصف في غزة فضائي من الصين. ونلعن الغرب ونصر بأن نتعلم من علومهم لنصبح أفضل، ونتكلم لغتهم لنكون مثلهم، ونصطف من اجل اللجوء والهجرة لأن بلادنا لا تتسع لنا وتقمعنا …. فيكون اللجوء بالفعل جحيما. يأخذنا اليه إرهابي آخر….

قد يكون بكل تأكيد ضحية مسح دماغ ممنهج

لكره الاخر… الاخر المسلم اللاجئ كما علموه وملئوا دماغه ووجدانه.