الجزائر: النظام والحراك الشعبي

أربعاء, 03/13/2019 - 15:26

دكتور محيي الدين عميمور

للمرة الثانية في حياتي أتصرف بهذا الشكل.

فالذي حدث هو أنني، وقبل أن أنتهي من إعداد  المقال الذي سوف أبعث به لرأي اليوم، اطلعت الآن في “الفيس بوك” على مقال للشاعر الجزائري محمد جربوعة، ووجدته يعبر في معظمه عن أهم ما كنت أريد قوله.

ومن هنا أرسل به لأنه سيكون أحسن من كل ما يمكن أن أقوله، وها هو المقال:

لأننا نراهن على التغيير السلس والهادئ والسلمي ، فإننا نقول :

يظن البسطاء أنهم ( اللاعب الوحيد) في اللعبة السياسية في الجزائر .. وهذه البساطة مشكلة .. أن ينام الشعب 60 سنة .. فتتغلغل لوبيات وجماعات وأطراف ، وتقيم لها مصالح ووجودا ، ثم يأتي الشعب ليزيلها في شهر ، بكل جذورها ، فهذا جنون .. 

لستَ اللاعب الوحيد .. وحين تتجاوز ما يمكن التنازل لك عنه ، ستدفع الثمن .. 

ولا يتعلق الأمر هنا بالشجاعة الفردية .. بل بتحمل مسؤولية دم الناس ومصير البلد.. ذلك لأنه مهما طال وقت السلمية ، فسيأتي الوقت الذي تتعفن فيه الأمور ويقع المحظور .. 

النظام له خط لن يتجاوزه في التراجع .. تعرفون لمَ ؟

لأن رجلا مثل القايد صالح يراه الجنرالات الخمسون المقالون منذ 2015 إلى 2018 سببا في دمار مستقبلهم العسكري والسياسي ، ولا شكّ أن وقوعه يعني الانتقام منه .. ومن كل مصالحه .. 

النظام اليوم يعرف الحلقات والأطراف الأقوى .. ويدرك أن الشعب كما يقول العلماء ( شيء متخيّل) فقط .. مثل (الأمة)..

وأنت حين تقول ( عائلتي ) أو ( أبنائي) فإنك تتحدث عن معلوم لا عن متخيّل .. لكن حين تقول ( أمتي) فأنت تتحدث عن ( متخيل) عن مئات الملايين من الناس الذين لا تعرفهم .. إنما تتخيل وجودهم .. 

لذلك فالحديث عن الشعب خيال .. فكيف سيمثل هذا الشعب حراكه ؟ كيف قد يحضر ندوة دعت لها السلطة ؟ يحضر الشعب كله أم ينتقي ؟ وهل يسمح طرف من الشعب لطرف آخر ليمثله ؟ وكيف سيحكم الشعب ؟ أن تكون حكومة فيها 45 مليون وزير ؟ أم أن الشعب سيختار من يستوزرهم ؟ ومن الذي سيختار هؤلاء وكيف ؟ وبأي آلية ؟ 

الشعب مجرد خيال ، والمطلوب منه في كل الثورات أن يقوم بعملية إسقاط ( الملك) ثم يذهب إلى بيته .. والثورة التحريرية الجزائرية أكبر مثال .. فهل حكم فيها الشعب ؟

دعونا من كلام الصبيان .. 

ودعونا من الذين يقولون : ( لنجتمع حول إسقاط النظام ، وبعدها لكل حادث حديث) .. 

المشكلة في ( الحديث الذي سيكون بعد الحادث) .. لن يكون أبدا حديث الذين قاموا بالحادث .. 

النظام يعرف قوة الشعب ، ويدرك أن الشعب لن يحكم أبدا .. 

النظام يدرك أنّ هناك ( لوبيات) متنفذة في مفاصل الدولة ، وهي المهيأة والقادرة على الحكم في حال سقوط النظام ، لذلك فهو يرى أن سقوطه لن يكون لصالح الشعب بل لصالح تلك اللوبيات .. 

النظام يراقب اليوم عبر لجان ( مشاهدة) للقنوات و(استماع) للإذاعات ، أن الشعب لا يملك (قناة واحدة ) في الدنيا كلها ، بينما وجوه الدولة البديلة ترتع في كل القنوات ، ويمكنك أن تنتقل بين كل القنوات التي تنقل ما يحدث ، لترى الوجوه نفسها في كل القنوات ، وكل يوم .. وكأنه لا يوجد من الشعب الجزائري غير هؤلاء .. 

النظام أوعى من الشعب .. فمن هذا البسيط الذي يظن أنّ النظام قد يعطي كل شيء ، وهو يعلم علم اليقين أنّ الذي سيجني الثمرة هو جناح آخر منافس له ؟ 

النظام لن يعطي ( الكعكة ) كاملة لأحد .. سيتنازل عن أجزاء منها ، ولن تكون هذه الأجزاء أبدا بالحجم الذي يرسمه البعض في أحلامهم .. 

إلا أن تحدث عاصفة تعصف بالنظام ، وحينذاك لن يحكم البلاد غير ( دولة الظل) المتربصة ..

مشكلة الكثيرين أنهم ليس لهم مشكلة مع الدولة العميقة .. ولا يفهمون خطرها على الثقافة والإنسان والثروات والوطن .. 

كيف يمكن أن تقنع شخصا ثائرا على ( حسني مبارك) في أيام الثورة المصرية ، أن هناك ما هو أسوأ من مبارك .. وأنّ الأفضل ليس هو هروب مبارك وترك البلاد لتنتهي في يد السيسي .. 

الذين عاشوا فترة التسعينيات يفهمون جيّدا معنى أن يحكم البلاد أناس حاقدون بقلوب وحوش .. 

لا أحد يزايد علينا في الشجاعة .. لكنّنا فقط ، لا نستطيع أن ندعو شبابا بسطاء وثقوا فينا إلى ما نظن أن دماءهم ستسيل فيه ؟

سياسيا .. المطالب المفتوحة والشمولية خطيرة ، لأنّ النظام يراها (غير معقولة) .. وهو ما يدفعه إلى الدفاع عن وجوده بشتى الوسائل .. 

وحين تطالب شخصا مفسدا من النظام بأن يتنحى ، وهو يعلم أنّ البديل شخصٌ أسوأ ، له تاريخه في الإجرام والنهب والفساد .. فإن هذا الشخص من النظام لن يقتنع بأسطوانة ( التطهير) وشعارات ( التنظيف) التي يرفعها الحراك..

وحين يكون البديل الذي يتم تلميعه اليوم ، هو: قضاة شاركوا في المحاكم الخاصة القاسية التي أعدمت الآلاف ظلما ، وجنرالات محالون على التقاعد شاركوا في الانقلاب والاختطاف، وسياسيون مقالون لهم تاريخ من السرقات والفساد ،فإنّه لا أحد يستطيع إقناع النظام أنّ الجزائر مقبلة على أن تكون جمهورية ( ثانية) .. بالمعنى الذي يحمل مواصفات ( الجنة).

لانزال ننصح بـ (22) ممثلا ، يجسون نبض النظام ، في لقاء مباشر معه .. ومطالبته بخطوات أخرى ، تؤمّن له (الخروج الآمن) وتضع الوطن على سكة الخير .. 

أما الاستمرار في الخروج للشارع دون هذه المبادرة ، فأنا أراه عودة إلى المربع الأولى .. 

خاصة وأن المسيرات أصبحت عادية وموجودة يوميا ، في الليل والنهار ، وبعد شهر لن يكون لها معنى ..

هذا ، مع وجود احتمالات للتعفن ، وهو ما سينتهي نهاية سيئة .. 

تذكروا دائما ، أنّ ( إسقاط النظام) وغيره من المطالب الشمولية العامة ، أمر لا ينصح به العقلاء ..

تذكروا دائما أنّ للنظام خطا معينا ، لن يتراجع أبعد منه .. 

تذكروا دائما أنّه لا توجد ( معارك مفتوحة)، (وحروب دون نهايات) .. وأن الضغط يحدث لإلزام الخصم بالتفاوض والحوار ، لتحقيق مكاسب .. وما يمكن أخذه بالحوار ، لا معنى لاستعمال القوة لافتكاكه .. 

وتذكروا أخيرا .. أنّ من المستحيل أن تستمر المسيرات هكذا عاما لو لم يستجب النظام.. فإما أن تنتهي بالقوة .. وإما أن تقع في المحظور والعنف أو تتحول إلى عصيان وغير ذلك..وإما أن تنتهي إلى اليأس والقنوط .. 

لذلك ، لا بد من الاستثمار اليوم في ما تحقق لحد الآن .. وهو كثير .. 

وإن لم يستجب النظام ، فلينتقل التفكير آنذاك إلى البدائل .. 

الأيام بيننا .. وستذكرون ما أقول لكم ..

محمد جربوعة

مفكر ووزير اعلام جزائري سابق

الفيديو

تابعونا على الفيس